1000173
1000173
المنوعات

تجربة لتتبع مسار الفراشات للتعرف على تفاصيل حياتها العجيبة

02 مايو 2017
02 مايو 2017

بيدرا هيرادا (المكسيك) «د.ب.أ»: كيف نعرف المسار الذي تقطعه الفراشات؟ إذا كان من الصعب تقفي أثرها في الغابات، أو يبدو مستحيلا تتبعها عبر المسار الطويل في رحلة هجرتها عبر خمسة آلاف كيلو متر من كندا شمالا، مرورا بالولايات المتحدة، وصولا إلى المكسيك جنوبا، أصبح الأمر الآن ممكنا من خلال تقنية تقوم على لصق علامات صغيرة عليها، ومع كثير من الحظ.

«لدي أصدقاء عثروا على ما يقرب من عشر فراشات. أما أنا فلم أعثر على أي واحدة. عندما يحدث ذلك ننظر جميعا إلى الصور بتأثر شديد. الأمر أشبه بالحصول على الجائزة الكبرى»، تقول سيسليا أجيلار مرشدة بمحمية فراشات بيدرا هيرادا المليئة بأشجار الصنوبر وتنتشر بها مساحات خضراء شاسعة، وتقع على مسافة 110 كيلومترات جنوب غرب مكسيكوسيتي. خلال موسم الربيع بعد فترة الخروج من الشرنقة تنطلق بالملايين أسراب الفراش الملكي، وهو نوع عملاق يتسم بألوانه الزاهية: أجنحة برتقالية، خطوط سوداء مبرقشة بنقط بيضاء.

تبدأ رحلة هجرتها من الشمال إلى الجنوب، بين شهري أكتوبر وديسمبر، وتنطلق من منطقة البحيرات العظمى، لتضع بويضاتها شمال المكسيك وجنوب الولايات المتحدة، قبل أن تنتهي دورة حياتها في مايو.

واحدة من تلك الفراشات التي وصلت المكسيك في موسم وضع البويضات، كانت أنثى قطعت مسافة 1800 كيلومتر، وكانت تحمل إشارة تم لصقها في البوركيركي، بولاية مكسيكو الجديدة الأمريكية، لتظهر بمحمية سيرو بيلون بوسط المكسيك.

على مدار عقود استمرت معامل جامعات وجماعات محبي الطبيعة في وضع علامات على أجنحة الفراش، وبصفة خاصة في الولايات المتحدة. ينتهزون فرصة ميلادها فوق براعم نبات الصقلاب المعمر، أحد فصائل إكليل الجبل، أويصطادونها بالشبك عندما تتوقف لارتشاف رحيق الأزهار أثناء عبورها نحو المكسيك.

في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية( د. ب. أ) توضح أستاذة علم الأحياء المكسيكية جلوريا تابيرا «معدل الطيران اليومي يتراوح بين 70 إلى 130 كيلومترا، تتوقف للراحة وارتشاف الرحيق لتواصل رحلتها في اليوم التالي». تشغل تابيرا منصب أمين عام المجموعة الفنية رفيعة المستوى التي تضم الدول الثلاثة، وتعنى بحماية مسار هجرة الفراش الملكي.

يقوم المتطوعون والعلماء ومتطوعون من برنامج مونارش ووتش، ومقره جامعة كنساس، بلصق شارة دائرية ضئيلة الحجم تحمل رمزا كوديا من أرقام وحروف، ويتمنون من كل قلوبهم أن يحالف الحظ أي أحد ليعثر عليها ويقوم بإخطار جهة الإرسال بالرمز الكودي.

توضح تابيرا «يوجد فريق مدرب وكامل في الولايات المتحدة، يعتمد على جهود المجتمع المدني لخدمة هذه القضية، حيث يتولى التقاط الفراشات ولصق الأكواد عليها، يشير الرمز الكودي للمكان الذي قام بلصق الشارة، وهذا يفيدنا في التعرف إن كان هو أم لا نفس الفراش الذي وصل إلى محميات ولاية مكسيكو الجديدة أو ولايات متشواكان المكسيكية».

في غالبية الأحوال يتم العثور على الفراش الذي يحمل رموزا كودية في المكسيك، بواسطة القرويين أو المرشدين العالمين في المحمية الطبيعية، أو عندما تموت أثناء العواصف الثلجية أو لأسباب أخرى في الغابة حيث يقضون موسم الشتاء قارص البرودة. وتتميز الفراشات الملكية بسمات تجعلها شديدة الخصوصية بين الحشرات قشرية الجناح، حيث يطلق عليها اسم «متشولح»، جد نبي الله نوح وفقا للعهد القديم، نظرا لطول عمرها، فهي تبدأ رحلة هجرتها في خريف نصف الكرة الشمالي من كندا مرورا بالولايات المتحدة لتصل إلى المكسيك، ويمتد عمرها إلى تسعة أشهر، إلا أن بعضها يعيش أحيانا لأقل من شهر.

وتجند كلا من الولايات المتحدة وكندا أعدادا غفيرة من أجل لصق الأكود على الفراش، حيث يتعين عليهم استخدام نوع خاص من اللاصق، واختيار بعناية المكان الذي سيوضع به الكود على جسم الفراشة. يتكون الكود من ثلاثة أرقام وثلاثة أحرف فضلا عن إشارة إلى المؤسسة التي وضعت الرمز الكودي. ليس الغرض من الفكرة معرفة مكان كل زهرة توقفت عندها الفراشة أثناء الرحلة، بل التعرف بصفة عامة على مسار الرحلة العجيبة ومحددات إطارها وصولا إلى المكسيك.

بدأت عملية لصق الأكواد لأول مرة عام 1937، على يد عالم الأحياء الكندي فريد اوركهارت، وبعد رحلة انتظار استمرت نحو أربعة عقود تمكن في النهاية من معاينة ثمرة جهوده: تم العثور في المكسيك على واحدة من فراشاته، مما ساعدة على اكتشاف مسار رحلة هجرة الفراش.

أما وفقا لجمعية مونارش ووتش، عثر قبل بدء برنامجهم لتكويد الفراش عام 1922 على 99 فراشة ملكية، تحمل إشارة لرمز كودي من عمل فريق الكندي أوركهارت وزوجته نورا، فيما بعد عثر على ما يربو على 10 آلاف فراشة. يوضح برنامج مونارش ووتش على صفحته على موقع الإنترنت «تعلمنا الكثير من رحلة هجرة الفراش الذي يحمل رموزنا الكودية، فقد ساعدتنا على التعرف على أن هناك موديلا نموذجيا يخضع لمعايير زمنية ومعدلات سرعة الرحلة، ومعدل وفيات الفراش فضلا عن منظومة خلايا فترة الحضانة داخل الشرنقة».

في 2009، قام البروفيسور الألماني مارتن ويكليسكي، خبير الأحياء بمعهد ماكس بلانك للطيور، وأخصائي دراسات هجرات الطيور والحيوانات، بتعليق جهاز راديو إرسال بجسم فراشة ملكية بمدينة لورنس التابعة لولاية كنساس، في تجربة رائدة، بالتعاون مع شيب تايلور مدير برنامج مونارش ووتش.

لا يكاد يصل وزن الفراشة إلى نصف جرام، وكان الجهاز الملصق بجسمها يمثل حمولة زائدة، إلا أن الفراشة في النهاية تمكنت من قطع الرحلة، وتمكن العلماء من متابعتها طوال 18 كيلومترا، إلا أنها تحررت بعد ذلك من هذه الحمولة الزائدة.