إشراقات

معراج الأرواح

27 أبريل 2017
27 أبريل 2017

د. صالح بن سعيد الحوسني -

الصلاة هي من أقرب العبادات إلى الصفوة من خلقه من المؤمنين أولي العلم، فهم يقيمون صلاتهم التي أمرهم الله بها وكان من نتائج ذلك أن جعل جزاءهم أجرا عظيما من عند الله تعالى، ونجد من فوائد الصلاة الكثيرة أنها تأمر صاحبها بكل فضيلة وهداية ورشاد؛ وفي الصلاة التي يؤديها الإنسان شغل له عن كل رذيلة ومنكر وفساد، وبما تبثه في النفس من معاني الخير والفضيلة سد منيع ضد هجمات الشيطان المتربص لهذا الإنسان بالسوء والغدر وخاصة بإبعاده عن الصلاة، فإن استطاع الشيطان النفاذ إلى هذه العبادة وتعطليها وإضعافها في حياة الإنسان فهو لما عداها أضيع.

تمثل الصلاة في حياة المسلم رباطا عظيما بين العبد وربه، ولذلك كان من خصوصية هذه العبادة ومنزلتها السامية أن تُوجّت رحلة المعراج بفرضية الصلوات الخمس في اليوم والليلة دون ما عداها من العبادات الكثيرة الأخرى، والصلاة هي هدية ربانية لهذه الأمة فيها الكثير من المنافع والفوائد والتي تعود بالأثر الإيجابي الكبير على الفرد والمجتمع؛ وإلا فإن الله غني عن عبادتنا وطاعتنا فهو سبحانه لا تفيده طاعة العبد ولا يضره عصيان الإنسان، قال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد).

فما هي يا تُرى تلك الأسرار الكثيرة في هذه العبادة حتى يكون لها هذه المنزلة والخصوصية، ولماذا خُصت بهذا الفضل والتكريم؛ ومحاولة للإجابة عن ذلك فإن الصلاة على اختلاف كيفياتها في الشرائع السابقة والإسلام هي من العبادات المهمة التي فرضها الله على الأنبياء والرسل السابقين، وهي من جملة ما أوحى الله به لموسى وأخيه؛ فقال تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين)، وها هو عيسى ابن مريم وهو في المهد يذكر وصية الله له بالصلاة حين قال سبحانه على لسانه: (.. وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا)، أي ما دام به رمق من حياة فالوصية بالصلاة والإتيان بها قائمة، والصلاة كذلك هي الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل حين قال: (وإذ أخذ الله ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة..).

والصلاة هي من أقرب العبادات إلى الصفوة من خلقه من المؤمنين أولي العلم، فقد قال تعالى في شأن الراسخين في العلم: (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما)، فهم يقيمون صلاتهم التي أمرهم الله بها وكان من نتائج ذلك أن جعل جزائهم أجرا عظيما من عند الله تعالى، بل نجد الجزاء على إقامة الصلاة يتكرر في القرآن الكريم من مثل قوله تعالى: (..لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار..)، وقال تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى).

ونجد من فوائد الصلاة الكثيرة أنها تأمر صاحبها بكل فضيلة وهداية ورشاد؛ قال تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، ففي الصلاة التي يؤديها الإنسان شغل له عن كل رذيلة ومنكر وفساد، وبما تبثه في النفس من معاني الخير والفضيلة سد منيع ضد هجمات الشيطان المتربص لهذا الإنسان بالسوء والغدر وخاصة بإبعاده عن الصلاة كما في قوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة..)، فإن استطاع الشيطان النفاذ إلى هذه العبادة وتعطليها وإضعافها في حياة الإنسان فهو لما عداها أضيع.

ومن هنا نجد بأن المنافقين هم من أكثر الناس تضييعا لهذه العبادة كما قال تعالى في شأنهم: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى..)، وقال الله أيضا في حالهم: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) فمن دأبهم أنهم في حال قيامهم للصلاة توجهوا إليها بكسل وتثاقل لأنهم لم يستشعروا خيرها ونفحاتها وهدياتها بخلاف المؤمن الذي يفرح بدنو وقت الصلاة ويُعد لها ما تحتاجه من استعداد كاف كما هو من شأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي تقول في حقه السيدة عائشة: «كان يحادثنا ونحادثه، فإذا حضرت الصلاة قام كأنه لا يعرفنا»، وما ذلك إلا لأن الصلاة هي معراج للأرواح إلى عالم القرب الإلهي.

وكان من شأن المرسلين والصالحين دعوة أقاربهم وأتباعهم للاهتمام بالصلاة، فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام كان من دعائه: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء)، ونرى في كتاب الله تعالى أن نبي الله إسماعيل عليه السلام استحق المديح والثناء من ربه سبحانه وتعالى ومن جملة ما يقوم به أمره أهله بالصلاة فقد قال تعالى: (واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا)، وهو ما نجده واضحا كذلك في سلوك العبد الصالح لقمان الحكيم في تعامله مع ابنه في إرشاده للخير ومعالي الأمور، قال تعالى: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك، إن ذلك من عزم الأمور).

والصلاة تأتي في مقدمة الصفات التي هي من أسباب الفلاح، الذي هو غاية السعادة ومنتهى أمنية المتقين، فعندما ذكر المولى سبحانه فلاح المؤمنين ابتداء ذلك بقوله (الذين هم في صلاتهم خاشعون)، وبعد جملة من الصفات المختلفة ختم صفاتهم الحميدة بقوله: (والذين هم على صلواتهم يحافظون) فهؤلاء إن دخلوا في صلاتهم صلوها بخشوع وتبتل وخضوع بجانب أنهم حريصون على المحافظة عليها، وهي كذلك من صفات المتقين الذين وصفهم الله تعالى بقوله (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون..)، فبجانب إيمانهم بالغيب فهم يقيمون الصلاة والتي هي من ثمار ذلك الإيمان الذي خالط قلوبهم فبرز في أعمالهم وأخلاقهم فهم في خشوع لله في صلاتهم، وكذا حال المؤمنين مع حصول التمكين فإنهم يسارعون لإقامة الصلاة كما قال تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)، وحالهم في عنايتهم بصلاتهم والمحافظة عليها أنه رغم مشاغلهم وتجارتهم وكثرة بيوعهم لا يسمحون لتلك المشاغل أن تصرفهم عن الصلاة كما وصفهم الله بقوله: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار)، ولذا فهم المنتفعون بالإنذار والتوجيه كما قال الله في شأنهم: (..إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير).

والصلاة تبث في النفس الطمأنينة والسكينة والسرور، فمن جاءه حزن أو ضيق أو غم هرع إلى الصلاة فوجد فيها تسلية لقلبه، وراحة لنفسه، وبهجة في قلبه، وانشراحا في صدره قال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين)، وهناك صلة وثيقة بين الصلاة والصبر، كما بين المولى سبحانه وتعالى ذلك بقوله: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)، فمن خلال المواظبة على الصلاة يتعلم الإنسان الصبر واستقبال الشداد والمحن بقلب ثابت ونفس راضية، وهو ما يؤيده قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)، وهناك ملمح في الآية إلى أن الصلاة تفتح للعبد أبواب الخير والرزق وسعة العيش، فالرزاق هو سبحانه وتعالى، ولذا نعى الله على أولئك الذين ينشغلون بالتجارة عن الصلاة وسماع الذكر كما هو الحال في يوم الجمعة، قال تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين)، وبعد الفراغ من الصلاة والذكر ينصرف الإنسان إلى أعماله التي يجد لها متسعا من وقته بعد أداء الطاعة والعبادة. كما قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)، وهذا كله مع عدم إغفاله الذكر الدائم في كل أحواله كما قال تعالى موجها في ذلك: (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة)، ولكل هذه الاعتبارات المهمة فإن من شأن المسلم الانضباط والالتزام في أداء الصلاة بدون تأخير حتى مع وجود الأشغال والأعمال ولذا قال الله في شأنهم: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا).

وإن كانت الصلاة بهذه الجوانب العظيمة من الأهمية والمكانة فإن هناك من البشر سوغت لهم نفوسهم الآثمة التفريط في هذه العبادة والتهاون بها والانشغال بغيرها من أعمال الدنيا، ولذا كان الجزاء غاية في السوء والقبح لعظيم جرمهم ومن ذلك قوله تعالى: (ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين..) فتهاونهم في الصلاة أوردهم العذاب الشديد يوم القيامة، بل حتى التساهل في الصلاة وعدم إقامتها في وقتها يستوجب الويل الشديد كما قال تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون).

فعلى المسلم أن يحافظ على الصلاة حتى تكون معراجا لروحه وقلبه تخلصه من آفات كثيرة، وتزكى قلبه، وتسعى به نحو الخير في الدنيا والآخرة.