أفكار وآراء

وصفة العبور

02 مايو 2017
02 مايو 2017

آن بنت سعيد الكندية -

Twitter: @AnnAlkindi -

يقول كينز (مؤسس نظرية الاقتصاد الكلي) «للخروج من الأزمات : على المدى البعيد كلنا ميتون»

السلطنة قادرة على عبور أزمة مالية بالرغم من وجود عجز تراكمي منذ 2015 يقارب 10 مليارات ريال عماني، ما إن اتخذت سياسة معاكسة للدورة الاقتصادية، وتحديثا للنظام المحاسبي الحكومي القائم حاليا على أساس النقد Cash Accounting basis واستبداله بنظام محاسبي مبني على الاستحقاق Accrual accounting Basis إذ تعكس هذه الطريقة جميع الإيرادات والنفقات دونما تأخير منهية بذلك عصرا طويلا لترحيل بند المصروفات «الفعلية» قيد التسوية المقدرة بالمليارات.

إن لاختيار الأسس المحاسبية أثرا كبيرا على عكس الوضع المالي وتوفر البيانات مما يؤثر إيجابا أو سلبا على سمعة السلطنة وتقييمها الائتماني . كان ذلك توضيحا لجدل طويل عن سيطرة الفكر المحاسبي التقليدي دونما توضيح أو طرح بدائل .

كان السؤال في عام 2015 كيف نعبر أزمة انخفاض سعر النفط في ظل انخفاض للإيرادات وتوسع في الإنفاق وهو سؤال طرحته سابقا في مقال منشور بجريدة عمان بعنوان (هل المعادلة حقا صعبة؟)، سؤال اليوم هل عبرنا وبأي ثمن؟ حسبما أعلنت الموازنة العامة المنشورة بداية هذا العام بلغ العجز الفعلي في 2016م 5.3 مليار ريال عماني وهو الأعلى في تاريخ الموازنة «حسب وصف البيان» على الرغم من تحسن أسعار النفط جزئيا، فهناك اليوم حاجة ملحة لإجراءات تحقق استدامة الأوضاع المالية، ونمو اقتصادي يكفل خلق عدد لا بأس به من فرص عمل للباحثين عنه المقدرين بـ44 ألف سنويا حسب بيانات «موجز» الخطة الخمسية التاسعة.

حتى الآن تراوحت الإجراءات للتعامل مع الأزمة ما بين خفض للإنفاق، ورفع للدعم، وزيادة للضرائب وللرسوم، فما النتيجة المحققة ؟

بلغ إجمالي الانخفاض في الإنفاق العام حوالي 10% ما بين عامي 2015 و2016، استطاع الأمن والدفاع خفض المصروفات من 4.2 مليار ريال عماني في 2014 إلى 3.86 مليار ريال في 2015 بانخفاض قدره 348 مليونا، في حين انخفضت مصروفات القطاع المدني من 5.395 مليار ريال عماني في 2014 إلى 5.301 مليار ريال عماني بانخفاض قدره 94 مليون ريال عماني فقط. في حين ازداد الإنفاق العام في عام 2016 من 11.9 مليار ريال مقدر صرفه إلى 12.65 مليار ريال تم صرفه فعليا نتيجة لدعم قطاع الكهرباء الذي ارتفع لتضاعف سعر الغاز بحسب التقرير السنوي لهيئة الكهرباء والمياه، كأحد الأسباب.

أما فيما يتعلق بالإنفاق الإنمائي، فما مدى نجاح الموازنة الصفرية التي أعلن عنها في بيان الخطة الخمسية التاسعة في يناير 2016 في رفع كفاءته ؟ وحيث إن تحديد أولويات المشاريع الإنمائية من شأنه التأثير على نمو الاقتصاد الوطني، والإنفاق الاستثماري حدد عند 1.2 مليار ريال عماني، وهو مبلغ محدود مقارنة بإجمالي الإنفاق العام المقدر لعام 2017 بـ11.7 مليار ريال عماني.

أما أكثر النقاط أهمية التي لا بد أن نلتفت لها في خضم التصدي لأزمة مالية فهي الأرقام التي تعكس مدى صحة الاقتصاد ومتانته ومدى نجاعة إجراءات التصدي للأزمة وآثارها على الاقتصاد الوطني، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى انخفاض للصادرات غير النفطية بنحو 27% في عام 2015 واستمرار انخفاضها حتى نوفمبر 2016 بنسبة 19% مما يؤثر بطبيعة الحال على تدفق النقد الأجنبي في الاقتصاد الوطني، ويعكس تباطؤ قوة النشاط الاقتصادي.

كما يبدو أننا يجب أن نعمل أكثر لجذب الاستثمار فقد بلغ عدد الشركات التي يزيد رأسمالها عن مليون 0.1% من عدد الشركات الجديدة المسجلة خلال 2015، كما انخفضت ضريبة الدخل على الشركات بنسبة 14% كنسبة للتغيير ما بين 2015 و2016. وبلغ العجز في الحساب الجاري 4.2 مليار ريال عماني في 2015 نظرا للعجز في التحويلات الجارية، ويتعذر معرفة حجم عجز الحساب الجاري لعام 2016 نظرا لعدم توفر البيانات الا أنه يتوقع ارتفاعه بنسبة أعلى حسب تقرير البنك المركزي.

وفي سبيل الخروج من فخ الأزمات، علينا أن ننتبه إلى أننا قد ننشغل بمحاولة حل مشكلة السيولة، وننسى أهمية إنعاش الاقتصاد، فهنا أود تقديم بعض أفضل الممارسات المفترض انتهاجها للعبور من الأزمات، وهي أخذ المضادات الحيوية اللازمة لخلق نمو اقتصادي والتصدي لتباطؤ في النمو قدره البنك الدولي في آخر تقاريره بأقل من 1% للسلطنة خلال 2017، يحدث ذلك عبر انتهاج سياسة مالية معاكسة للدورة الاقتصادية Countercyclical التي تعني زيادة الإنفاق الاستثماري وخفضا في الضرائب في وقت الأزمات وتباطؤ النمو، بينما ما نقوم به العكس عبر انتهاج سياسية مسايرة للظروف الاقتصادية Procyclical حيث في وقت الأزمات قمنا بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب.

وبعيدا عن الكلام الإنشائي والعاطفي القائل بانفتاح شهية الإنفاق كلما ارتفع سعر النفط فإن التوصيف العلمي المبني على نظريات الاقتصاد المثبتة علميا وعبر التعاقب التاريخي للدورات الاقتصادية أثبت في دراسة لجامعة هارفارد أن الدول التي تلجأ إلى سياسات تساير الدورة الاقتصادية ولا تواجه تقلباتها بحيث تزيد في الإنفاق وقت توفر النقد، وتلجأ إلى تقليص الإنفاق وقت الأزمات عبر زيادة الضرائب والرسوم والاقتراض فإنها تقع في خطأ زيادة انكماش الحركة الاقتصادية بدلا من نموها عبر زيادة الاستهلاك، ومن هنا أدعو إلى ضرورة إنشاء دائرة معنية برسم السياسات الاقتصادية لتحديد التوجه العام للسلطنة على أسس علمية وهي أقرب ما تكون إلى اختصاص المجلس الأعلى للتخطيط كونه الجهة الاستراتيجية التي تعد الاستراتيجيات والخطط التنموية للبلاد.

أما في حالة اعتبار سيناريو أكثر تفاؤلا وانتظار رهان ارتفاع سعر النفط خلال 2017 ووصوله إلى 60 دولارا في الربع الأخير من هذا العام، فإن سعر التعادل (سعر النفط اللازم لتغطية المصاريف دون عجز أو فائض) حسب تقديرات صندوق النقد الدولي عند حوالي 76 دولارا أمريكيا فلا يزال هناك فارق 16 دولارا لتغطيته خلال 2017. وبما أن الدين العام بلغ 29% من إجمالي الناتج المحلي حتى 2016، ومرشح للزيادة بحسب بيان وزارة المالية، فإن إدارته تتطلب فورا دعم الوزارة بكفاءات مختصة بإدارة الدين، مثلما هناك حاجة ماسة إلى رفع كفاءة التحصيل الضريبي بدلا من زيادته.

إن طبيعة أعمال وحدة دعم التنفيذ والمتابعة يحتم ظهور أثرها على المدى المتوسط والبعيد، بينما تداعيات طول الفترة الزمنية لانخفاض سعر النفط وتحديات عدد الداخلين لسوق العمل الجدد تجعلنا نتساءل: إذا لم تكن الأزمات أقوى دافع للتغيير، فماذا عساه أن يكون سببا؟!.