الملف السياسي

مآل الأزمة الكورية الشمالية

01 مايو 2017
01 مايو 2017

إميل أمين -

كاتب مصري -

[email protected] -

إلى أين تمضي أزمة المواجهة بين كوريا الشمالية الدولة التي لا تزال مخلصة للفكر الشيوعي حتى الساعة، وبين الولايات المتحدة الأمريكية، الرافضة لسياساتها وكذا لتسلحها نوويا ما يتبدى من تجارب بيونج يانج؟

الشاهد أن الجواب ليس باليسير، والقول إن المواجهة لا بد وأن تصل إلى المقارعة النووية هو قول مخل بالعديد من الحقائق الجوهرية المتصلة بالمشهد الآسيوي اتصالا استراتيجيا ولوجستيا معا، وعليه لا بد من قراءة الحدث بتؤدة وعمق للخروج بخلاصات حقيقية وأقرب ما تكون إلى الواقعية.

بداية يعن لنا أن نتساءل هل أزمة كوريا الشمالية تتصل بالكوريين كطرف آسيوي فقط أم هناك أطراف أخرى يبقى مشهد كوريا الشمالية جوهريا بالنسبة لها؟

بالقطع يمكن الإشارة إلى الصين، والتي تعتبر كوريا الشمالية ساحة خلفية لها، وليس سرا القول، إنه بدون الصين لا يمكن أن تقوم لكوريا الشمالية قائمة، سيما وأنها تزودها بالطاقة ثلاثة أيام بثلاثة أيام.

في هذا الإطار يفهم المرء الدور الذي يمكن للصين أن تقوم به إن أرادت نزع فتيل الأزمة، أو العكس، غير أنه في كل الأحوال لا يمكن لصانع القرار الأمريكي، أن يغفل تلك العلاقة العضوية بين بكين وبيونج يانج، حال قرر إطلاق صواريخه التقليدية أو النووية على قواعد كوريا الشمالية محاولا سحقها، وهذا ما لن تسمح به بكين، إذ سيعد الأمر رسالة للصينيين بأكثر من كونه مغامرة عسكرية ضد رئيس كوريا الشمالية.

البعد الثاني هنا أيضا يتصل بروسيا، والتي بدأت ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأحلام رومانسية تجاهها، ما لبثت أن تغيرت تحت ضغوطات المؤسسة الأمريكية التقليدية.

روسيا والتي تعتبر عمود الخيمة الآسيوية لن تقبل بحال من الأحوال أن ترى حربا نووية بالجوار منها، ذلك أنها تدرك أن المعركة الأساسية سوف تقصد أبوابها عما قريب، وعليه فإن جنرالات البنتاجون يضعون في حساباتهم كافة تلك التصورات، وبالتأكيد لا يود أحدهم أو جلهم الوقوع في الفخ النووي، حيث المنتصر والمهزوم فيه كلاهما خاسر وبمرارة غير مسبوقة.

السؤال الآن ما الذي تريده واشنطن من بيونج يانج على وجه التحديد؟

بالقطع وقف التجارب النووية والصاروخية التي لا تنفك كوريا الشمالية العمل عليها، وتطويرها، ولسان حالها هنا يقول إن تلك النوعية من الأسلحة هي التي تضمن للكوريين الشماليين عدم مهاجمة الأمريكيين لهم لإدراكهم بمدى الخسائر التي يمكن أن تلحق بهم.

وعلى الجهة الأمريكية يرى الأمريكيون أن برنامج كوريا الشمالية يمثل تهديدات للسلم والأمن العالميين من جهة، ومن ناحية أخرى يهدد المصالح الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية، عطفا على الوجود الأمريكي الأوسع والأقرب في المحيط الهادي، وفي أماكن وجود القوات الأمريكية، والتي يصل عديدها إلى نحو 70 ألف جندي، منهم 28 ألف جندي في كوريا الجنوبية وحدها. هؤلاء يمكن أن يضحوا صيدا سهلا لصواريخ ومدافع بيونج يانج، والآلاف في اليابان، عطفا على حاملة الطائرات الفريدة من نوعها التي تملكها الولايات المتحدة، وهي ليست حاملة في المياه، بل على البر وتعرف باسم جزيرة «جوام».

في هذا الإطار يتساءل المرء: «هل يسعى الأمريكيون إلى مواجهة عسكرية حقيقية أم إلى إخضاع كوريا الشمالية لسيف التأديب والتهذيب والوعد والوعيد، أي استخدام سياسة الاحتواء والردع عوضا عن المواجهة العسكرية التي يمكن أن تكلف الجميع خسائر لا قبل لأحد بها؟

يمكن للمرء قراءة زيارة نائب الرئيس الأمريكي «مايك بنس» الأخيرة لليابان وعلى ضوئها يتم استنتاج مآلات الأزمة الكورية، فقد بدا الرجل حازما حاسما إلى أبعد حد ومد خلال اللقاء الذي جمعه بـ«تشينزو آ.بى» رئيس وزراء اليابان، والتي تعتبر الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة في شرق آسيا، وأحد أضلاع المثلث الرأسمالي العالمي.

في هذا اللقاء قال «بينس»: إن واشنطن وطوكيو تسعيان إلى إيجاد تسوية سلمية للوضع في المنطقة، لكنه أضاف إن السلام يتحقق بالقوة»، ويذكر أن بنس أعلن أثناء زيارته للمنطقة المنزوعة السلاح، والتي تعد بمثابة الحدود الفاصلة بين الكوريتين الجنوبية والشمالية أن صبر بلاده الإستراتيجي قد نفد.

والثابت أن زيارة «بينس» للخط الفاصل لها رمزية كبيرة وتحمل تحذيرا واضحا لـ« كيم جونج أون» ونظامه، مفاده أن المغامرة مع الرئيس الأمريكي الجديد، ربما تقود إلى ما لا يتوقعه، وما يلحق أضرارا خيالية بقاعدته العسكرية بالمعنى الواسع وليس المعنى الحصري.

على أن التحذيرات التي أطلقها «بينس» لا تعني أن الكواليس الخلفية لحل الأزمة قد انعدمت مرة وإلى الأبد، فالمعروف تاريخيا أنه في عهد والد «كيم» وصلت الأمور إلى حافة الهاوية أكثر من مرة بين كوريا الشمالية والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نجحت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق «بيل كلينتون» في تسعينيات القرن الماضي تحديدا، في نزع فتيل الانفجار، عبر سلسلة من الامتيازات المالية والاقتصادية لكوريا الشمالية، غير أن سلسلة الحروب الأمريكية التي جرت بها المقادير لاحقا في تسعينات القرن المنصرم، في زمن الرئيس بوش الابن، قد أرسلت رسالة للكوريين الشماليين مفادها أن حيازة السلاح النووي ربما يكون هو الأداة الأنفع والأرفع لعدم وقوع الحرب أو التعرض لاعتداءات من قبل الأمريكيين أنفسهم.

في هذا الإطار كذلك تبقى الصين أحد أهم الأبواب الخلفية في أزمة كوريا الشمالية، وهنا تتجلى المفارقة واضحة جدا، فالرئيس ترامب الذي ملأ الدنيا صياحا خلال حملته الانتخابية تجاه الصين بوصفها الند أو العدو الاقتصادي لبلاده، بات اليوم صاحب موقف مغاير، ظهر بشكل واضح خلال زيارة الرئيس الصيني للولايات المتحدة مؤخرا، إذ بدأ ترامب في النظر إلى «شيي بينج» نظرة فيها من الشراكة والندية ما هو أكثر من المنافسة والتحدي، بل إنه وعد الصين بطريق غير مباشر بجائزة تتمثل في اتفاق تجاري إن استطاعت التدخل لدى كوريا الشمالية، التي تسعى لتجربتها النووية الصاروخية الجديدة.

ويبدو أن أسلوب الأبواب والكواليس الخلفية قد بات يجد صدى ما لدى الصينيين، فقد قالت الصين في 13 أبريل الجاري: إن القوة العسكرية لا يمكن أن تحل التوتر بشأن كوريا الشمالية، بينما دعت صحيفة صينية بارزة بيونج يانج إلى وقف برنامجها النووي مقابل أن توفر لها بكين الحماية اللازمة، وأبعد من ذلك فقد دعت الصين الحليفة الكبيرة الوحيدة لكوريا الشمالية إلى محادثات تقود إلى حل سلمي وإلى نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، والمعروف أن بكين ترفض حتى الآن الاعتراف ببرنامج بيونج يانج التسليحي.

على أن السؤال المقلق والذي لا بد من طرحه في كل الأحوال هل تبقى المواجهة العسكرية قائمة وإلى أين يمكن أن تمضي بالطرفين؟

الجواب نجده عند مستشار الأمن القومي الأمريكي «هربرت ماكماستر» الجنرال النافذ اليوم في الإدارة الترامبية، والذي أشار مؤخرا إلى أن «الأزمة مع كوريا الشمالية قد وصلت إلى ذروتها، وأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة ومنها خيار المواجهة العسكرية وتدخل الولايات المتحدة المباشر لوقف البرنامج النووي لكوريا الشمالية، في حال فشلت الجهود الصينية باقتناع «كيم جونج أون» بالتراجع والبحث عن حل للبرنامج النووي الكوري الشمالي......

هل واشنطن جادة بالفعل في تهديداتها؟

بداية لا بد من القطع بأن واشنطن لا تعلم على وجه الدقة ورغم كافة عيونها البشرية من رجالات الأمن والاستخبارات، وإمكانياتها في التجسس السيبراني، لا تعلم قدر ما تملكه بيونج يانج من أسلحة، وبخاصة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، التي يمكن أن تحمل رؤسا نووية، وقد يكون لدى الكوريين الشماليين البعض منها بالفعل، ما يعني أن المواجهة المسلحة، ستدفع إلى اختيار الحل المعروف عسكريا بـ«الخيار شمشون»، واستخدام كافة الأوراق التي تمتلكها فيما يشبه الانتحار.

ولعل الأخبار على الجانبين تشير ومن أسف إلى أنه في لحظة ما من سخونة الرؤوس وانفلات الأعصاب، يمكن أن تحدث المواجهة، فقد تحدث عدد من مسؤولي المخابرات الأمريكية البارزين بالقول إن: واشنطن مستعدة بالفعل لتنفيذ ضربة وقائية بالأسلحة التقليدية إذا أقتنع المسؤولون بأن كوريا الشمالية على وشك إجراء تجربة على سلاح نووي ....

ما هي الردود الكورية المنتظرة؟

خلال مؤتمر صحفي جرت وقائعه في نيويورك تحدث دبلوماسي كورى شمالي بالقول: «إذ تجرأت الولايات المتحدة واختارت العمل العسكري فإن كوريا الشمالية مستعدة للرد على أي شكل من أشكال الحرب الذي قد ترغب فيه الولايات المتحدة، مضيفا «سنقوم بأعنف عمل مضاد ضد المستفزين».

في الوقت نفسه توعد جيش كوريا الشمالية برد «لا رحمة فيه» على أي استفزاز أمريكي، وأكد بيان صادر عنه أن القواعد الأمريكية في كوريا الجنوبية، سيتم تدميرها بشكل تام خلال دقائق قليلة».

هل الطرفان الكوري الشمالي والأمريكي في مأزق حقيقي؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل فالرئيس ترامب يأخذ الآن على عاتقه عناء ملف تم تأجيل التعامل معه من قبل الرؤساء الأمريكيين منذ ولاية بيل كلينتون الأولى، وأي إحجام عن الحل سيذكر العالم بباراك أوباما الذي تردد وخلف وراءه فراغات قوة ملأتها روسيا والصين.

في الوقت ذاته فإن الصين سئمت من تمرد كوريا الشمالية، وروسيا ترى إنه ليس الوقت الملائم أبدا لإشعال العالم بحرب نووية، وعليها الآن العمل من اجل تقديم حلول غير المواجهة.

الخلاصة... هذا وقت الحلول التوافقية لإبعاد شبح المواجهات النووية العالمية.