مرايا

العنف اللامرئي.. قهر بلا حدود

26 أبريل 2017
26 أبريل 2017

نعيشه ولا نعترف به -

كتبت- رحاب الهندي -

قهر يتغلغل في الداخل لا يشعر به إلا صاحبه سواء أكان رجلا أم امرأة، قهر يظل مصاحبا صاحبه طوال عمره يشعره بالوجع والأسى وحيرة السؤال: لماذا نقهر بعضنا، لماذا نظلم بعضنا؟ وتبقى الإجابة تتأرجح لأسباب كثيرة لا يقتنع بها حتى صاحبها.

العنف اللامرئي هو القهر الذي يمارس ضدنا أو نمارسه ضد من حولنا، ويتحول مع الأيام الى ذكرى أليمة نحاول الهرب منها، قد ننجح أحيانا، ونسقط في هوة الحكايا أحيانا أخرى.

حين نتساءل فيما بيننا من نكون ولم نحن، وهل ما نعيشه نصيب مقدر أم نتيجة تصرفاتنا وتحكم العادات والتقاليد بنا، أهو الحب المفرط أم التحكم في مصائرنا من قبل أوليائنا سواء من الأهل والأقرباء أم المسؤولين في الدراسة أو العمل، وهل فعلا كلنا رجال ونساء نعيش في بوتقة العنف اللامرئي .

قد يقول قائل ان ما يعيشه الرجل من قهر وقمع على جميع الأصعدة اكثر بكثير من القهر الذي يمارس على المرأة والذي قد يكون ذا وجه واحد. لكن قهر الرجل متعدد الوجوه، فهو مقهور اجتماعيا واقتصاديا، وان كانت هذه المقولة لا تشمل الجميع بالطبع، إلا ان النسبة الغالبة من الرجال في عالمنا العربي- كما تقول بعض الدراسات- يعيشون هذا العنف اللامرئي بمعنى لا وجود ماديا لوجوده.

العادات والتقاليد

ابتسم قائلا: سأجيبك بشرط عدم ذكر الاسم أو المنصب، هل تتخيلين أن عقابي كان بترقيتي مستشارا والمستشار لا يستشار أليس كذلك؟

وتابع قوله: عندي شهادات عليا تشهد لي بتميزي وتدرجت في اكثر من وظيفة برتبة مدير عام، ومنذ اكثر من عشرين عاما، لم اصل للترقية التي طمحت إليها ويعرف الجميع إني أستحقها وعن جدارة، نعم اشعر بالقهر أحيانا، لكنني في النهاية اخدم بلدي وهذا يخفف من ألمي.

كانت عيناه حائرتين وهو يغتصب ابتسامة رقيقة، ويلقي بعض أبيات من الشعر الذي يقطر عذوبة وجمالا، هز رأسه وقال: «نعم أعترف أننا الرجال نعيش في بوتقة القهر العنف اللامرئي، فشخصياً عشت قهر المجتمع بتقاليده وعاداته حين لم استطع أن أتزوج من اختارها قلبي لأنها من قبيلة أخرى. وحتى عندما تطلقت هي، كانت العادات والتقاليد مرة أخرى مشنقتي، حيث رفض أهلي هذه المرة أن أتقدم لخطبتها لأنها مطلقة.

طفولة مقيدة

مجموعة من الشباب تحدث أحدهم عن عنف لا مرئي مختلفا تمارسه والدته عليه وهو وجه آخر للقهر، فهي ترفض أصدقاءه وسهراته وحتى الفتاة التي اختارها قلبه.

يقول: والدتي ترى الأشياء من خلال وجهة نظرها وتريدني أن أتبع كل آرائها بلا تردد أو نقاش، أشعر أن اختياراتي غائبة، وأمي التي أحبها رغم كل شيء غائبة عني رغم أنها حاضرة.

لعل زاهر المعمري (طالب) يرى في العنف اللامرئي وجها آخر في أسلوب التعليم في كثير من الدول العربية، حيث تبحث عن المعدلات العالية للطالب لقبوله بالتخصص حسب الجداول التي تم تحضيرها، وليس لطبيعة شخصية الطالب وحبه للمواد.

ويتابع قوله: إننا نعيش عنفا لا مرئيا منذ طفولتنا، فاللعب ممنوع والمشاغبة لها عقابها، والمدارس والجامعات تحشو عقولنا بمعلومات دون محاولة اكتشاف مواهب وإبداعات الطالب بل مجرد إرهاق في الواجبات، وعدم إعطاء الفرصة للنقاش، فصارت الشهادة مجرد طريق للوظيفة وليس لتنمية الشخصية.

عنف بلا عنف

نعم إذن يعيش الكثيرون ضمن حكاياتهم بعنف لا مرئي بحيث لا يشعر الجميع بأنه عنف، لأنهم لا يعترفون إلا بالعنف المرئي الذي ينتج ضحية نتيجة الضرب أو التعدي، أما العنف اللامرئي فلا يحاسب عليه أحد لأنه كأمواج البحر الهادرة نراها ونسمع صوتها، ولا نملك إلا أن نبتعد ركضا إلى الشاطئ محاولين تهدئة روعنا فقط.