شرفات

وراثة المنفى

01 مايو 2017
01 مايو 2017

عادل محمود -

«ليس لي منفىً

ليكون لي وطنُ

ألله...يا زمنُ»

يقول محمود درويش «في أثر الفراشة»

«أنا هنا...

وما عدا ذلك شائعة أو نميمة».

وإذا كان محمود درويش باحثاً عن هوية، وعن مكان يؤثثه مؤقتاً في أقاصي الأمل بالعودة إلى الوطن... فإنه موجود «هوية ومنفى» في كل أعماله الشعرية والنثرية... وليس في كتابه الجميل المؤلم «أثر الفراشة» ـ وهو يوميات مختارة.

ليس هناك شعب، في عصرنا الحديث، تعرض لإبادة الهوية، وتذويبها مثل الشعب الفلسطيني. ذلك لأن اكتمال مشروع إسرائيل لا ولن يتم إلا بنقصان هوية الفلسطيني. وقد حاول من حاول ،عرباً وإسرائيليين ، محو هذه الهوية بالتوطين والتيئيس والاقتلاع والنفي، وصولاً إلى تدمير المنفى- المخيم. لكن حركة التحرر الوطني، بكل ألوانها، أعادت القضية إلى فلسطينية الهوية ،ضمن الممكنات من عروبتها.

في طريق الهوية، وفضاءات المنفى... كانت هذه السبعون سنة من الآلام. وقد ورثت الأجيال الفلسطينية، على نحو تام، ثلاثية «الهوية، المنفى، الوطن».

لقد حصل الفلسطينيون على أكبر عدد ممكن من جوازات السفر من أكبر عدد ممكن من الدول. وفي كل جواز سفر يحمله الفلسطيني سؤال في الذات وأسئلة على الحدود، . ودائماً كان السؤال: متى نصبح جميعاً، كغيرنا من عباد الكرة الأرضية، موحّدين في هويتنا الواحدة. بالاسم الثلاثي والصورة ومسقط الرأس الحقيقي أو الذاكرة؟ متى؟ ولكن الجواب كان انتشار وباء التهجير في دول أخرى وبلاد أخرى وشعوب أخرى. فلسطينيو المنفى خمس ملايين، عروبيو المنفى الأخير تجاوز العشرين مليوناً.

صفة «اللاجىء» ليست للتمييز حسب الهوية، وإنما تغدو مع الأيام مرضاً أعراضه: الغربة. والتقنّع،ازدواج الشخصيه.. والحنين. ومن أبرز الصفات، أن حمولة المكان الغريب ليست واحدة. فاللاجئ في سورية، غيره في كندا. وفي المخيم غيره في المدينة.

واللاجئ هو الذي تؤثث له، بعيداً عن وطنه، شروط الإقامة من قبل آخرين. وبهذا يصبح «كل لاجئ منفي، وكل مكان منفى» وتتحقق أسوأ شروط العزلة عندما يضاف إلى ذلك فكرة البلد المضيف عن اللاجئ، أو طريقته في التعامل مع الغرباء.

كان على الشعر أن يدون الأصعب في تجربة المنفى، فالوطن الذي أصبح محتلاً وبعيداً، ينبغي ترسيخه في الذاكرة، وتوريث تفاصيله المعنوية وجغرافيته، ومفاتيحه.

كان على الشعر أن يكون صوتاً، وصرخة، وتعبئة للوصول إلى أعمق ما في الوجدان الجمعي الفلسطيني، وأن يصل إلى العالم بوصفه قضية وجدان بشرية قد تعرفت، في الحروب والاحتلالات، على معنى الشقاء الإنساني.

الشعر الفلسطيني امتلأ بمفردات الأمل. الحنين. الرثاء. ووصف المكان والمنفى...وبالروح المقاومة ،واستنفد أغراضاً كثيرة تكررت مع الزمن، فكان القسم الجمالي من خلال المشروع الإبداعي، القادر على إلغاء التكرار،أقل من المضمون النضالي. فآلة الوتر الواحد لا تستطيع، طوال رحلة تراجيدية لشعب في المنفى، أن تبدع المتوقع من موسيقاه الكبرى في نشيد المحنة...وفي عرس الأمل.

الإبداع الأعظم ..محتاج إلى وطن حر وشعب سعيد، وما يبدعه العالم لنا توريث اللجوء من جيل إلى جيل !