أفكار وآراء

آليات العرض والطلب وحدها .. لا تكفي لاستقرار أسواق النفط

25 أبريل 2017
25 أبريل 2017

علاء الدين يوسف -

( رغم الحديث المتكرر عن وسائل الطاقة البديلة الجديدة والمتجددة المعتمدة على مصادر غير ناضبة وأبرزها الشمس والرياح إلا أن النفط لا يزال يمثل العصب الحقيقي لمصادر الطاقة وبالتالي حركة الاقتصاد والتنمية على الصعيد العالمي، حيث لم يظهر حتى اليوم المصدر البديل الذي يمكنه جعل النفط مصدرا من الماضي مثلما حصل مع الفحم من قبل )

منذ أزمان غابرة وقانون العرض والطلب هو الذي يتحكم في تحديد أسعار السلع والمنتجات في الأسواق المحلية والعالمية، ومنذ عدة عقود وفي سنوات التسعينات على وجه التحديد كانت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) قد أقرت ما اصطلح على تسميته في حينه بآلية ضبط الأسعار، وتقوم على علاقة عكسية بين العرض والطلب من جانب والأسعار من جانب آخر، والهدف واضح بكل تأكيد فمع تدني الأسعار يقل المنتج والمعروض من النفط ومع ازدياد الأسعار يتم ضبط الأسواق بمزيد من المعروض أو الالتزام بالحصص المقررة، ولكن هذه الآلية على ما يبدو ظلت حبيسة الأدراج بعد فترة محدودة من تطبيقها تزامنا مع حدوث طفرة سعرية كبيرة في الألفية الجديدة، وخلال السنتين الماضيتين خسرت أسعار النفط الخام العالمية ثلثي قيمتها لأسباب لم تعد لآلية العرض والطلب وحدها المحددة لها في الأسواق العالمية.

ولو كانت هذه الألية وحدها– رغم أهميتها الشديدة بالتأكيد في تحديد حركة الأسعار- المسؤولة عن استقرار الأسعار لقامت أوبك على الفور ومعها القوى المنتجة من خارجها بتفعيل آلية ضبط الأسعار من خلال التحكم في المعروض من منتجها في ضوء الطلب والأسعار القائمة بشكل حازم، وكما سبقت الإشارة فإن النفط لا يزال عصب الاقتصاد والتنمية في العالم وإن تأثر بشكل ثانوي بمصادر أخرى للطاقة مثل الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية، أضف إليها الزيوت الصخرية، إلا أن هذه المصادر كافة لا تستطيع تلبية احتياجات العالم من الطاقة الأحفورية خاصة النفط والغاز، ومن ثم سيظل النفط هو السلعة الاستراتيجية الأكثر أهمية والأشد طلبا على الصعيد العالمي لعقود ليست قليلة.

وبحكم كونه سلعة مهمة فسيظل بالتأكيد عرضة لتقلبات سعرية مألوفة وعادية في بعض الأحيان، ولكنها تتسم بالحدية الشديدة في أحيان أخرى، مما يسبب مشاكل كثيرة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء وكذلك للنمو الاقتصادي العالمي، ولا شك أن أزمة الدول المنتجة جراء تراجع الأسعار أكبر وأعمق لأن معظم الدول المنتجة له خاصة من داخل أوبك تعتمد عليه كمصدر أساسي – وربما وحيد في عدة دول – للدخل الوطني، وتلك مشكلة سبق الخوض فيها أكثر من مرة عند الحديث عند مخاطر «الاقتصاد أحادي الجانب». . ومن ثم فإن الخروج من عباءته - واعتماد برامج استراتيجية للتنمية تتنوع فيها مصادر الدخل الوطني ويوظف النفط ذاته لخدمة هذه البرامج باعتباره عنصرا من عناصر التنمية وليس أساسها الوحيد – كفيل بأن يجنب الدول المنتجة الهزات العنيفة المرتبطة بالتذبذب السعري الحاد الذي لم يعد بالفعل خاضعا فقط لقوانين العرض والطلب.

ويؤكد ذلك بعض الدراسات المتخصصة التي ترصد أسبابا عدة للتدهور السريع في الأسعار ( من حوالي 140 دولارا للبرميل إلى أقل من 30 دولارا قبل شيء من التعافي ) ولاستحالة عودة أسواق النفط إلى ما كانت عليه في السابق، وتذهب هذه الدراسات بداية إلى أنه من الصعب وضع تاريخ محدد لحدوث تحسن ملموس في الأسعار يرضى عنه المنتجون، خاصة على ضوء مجموعة من العوامل المؤثرة من بينها: صعود الولايات المتحدة كمصدر للبترول وضخها كميات إنتاجية هائلة بفضل التطورات التقنية في طريقة الحفر بالتكسير الهيدروليكي، وبالرغم من أن استخراج النفط بهذه الطريقة مكلف نسبياً، إلا أن أسعار النفط المرتفعة في العقود الماضية جعلت من هذا الاستثمار مجديا، وتزامن مع ذلك زيادة الإنتاج في العراق الذي تمكن من رفع إنتاجه إلى 4.3 مليون برميل يوميا تقريبا، وفي الوقت الراهن ينتج العراق من النفط أكثر مما كان ينتج قبل الغزو الأمريكي عام 2003، أضف إلى ذلك عودة إيران إلى تصدير النفط بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5 +1» حيث تم رفع جزء كبير من العقوبات الدولية المفروضة على إيران لتتمكن من الوصول إلى أسواق النفط الدولية بشكل أسهل.

وفي السياق ذاته تظهر البرازيل أيضا كواحدة من الدول التي زادت من إنتاجها للنفط خلال السنوات القليلة الماضية، فبين عامي 2013 و2015 ارتفع الإنتاج البرازيلي من 2.6 إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا وبحسب إحصاءات الأوبك فقد تم حفر 72 بئرا جديدة في البرازيل خلال العام 2015 مقارنة بـ87 بئرا في عام 2014، كما عززت من مكانتها في العالم كرائد في تقنيات استخراج البترول من أعماق البحار، وذلك بعد اكتشاف كميات كبيرة من البترول على أعماق تتراوح بين أربعة وثمانية كيلومترات بين طبقات صخرية وملحية، وفي الوقت ذاته فإن السعودية قادرة على رفع إنتاجها بسرعة في وقت قصير نسبيا دون تحمل تكاليف إنتاج كبيرة، ما يدفع الأسعار إلى الهبوط ولكنها أيضا قادرة على كبح إنتاجها النفطي من أجل رفع الأسعار عالميا، خاصة أنها أكبر مصدر للبترول في العالم.

وعلى صعيد أخر يتخوف المراقبون من أن الأرقام الرسمية تخفي صورة أكثر قتامة للاقتصاد الصيني، فانهيار سوق المال الصينية في فترات سابقة أطلق إشارة تحذير في أنحاء العالم من أن المعجزة الاقتصادية الصينية ربما وصلت إلى نهايتها، وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات العشر الماضية ارتفع الاستهلاك الصيني للبترول من سبعة ملايين إلى 11 مليون برميل يوميا، وبالتالي من الطبيعي أن تؤثر مؤشرات أزمة اقتصادية بالصين على أسعار النفط العالمية، علاوة على ذلك ومن ضمن العوامل التي تبدو مؤثرة في حركة الأسعار الشتاء المعتدل في نصف الكرة الأرضية الشمالي في إطار التغيرات المناخية، ما أدى إلى تراجع الطلب على وقود التدفئة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، ومن ثم هبوط أسعار النفط عالمياً.فضلا عن أن – وعلى حد تأكيد الخبراء - احتكار الأوبك لم يعد فعالا، فالمنظمة حتى اليوم لم تنجح في كبح جماح الإنتاج النفطي تماما؛ ذلك لأن أعضاءها لا يزالون يحافظون على معدلات الإنتاج مستقرة أو يقومون باستخراج كميات أكبر، وعلى ما يبدو فإن منظمة الأوبك غير قادرة على منع الأسعار من التقلب رغم اتفاقها السابق بخفض الإنتاج بكميات يبدو أنها غير مؤثرة.

ورغم ذلك فإن احتمالات حدوث زيادات مهمة في الأسعار تبقى قائمة ولو بشيء من البطء حيث تربط تقارير متخصصة ذلك بزيادة سكان العالم من 7.3 إلى 9.07 مليار نسمة بحلول 2040م، وإن معظم النمو في سكان الدول النامية حيث الحاجة الكبيرة للطاقة والنفط، كما أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي 3.1% سنويا وأن تنمو الدول النامية بدرجة أعلى من الدول المتقدمة، وتفترض التقارير أن سياسات الطاقة هي تلك المعتمدة والمعلنة حاليا، وأنها ستتطور بمرور الزمن خاصة من حيث تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة والتوجه نحو الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء، لكن أهم الافتراضات يتعلق بسعر النفط، حيث يفترض التقرير أن السعر سيصل إلى 65 دولارا للبرميل اسميا في عام 2021 أو ستين دولارا بالسعر الحقيقي، ولكن في 2040 سيكون السعر الاسمي 155 دولارا والحقيقي 92 دولارا للبرميل، هذا الافتراض ليس خارج المألوف، إذ يجب تذكر أن السعر بلغ 140 دولارا قبل بضع سنوات، ويحذر التقرير من أن هذا «افتراض عملي» وليس مسارا مرغوبا أو ما سيتحقق فعلا من خلال المتغيرات في وضع السوق عالميا.

وبموجب الافتراضات السابقة يقدر التقرير أن الطلب العالمي على الطاقة سوف يرتفع من 273.9 إلى 382.1 مليون برميل نفط مكافئ في 2040 بنسبة نمو 1.3% في السنة وأن النفط والغاز سيحافظان على نسبتهما الكلية البالغة 53% حاليا، وكما هو متوقع ستكون نسبة نمو الطلب على الغاز 2.1% بالسنة أي أكثر من نسبتي نمو النفط والفحم البالغة 0.6% لكل منهما، وإن نسبة نمو الطاقات المتجددة من الشمس والريح والحرارة الجوفية ستكون 6.6% الأعلى بين الكل لأن التوجه نحو هذه الطاقات لتوليد الكهرباء لم يعد نزوة أو خيالا، وتبقى التقارير إيجابية بالنسبة لنمو الطلب على النفط إذ يتوقع ارتفاعه إلى 99.2 مليون برميل يوميا في عام 2021 أي بزيادة مليون برميل عما كان متوقعا في العام الماضي بفعل استمرار انخفاض أسعار النفط وسيستمر الارتفاع إلى 109.4 مليون برميل يوميا في 2040 وهو ما ينقص عن توقعات العام الماضي قليلا بفعل مزاحمة الطاقات المتجددة والكهرباء، وفي الفترة موضع البحث سينخفض الطلب في الدول الصناعية بمقدار 8.9 مليون برميل يوميا بسبب زيادة كفاءة استهلاك السيارات وزيادة أعدادها المعتمدة على الوقود البديل من كهرباء وغاز وسوائل عضوية، ويعني ذلك أن الأسعار ستكون خاضعة لسلسلة من العوامل المتغيرة التي تحتم عدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل لتجنب التذبذبات السعرية الحادة.