أفكار وآراء

أمـريـكا وإيـران والاتـفـاق النـووي

28 أبريل 2017
28 أبريل 2017

تريتا بارسي/ نيويورك تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

تقلَّب الرئيس ترامب في مواقفه عدة مرات أثناء أشهره الأولى في الرئاسة. ولكن ربما أن أيّا من هذه المواقف ليست بمثل أهمية قراره في 18 أبريل بالشهادة على التزام إيران بالاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 مما سيمهد الطريق للتخلي عن المزيد من العقوبات. فخلال بضعة أشهر فقط تحوَّل ترامب من «تمزيق» الاتفاق النووي إلى السماح بتمديده. وذكرت الإدارة الأمريكية الآن أنها ستقوم بمراجعة مدتها 90 يوما تقرر بعدها إذا كان رفع العقوبات (كما هو مطلوب بموجب الاتفاق النووي) يتطابق أم لا يتطابق مع المصالح الأمنية القومية للولايات المتحدة. ولكن هذه المدة الزمنية ليست طويلة بما يكفي لإنقاذ الاتفاق والحيلولة دون خطر انزلاق الولايات المتحدة وإيران إلى مسار أكثر حدة. توجد عدة ألغام أرضية محتملة في الأفق القريب. أولها في الكونجرس حيث تُبذَل جهود حزبية مشتركة (من بعض الجمهوريين والديمقراطيين) في الوقت الحاضر لاستحداث عقوبات جديدة على إيران تنطوي على انتهاك بنود الاتفاق النووي بإضافة شروط جديدة لهذا الاتفاق (رغم تأكيدات رعاة التشريع المقترح بخلاف ذلك). وإذا وصل هذا التشريع إلى مكتب الرئيس سيكون له أن يختار بين رفضه وبالتالي الحفاظ على الاتفاق النووي أو التوقيع عليه ومن ثَمَّ التسبب في أزمة دولية. وسيجد ترامب الآن، بعد أن شهد للكونجرس أن إيران تتقيد بالاتفاق، صعوبة أشد في إخراج الولايات المتحدة من الاتفاق بتبني عقوبات جديدة أو الإخفاق في تجديد إسقاط العقوبات. ولكن كل شيء ممكن. هنالك مهدد آخر وجديد مصدره السياسة الداخلية لإيران . فالانتخابات الرئاسية في الشهر القادم و إعادة انتخاب روحاني، وهو مرشح معتدل، ليست مؤكدة على الرغم من التأييد الكاسح وسط الإيرانيين للاتفاق النووي والنمو الاقتصادي المتوقع بنسبة 6.6%. وفي حين أن اقتصاد إيران ظل ينمو إلا أن التعافي كان مدفوعا باستئناف الصادرات النفطية . لذلك لم يلمس معظم الإيرانيين حتى الآن على الأقل منفعة اقتصادية عظيمة من تخفيف العقوبات الذي جاء به الاتفاق النووي . فالنمو الاقتصادي الحقيقي يتطلب استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة نوعا ما. لكن البنوك الدولية لا تزال مترددة بشأن تمويل المشروعات في إيران وذلك أساسا بسبب العقوبات الأمريكية المتبقية والخشية من أن تلغي إدارة ترامب الاتفاق النووي. وإذا خسر روحاني الانتخابات فستكون هنالك متاعب. لقد كان صمود الاتفاق صعبا في ظل رئاسة ترامب. ولكن ربما سيستحيل عليه الصمود أمام ترامب بالإضافة إلى رئيس متشدد في إيران . وربما سيتضح أن مهددا ثالثا هو الأكثر خطورة. إنه تبني إدارة ترامب لفكرة « التصدي للنفوذ الإيراني» في الشرق الأوسط. وفي حين أن إدارة أوباما كانت تعتبر التنافس الإقليمي في المنطقة مصدرا لعدم الاستقرار وبالتالي حثت القوى الشرق أوسطية المعنية على تعلم اقتسام (النفوذ) في المنطقة إلا أن إدارة ترامب، كما يبدو، اختارت «امتلاك» الضغط على إيران في المنطقة. ولكي يستمر الاتفاق النووي، يجب احتواء التوتر بين واشنطن وطهران حول القضايا الأخرى أو عزله (فصله) على نحو يكفي لصموده في وجه الأعاصير الخارجية. من الصعب أن نرى مثلا كيف يمكن أن يصمد الاتفاق فيما تنخرط الولايات المتحدة وإيران في مواجهات مباشرة أو غير مباشرة حول المنطقة. وإذا نكصت الولايات المتحدة عن التزاماتها بموجب الاتفاق فمن المرجح أن تفعل إيران نفس الشيء وتشرع في توسيع نطاق أنشطتها النووية بصرف النظر عمَّن سيفوز في الانتخابات الرئاسية. لقد كان ذلك هو الوضع بالضبط في عامي 2012 و2013 . وحين أدرك الرئيس باراك أوباما أن سياسة العقوبات الأمريكية ستقود على الأرجح إلى الحرب وليس إلى استجابة إيران، قرر أن يتشبث أكثر بمساعي إيجاد حل سلمي من خلال محادثات سرية في سلطنة عمان. ولكن هذه المرة قد لا يجد الرئيس الأمريكي مخرجا دبلوماسيا. وبالنسبة للعديد من الصقور في واشنطن فإن هذه المشكلة أخف من القيود التي قيَّد بها الاتفاق النووي قدرة الولايات المتحدة على مواجهة إيران في أماكن أخرى. وهذه ليست مصادفة. فالهدف من الاتفاق هو جعل تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران أكثر صعوبة وأبهظ تكلفة لكلا البلدين. فبالنسبة لإيران وضع الاتفاق قيدا على سياستها إزاء إسرائيل. لقد حدث تحول لافت في أفعال وأقوال إيران تجاه الدولة اليهودية منذ بداية المفاوضات النووية. وموقف إيران من حرب غزة في عام 2014 مثال دقيق على ذلك. فقد لاذت إيران بالصمت نسبيا ولم تفعل شيئا لسكب المزيد من الوقود على الحريق مقارنة بما كانت ستفعله في ظروف مختلفة. لقد فهم الإيرانيون أنهم لا يمكنهم تأمين التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة والمحافظة عليه دون إحداث تحول في موقفهم إزاء إسرائيل. وهاهنا يكمن الوعد الحق للاتفاق النووي. فبالضبط بسبب قيمته تحمس كلا الجانبين لاحتواء نزاعاتهما الأخرى لضمان بقائه. وبمرور الوقت، يمكن أن يحوِّل ذلك الولايات المتحدة وإيران من عدوتين لدودتين إلى مجرد متنافستين. في أثناء المفاوضات ( بين البلدين) أخبرني وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف عدة مرات عن إحباطه من عدم إدراك واشنطن أن الاتفاق النووي يمكن أن يكون قاعدة وليس سقفا للعلاقات الأمريكية الإيرانية. فهو قد يجعل أمريكا تخسر عدوَّا في الشرق الأوسط (بتحوُّلِه إلى صديق لها). فمتى حدث ذلك آخر مرة؟

• الكاتب رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي ومؤلف كتاب قادم بعنوان «خسارة عدو: أوباما وإيران وانتصار الدبلوماسية».