أفكار وآراء

الصين .. معركة قاسية للتخلص من مصيدة الديون

25 أبريل 2017
25 أبريل 2017

مارتن وولف -

الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

يتطلب نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين بالمعدلات التي تستهدفها الحكومة ارتفاعا سريعا في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ولا يمكن أن يستمر هذا الارتفاع إلى ما لا نهاية. لذلك سيتوقف (في وقت ما) ولكن بما أن الحكومة الصينية تتحكم في النظام المالي فقد يستمر لفترة طويلة. ومن جهة أخرى، كلما طال تأجيل نهاية هذا الارتفاع (في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي) كلما عظم احتمال وقوع أزمة أو حدوث تباطؤ كبير في النمو أو كليهما. لقد كنت أرى أن من مصلحة الصين وباقي العالم الفصل بين نظاميهما الماليين. فالنمو السريع لمديونية الصين وحجم نظامها المالي يشكلان مهددا للاستقرار العالمي. والصين بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادها وتثبيت نظامها المالي قبل أن تنفتح على التدفقات الرأسمالية. بالطبع ستكون للممولين الغربيين وجهة نظر مختلفة. ولكن علينا تجاهل مثل هذه المصلحة الفئوية (للممولين). غير أن هذا الوضع يطرح سؤالا كبيرا هو: هل ستحقق الصين إعادة التوازن المطلوبة؟ لقد تزامن الحفاظ على النمو المستقر في الصين مع نمو انفجاري في المديونية تماما كما حدث في الغرب قبل الأزمات المالية في الفترة 2007-2008 وأزمة منطقة اليورو التي أعقبت ذلك. فمتوسط نمو الائتمان كان يتراوح عند 20% في العام في الفترة بين 2009 و2015 وأعلى كثيرا من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (الناتج الإجمالي محسوبا بأسعار السوق الحالية) ومن الاتجاه السابق للنمو، حسبما تؤكد ورقة صادرة عن صندوق النقد الدولي. تشبه هذه الصورة إلى حد مزعج صورة اليابان وتايلاند وإسبانيا في فترة ما قبل الأزمة. لقد شكل عام 2008 لحظة الانعطاف في هذه الاتجاهات الائتمانية، ولم يكن ذلك مصادفة. ففي الفترة بين 2000 و2007 ارتفع إجمالي المدخرات من 37% إلى ما يقرب من 50% من الناتج المحلي الإجمالي. وتكفل حوالي نصف هذا الارتفاع غير الطبيعي بتمويل استثمار محلي إضافي. كما مول نصف الارتفاع في الفائض التجاري. ثم جاءت الأزمة الغربية. فقررت الصين (وكانت على صواب) أن فائضها التجاري الضخم لم يعد قابلا للاستدامة. ولجأت بدلا عن ذلك إلى زيادة الاستثمار الذي سبق أن ارتفع من نسبة 34% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000 إلى 41% في 2007 ثم قفز إلى 48% في عام 2010م، ولتحقيق هذه النتيجة عززت السلطات الصينية نموا انفجاريا للائتمان. فقبل عام 2008 كانت الصين قد صدرت إلى حد كبير طفرة الائتمان الناشئة عن الزيادة الضخمة في مدخراتها. وبعد الأزمة أعادت استيرادها. لقد توصل تحليل أجراه مؤخرا بنك كريدي سويس إلى أن الائتمان يلزمه النمو بسرعة تعادل ضعف سرعة نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي كي تنجح الحكومة في بلوغ هدفها بتحقيق نمو حقيقي بنسبة 6.5 %. ويضيف صندوق النقد الدولي أن نمو الائتمان يتزامن مع أوضاع تتسم بتدن في العائدات على أصول الشركات وتدهور في جدارتها الائتمانية وهبوط في كفاءة الاستثمار وتزايد في التعقيد المالي. لقد حدث هذا سابقا في مكان ما. فهل ستكون الصين مختلفة؟ الإجابة هي نعم ولا. «نعم» لأن الصين مثل اليابان بلد به ادخار مرتفع ودائن. فالحكومة تتحكم في النظام المالي وتفرض ضوابط على سعر الصرف. لذلك يمكن جدا أن تتجنب وقوع أزمة. رغما عن ذلك فالإجابة هي «لا» أيضا. لماذا؟ لأن السلطات ستكون بحاجة دائمة إلى المزيد من التوسع الائتماني لتحقيق نمو يتقلص (معدله) باستمرار. وحينها ربما سينتهي النمو الصيني دون ضجيج. والسؤال : ماهي المنافذ المحتملة للهروب من المصيدة؟ أحد الخيارات المحتملة أن تلجأ الحكومة ببساطة إلى وقف نمو الائتمان. وإذا اعتمد نمو الصين على الاستهلاك لوحده قد يتوقع المرء هبوطا في معدل هذا النمو إلى 3 % - 4% في العام. لكن معدل استثمار الصين لا يزال قريبا من 45% من الناتج المحلي الإجمالي. ولا يمكن أن يكون مثل هذا المعدل المرتفع للاستثمار مبررا إذا كان النمو بطيئا بهذا القدر. فالاستثمار حينها سيهبط مما سيؤدي إلى حدوث انكماش اقتصادي. وسيكون المهرب الوحيد أن تتولى الحكومة عملية الاستثمار وبالتالي تلغي الإصلاح الاقتصادي الموجه نحو السوق. الخيار الثاني سيكون وقف نمو الائتمان وجعل الادخارات تتدفق إلى الخارج عبر تحقيق توسع ضخم في فائض الحساب الجاري. ولكن المحادثات التجارية بين دونالد ترامب وشي جينبينج في فلوريدا مؤخرا تكشف أن ذلك لن يكون مقبولا. فلا توجد بلدان راغبة وقادرة على إحداث عجوزات خارجية موازنة (معاوضة). الخيار الثالث سيكون وقف نمو الائتمان وإحداث زيادة كبيرة في الاستهلاك للتعويض عن التدهور في الاستثمار. ولكن المشكلة هنا هي أن الدخل المتاح للعائلات أعلى قليلا فقط من 60% من الناتج المحلي في حين يشكل الاستهلاك الخاص حوالى 40% من هذا الناتج. ومثل هذه المعدلات في الادخار ليست مرتفعة بالمقاييس الآسيوية. كما يتشكل أكثر من نصف المدخرات الوطنية من أرباح ومدخرات حكومية. وإذا رغب بلد في أن ينمو بمعدل أسرع، سيلزم ارتفاع حصة مداخيل العائلات في الناتج المحلي الإجمالي أو حصة ثروة العائلات في إجمالي الثروة. فالأولى ستضغط على الأرباح والاستثمار. والثانية ستعني تحويل الأصول العامة إلى العائلات. ولا يبدو أي منهما قابلا للتطبيق فنيا وسياسيا. لذلك لن يمنع الاستهلاك الاقتصاد من التوقف عن النمو. والخيار الأخير وربما الأفضل هو أن تدرج الحكومة جزءا كبيرا من الدين في موازنتها الخاصة بها.  ويمكنها من ثم إعادة هيكلة الدين الحالي والتحول إلى المقترض الأساسي في المستقبل. وفي حين سيشهد الدين الحكومي ارتفاعا إلا أن المقترض سيكون (في هذه الحال هو الحكومة) أو الكيان الأكثر قدرة على الوفاء بالديون في البلد. وفي الأثناء سيتم السماح للاقتصاد الخاص للتكيف مع إشارات السوق. إن الصين يمكنها اليوم تحقيق نمو يزيد عن نسبة 6% فقط حين تكون هنالك زيادات متسارعة في المديونية. فكل منافذ الهرب من هذه المصيدة صعبة. صحيح يستعيد اقتصادها الآن توازنه ببطء بالتحول إلى الاستهلاك. ولكن سيحتاج هذا التحول كي يكتمل إلى أكثر من عشرة أعوام. فهل يمكن الحفاظ على نمو الدين حتى ذلك الوقت؟ أشك في ذلك.