أفكار وآراء

اجتماعات الربيع

26 أبريل 2017
26 أبريل 2017

مصباح قطب -

[email protected] -

دارت مناقشات ساخنة حول أوضاع الاقتصاد الدولي وحركة التجارة والاستثمار في العالم، وكذا الأوضاع المالية والنقدية والبيئية والسكانية في الكتل والدول، وذلك خلال اجتماعات الربيع السنوية لكل من البنك وصندوق النقد الدوليين والتي جرت خلال الأيام الماضية. كما صدرت عن الاجتماعات كمية من الوثائق والأوراق تكفي المحرر الاقتصادي والتنموي لمدة عام قراءة.

الطريف في الأمر أن المواطن العادي أخذ يبدي اهتماما بمتابعة مثل هذه الاجتماعات إدراكا منه بأن الوضع العالمي يؤثر بالضرورة على الأوضاع المحلية، فلم يعد بمقدور أي بلد أو حتى فرد - ربما باستثناء كوريا الشمالية ذات الوضع الشديد الخصوصية - أن يعيش فى معزل عن الدنيا . وأول ما التفت اليه المواطنون العاديون الخلافات التي دارت حول تقديرات النمو العالمي في 2017 والتي تفاوتت ما بين البنك والصندوق ومؤسسات اخرى ذات ثقل وان كان لها طابع مختلف ويكاد لسان حال المواطن العادي أن يقول « يا ناس يا فل الخير للكل» فرغم القناعات الراسخة والحقيقية الى حد بعيد بعدم عدالة النظام الاقتصادي الاجتماعي العالمي الراهن الا أن هناك ادراكا واسعا بأن ارتفاع معدل النمو العالمي ينعكس بالايجاب بهذا القدر او ذاك على عدد كبير من الدول ، ولا يتوقف المواطنون عند معدل النمو فقط فهم مهتمون ايضا بتقديرات نمو التجارة العالمية والتي ترتبط الى حد كبير بالنمو العالمي ، وفي مصر على سبيل المثال اصبح ملايين من البشر يعلمون جيدا ان ارتفاع معدل نمو التجارة العالمية يعني أوتوماتيكيا زيادة عدد السفن العابرة في قناة السويس، وبالتالي زيادة ايرادات القناة من النقد الأجنبي ، ويعرف المواطنون أيضا أن زيادة النمو والتجارة يعنيان كذلك زيادة مداخيل العاملين المهاجرين هجرة دائمة او مؤقتة. المؤشرات الثالثة التي أصبح جمهور متزايد يهتم بمتابعتها هي معدل التضخم العالمي ومعدلات التضخم الفرعية المرتبطة بمجموعة السلع الأساسية والمنتجات الاكثر تداولا عالميا فقد فهم هؤلاء أن ارتفاع وانخفاض الاسعار في الداخل له أسباب عديدة في مقدمتها بالطبع جشع التجار وتشوهات الاسواق الداخلية بكل تأكيد لكن منها أيضا ارتفاع أو انخفاض الاسعار عالميا. ورغم الوعى الذي ينمو في أوساط العاديين بمثل تلك الشؤون المعولمة فقد لايصل الاهتمام العام بالشأن العالمي الاقتصادي حد متابعة اسعار الصرف وحروب العملات على الرغم من انعكاسها على حركة الاسعار وتدفقات الاستثمار والأموال ، فهي عملية تبدو للناس فنية ومعقدة.

واللقطة الأبرز التي ميزت مناقشات هذا العام في اجتماعات الربيع هي انها عكست نوعا من الشعور بالمسؤولية من الجميع ليس عن الاوضاع الاقتصادية العالمية غير المواتية في عدة جوانب فقط ، ولكن أيضا عن كيفية كبح جماح السياسيين حتى لا تؤدي قراراتهم الى مزيد من التعقيدات الاقتصادية والتجارية والى شل اي آمال في الازدهار العالمي . بمعنى آخر كان شعور الاقتصاديين وخبراء المالية العامة والاستثمار والتمويل وممثلي المجتمع المدني بل ورجال الأعمال المشاركين في اجتماعات الربيع بالخطر أعلى بكثير من شعور الساسة بمن في ذلك الساسة الذين تسببت أو تتسبب قراراتهم في اثارة الحروب والصراعات والنزاعات الطائفية بكل ما لذلك من انعكاسات على حال الاقتصاد والاسثمار والاستهلاك والتجارة. ومن المؤكد أن التوجهات الظاهرة أو الغامضة للادارة الامريكية الجديدة ولليمينيين الجدد في أوروبا والتي تميل بقوة الى التضييق على تدفقات التجارة والتحلل من اتفاقات التجارة الحرة بزغم اكتشاف عدم عدالتها الآن ...كل ذلك كان ماثلا تحت أعين المجتمعين ولذلك فان رسالتهم بضرورة التمسك بالتدفق الحر للسلع والخدمات ورؤوس الأموال (دائما ما يتم اهمال تدفق العمالة )هو أمر ضروري للغاية لسلامة الاقتصاد العالمي ومواصلته النمو وتجاوز عثرات ما بعد الأزمة المالية والعقارية والاقتصادية العالمية 2007 - 2008 ، هذه الرسالة يبدو انها تعرف طريق المرسل اليه تماما ولا تحتاج الى من يدلها عليه، وخلافا  للمعهود من تنسيق بين دول العالم النامي في أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا من أجل ضمان عدالة النظام التجاري والنقدي والاقتصادي العالمي ، فقد خفت الصوت هذا العام على الرغم من أن اللحظة الراهنة تقول انه كان يجب ان يرتقي التعاون والتنسيق الى ذروة أعلى، فلا توجد ظروف أصعب من تلك التي تمر بها حاليا من حيث ضراوة الصراع على الاسواق الدولية واحتدام التنافس فيما يتعلق بصادرات سلع مثل النفط والغاز والقطن والبن والمنسوجات والصادرات الخدمية المتنوعة وكذا الصراع من أجل الهيمنة على أكبر قدر من المعادن الاساسية وخطوط الأنابيب ووسائط النقل واللوجيستيات، كل ذلك كان يجب أن يدفع مانسميه بمجموعة الـ 77 الى أن يكون لها صوت أعلى. يبقى كذلك وجوب الاشارة الى ان اجتماعات هذا العام تمت بينما المنطقة العربية تقف على الحد الفاصل بين الضياع والأمل فتارة تدل البشائر على أن ثمة امكانية لنهوض اقتصادي عربي جديد تقوده تحديثات مؤسسية واقتصادية دارت في عدة دول بأشكال متنوعة وبدأت ترسخ اقدامها على الأرض، وتارة تظهر دلائل على أن الخراب الناجم عن الاحتراب الأهلي والتدخلات الخارجية السافرة وموجات الارهاب باسم الدين تقود المنطقة الى هاوية من بعد هاوية، ويلقي ذلك كله بأعباء أكثر من اضافية على المجموعة العربية في صندوق النقد الدولي وممثلي العرب في البنك الدولي من اجل ضمان تحقيق حد أدنى من التعامل العادل مع المنطقة ككل ومع دولها بما يعزز من قدرتها على السير فوق قضبان الأمل متجاوزة الأشلاء والدماء والحطام من ناحية ومتجاوزة ايضا تخلف بنيتها الانتاجية والمؤسسية والتبادلية وضعف مبادراتها وتشتت قواها في عالم لا يعتد بغير الاقوياء .

اجتماعات الربيع هذا العام يمثل خط فاصلا أيضا بين قديم تقليدي من القضايا وجديد فرض نفسه فقد اصبح البنك والصندوق وكأنما يستلهمان منتدى ديفوس أكثر حرصا على التعرض للملفات الطارئة والتي تقض مضاجع الانسانية والدول والكتل.

من هذا القبيل ما رأيناه من عناية نقاشية بأمور الشيخوخة والمراهقين والمشردين والنازحين.

وطرحت الاجتماعات التى ناضلت مؤسسات المجتمع المدني لتصل اليها وتفض جانيا على الأقل من تقوقعها ما يمكن للمجتمع أن يفعله مكملا أو بديلا أو مساندا للحكومات بحسب الحال في شؤون مثل إنهاء الفقر المدقع ودفع أهداف التنمية المستدامة إلى الأمام وتقييم سياسات الحصول على المعلومات في المؤسسات المالية الدولية والاستثمار في التغذية والزراعة من خلال تمكين النساء والفتيات وتحديث تقييم التقدم المحرز في مجال الهوية الرقمية، وتعميم الخدمات المالية وإحداث تغيير إيجابي في أوضاع الهشاشة والصراع والعنف كل ذلك الى جانب استحقاقات تمت وتتم مناقشتها باستمرار مثل التصدي للفساد وزيادة شفافية الحكومات. قد لا يمكن انهاء المقال دون التنويه الى انه رغم مشاركة كل الأطراف في الحوار (  حكومات - مجتمع مدني - رجال أعمال - خبراء مستقلون - ميديا ) فان المرء لا يمكن ان يؤكد ان الحوار يتم بشكل متوازن وعادل أو نزيه بالكامل ففي النهاية هناك اجندات لكل طرف ولكل جهة وقد لا يكفي اطار اللقاء المرسوم سلفا أو ظروفه والظروف المحيطة للوصول الى توافقات مقبولة من الجميع.