الملف السياسي

نزع فتيل الأزمة مع كوريا الشمالية - كيف؟

01 مايو 2017
01 مايو 2017

جويل ويت -

نيويورك تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

كنت وما زلت التقي بمسؤولي حكومة كوريا الشمالية على مدى فترة تزيد عن عشرين عاما. كانت لقاءاتي معهم في البداية وطوال ما يقرب من 10 أعوام جزءا من عملي بوزارة الخارجية. ثم لاحقا كباحث في الجامعات ومراكز البحوث. جعلتني هذه التجربة ملما بمرئيات (وجهات نظر) الكوريين الشماليين حول ضمان أمن بلدهم. لذلك أعتقد أن الرئيس ترامب يرتكب خطأ كبيرا إذا اعتقد أن التهديد بتوجيه ضربة عسكرية وتصعيد العقوبات سيقنعا كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية. فبعد مراجعة استغرقت شهرين، تحركت إدارة ترامب لتطبيق سياسة تركز على ممارسة الضغط، بما في ذلك التهديد باستخدام القوة العسكرية وفرض عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية إلى جانب قيود جديدة قصد منها معاقبة الشركات الصينية التي لها روابط مع بيونج يانج. وفي حين أن الفكرة وراء ذلك هي إجبار كوريا الشمالية على الكف عن تصرفاتها الاستفزازية والعودة إلى المفاوضات والتخلي عن أسلحتها النووية إلا أن الأمور لا تمضي على هذا النحو. فعلى الأغلب لن تؤدي هذه التهديدات إلا إلى تمسك حكومة كوريا الشمالية بموقفها والمضي قدما في تنفيذ برامجها النووية والصاروخية وإدخال الولايات المتحدة في أزمة ملتهبة في شبه الجزيرة الكورية ربما ستتصاعد وتخرج عن نطاق السيطرة. لقد قاومت كوريا الشمالية بنجاح ولمدة 60 عاما ليس فقط ضغط القوى العظمى وأساسا الولايات المتحدة ولكن أيضا محاولات التلاعب بها من قبل حماتها (الاتحاد السوفييتي والصين.) يعكس هذا الصمود نزعة قومية قوية ولكنه يعكس أيضا مبدأ عزيزا للكوريين الشماليين وهو أنهم بلد صغير يجد نفسه في مواجهة « حياة أو موت» مع أقوى بلد في العالم وأن إبداء أي ضعف سيكون انتحارا وطنيا. ثمة فكرة قديمة و متجذرة عميقا في بيونج يانج فحواها أن الأجندة الحقيقية لواشنطن هي التخلص من النظام الكوري الشمالي بسبب التهديد العسكري الذي يمثله (هذا النظام) للحلفاء الأمريكيين مثل كوريا الجنوبية واليابان و انتهاكاته الواسعة النطاق لحقوق الإنسان والآن ترسانته النووية. لقد حاول وزير الخارجية ريكس تيلرسون طمأنة الشمال الكوري أثناء زيارته إلى طوكيو الشهر الماضي حين قال: »على كوريا الشمالية وشعبها عدم الخشية من الولايات المتحدة أو جيرانها في المنطقة الذين يسعون فقط إلى العيش في سلام مع كوريا الشمالية.» ولكن تأكيد نائب الرئيس مايك بينس في سول مؤخرا بأن الولايات المتحدة تسعى إلى «إنهاء القهر» في كوريا الشمالية سيعني بوضوح حين ينظر إليه من كوريا الشمالية تبنيا لسياسة « تغيير النظام.» تعزز مثل هذه التهديدات الاعتقاد في بيونج يانج بأن كوريا الشمالية تحتاج إلى الأسلحة النووية لحماية نفسها ضد بلد أكبر وأقوى كثيرا منها. هذه رسالة سمعتها مرارا من الكوريين الشماليين ومؤخرا جدا في لقاء خاص حضرته مع مسؤولين حكوميين ذكروا أن بلدهم ما كان سيسعى إلى تطوير أسلحة نووية لو أنه لم ينظر إلى الولايات المتحدة كمهدد أو إذا لم يتعرض لاستفزازات أمريكية وكورية جنوبية . هذه النظرة تعززها تصرفات الولايات المتحدة في بلدان أخرى سواء كان ذلك دعمها لعملية تغيير النظام في ليبيا أو ضرباتها الجوية ضد سوريا بدعوى استخدامها أسلحة كيماوية. ربما أن إدارة ترامب ستكون مخطئة أيضا إذا اعتقدت أن الصين ستكبح كوريا الشمالية. حقا يبدو أن مسعى الرئيس لإرساء تعاون مع الصين بجانب التهديد بعمل عسكري أمريكي ضد كوريا الشمالية يحققان بعض النتائج مع تهديد الصين مؤخرا بفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية . ولكن السؤال هو إلى أي مدى ستذهب الصين في هذا الجانب؟ فهنالك مخاوف مشروعة في بيجين من أن الإفراط في الضغط الاقتصادي على كوريا الشمالية سينتج عنه عدم استقرار خطر هناك. إلى ذلك، من المرجح أن يقاوم الكوريون الشماليون تكتيكات الذراع القوية الصينية (استخدام القوة أو التهديدات لفرض الإرادة)، بذات القدر الذي سيقاومون به الضغط الأمريكي. لقد قيل أن محاولات الصين إرسال دبلوماسيين كبار إلى بيونج يانج مؤخرا رفضت على الفور من جانب كوريا الشمالية. وينسى معظم المراقبين أن الترسانة النووية الكورية الشمالية تستهدف الصين كما تستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها. وفي الأسابيع القادمة، سيكشف التقليل من مدى عناد وتصلب كوريا الشمالية والإفراط في تقدير نفوذ الصين عجزَ إدارةِ ترامب عن وقف البرنامج النووي الكوري الشمالي ما قد يؤدي إلى تصاعد التوتر. وقد تكون التصريحات العدائية لبيونج يانج التي تهدد بشن حرب نووية حرارية و استعراض صواريخ جديدة في عرض عسكري مؤخرا والاختبار الفاشل لصاروخ قادر على الوصول إلى أهداف في شمال شرق آسيا خطوات أولية (في المواجهة) من جانب كوريا الشمالية. إذا استمر المسار الحالي لإدارة ترامب فقد يقود إلى طريق مسدود. ذلك أن بيونج يانج ستمضي قدما في تنفيذ برامجها النووية والصاروخية وسيبدو التهديد الأمريكي أجوفا باطراد إذا لم يتبعه استخدام القوة خوفا من أن يؤدي ذلك (الاستخدام) إلى رد عسكري كوري شمالي ضد كوريا الجنوبية واليابان. وستخف مساندة الصين فيما تسعى لإيجاد مخرج من التوترات. نتيجة لذلك سينتهي الأمر بانحباس إدارة ترامب في مصيدة سياسة مبهمة. وستقتصر خياراتها إما على التقهقر إلى سياسة « الصبر الإستراتيجي» الفاشلة التي تبنتها إدارة اوباما ( بالطبع دون أن تقول أنها تفعل ذلك) أو التشبث بعقوبات تستهدف الصين ونشر المزيد من الدفاعات الصاروخية والقوات في المنطقة. الوقت ليس في صالح الرئيس ترامب. وعلى الإدارة الأمريكية أن تفكر جادة في التخلي عن ممارسة الضغط واستئناف الحوار قريبا مع كوريا الشمالية. في الحقيقة يجب أن تكون حكومة الولايات المتحدة قد شرعت سلفا وبهدوء في الحوار مع الكوريين الشماليين إما عبر بعثة بيونج يانج لدى الأمم المتحدة أو من خلال قنوات أخرى وذلك لتأكيد عزم واشنطن على الدفاع عن المصالح الأمريكية وتوضيح أن الولايات المتحدة ليست لديها نوايا عدوانية تجاه كوريا الشمالية. على الأمريكيين أيضا توضيح رغبتهم في استكشاف مسارات سلمية تقود إلى الأمام. و يجب أن تكون الخطوة التالية للإدارة الأمريكية ابتدار « المحادثات حول المحادثات» لتمكين كلا الجانبين من طرح مخاوفهما والتي ستكون بالنسبة للولايات المتحدة البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية. وإذا تم إيجاد أرضية مشتركة وأبدى الشمال الكوري الرغبة في جعل شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي في نهاية المطاف فيمكن للطرفين حينها الاتجاه نحو استئناف المفاوضات الرسمية. لا توجد ضمانات بأن هذه المقاربة ستنجح. ولكن اللازمة (العبارة) التي تكررها إدارة ترامب بأن « كل الخيارات موضوعة على الطاولة» يجب أن تعني ذلك بالضبط . أي ليس فقط توجيه ضربة عسكرية ولكن أيضا هجوما دبلوماسيا. بذلك، سيتجنب الرئيس ترامب السقوط في مستنقع يتبدى في الأفق. كما سيعزز أيضا التعاون مع الصين ويقدم إلى بيونج يانج مخرجا مشرفا من المواجهة الحالية قبل أن يفوت الأوان.

•الكاتب زميل أول بمعهد الولايات المتحدة وكوريا بجامعة جون هوبكنز ومؤسس موقع كوريا الشمالية ( 38 Nخط عرض 38 شمال)