992904
992904
المنوعات

هل كان أشرف مروان جاسوسا خالصا لإسرائيل أم عميلا مزدوجا

24 أبريل 2017
24 أبريل 2017

سلم الموساد وثائق مصرية ومحاضر اجتماعات.. وموعد حرب أكتوبر -

عاصم الشيدي -

في أوائل أبريل من عام 1971 دعي المقدم مائير مائير رئيس الفرع 6 (المسؤول عن مصر) في وحدة أبحاث الاستخبارات العسكرية إلى مكتب العميد أريه شاليف رئيس شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية وأخبره عن مصدر جديد للمعلومات اكتشفه الموساد في مصر وأن عليه السفر إلى لندن لمقابلته. كان شرط أشرف مروان أن لا يتحدث ولا يلتقي إلا مع شخص واحد من الموساد هو «دوبي» الذي التقاه أول مرة خوفا من تسرب سره. وبصعوبة بالغة وتحت ضغط كبير وافق أن يلتقي بمائير. في الأسبوع الثالث من أبريل تم تحديد الموعد مع مروان الذي كان عائدا لتوه من روما، حيث التقى هناك بأشخاص مهمين في نظام العقيد الليبي معمر القذافي وناقش معهم فكرة إنشاء شركة تمكن مصر من الالتفاف على حظر التسليح الذي فرضته الولايات المتحدة وبريطانيا على ليبيا.

كان رئيس الفرع 6 في شعبة أبحاث الاستخبارات العسكرية قد قرر مسبقا أنه سيبدأ بالأسئلة الأدسم ذات الأولوية القصوى. وقد فعل ذلك لسببين: أولا للاستفادة من اللقاء إلى أقصى حد ممكن، واستخراج أفضل المعلومات وأكثرها تفصيلا قدر الإمكان، وثانيا لإعطاء مروان انطباعا بأن الذي يسأله خبير مهم يعرف مصر جيدا ولديه فهم كبير بالمسائل العسكرية، وبالتالي ينبغي التعاطي معه بجدية.

في هذا اللقاء أعطى مروان محدثه كل المعلومات التي كان يمتلكها، وكان رئيس شعبة أبحاث الاستخبارات العسكرية يسأل أحيانا أسئلة يعرف يقينا إجابتها ليختبر مروان الذي كان يجيب على ما يعرف ويعد بالبحث عما لا يعرف.

ما يثير السخرية أن أشرف مروان حينما سأله مائير حول الخبراء السوفييت الذين كانوا يديرون الوحدات المضادة للطيران في مصر وما إذا كانت إسرائيل ستجد نفسها تواجه الجيش الأحمر في الحرب المقبلة كشف مروان عن اشمئزازه من الوحدات السوفييتية العاملة في مصر، ومن الاتحاد السوفييتي برمته.. وظل يردد قناعاته بأن السوفييت كانوا يحاولون السيطرة على مصر وجيشها. إنه يكشف هنا عن عاطفة وطنية صادقة وقوية!! لكن إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن السوفييت كانوا يساعدون مصر بفعالية في الدفاع عن نفسها في مرحلة في غاية الصعوبة، بينما كان مروان يبيع أدق أسرار بلده إلى ألد أعدائه، لا يسع المرء سوى الشعور بالرثاء لهذه الوطنية التي تعكس الازدواجية الغريبة في فكره بحسب ما يقول مؤلف الكتاب.

في نهاية هذا الاجتماع أعطى مائير لمروان المهمة المطلوبة منه للاجتماع المقبل، عليه أن يحضر معه خطط الجيش المصري لعبور قناة السويس، بالإضافة إلى أمر المعركة الموجه إلى كامل الجيش المصري، وهذه كانت الأولوية القصوى لدى الفرع 6 بالإضافة إلى نوعية المواد التي ستبطل كل الشكوك في احتمال كونه عميلا مزدوجا.

حصل اللقاء التالي بين مائير وأشرف مروان بعد أربعة أشهر تقريبا. كان السادات قد أعلن أن سنة 1971 ستكون سنة اتخاذ القرار بين الطريقين الدبلوماسي والعسكري لاستعادة سيناء. وفي ظل عدم إحراز أي تقدم دبلوماسي، أصبح خيار الحرب على السكة كما كان يقول. لكن السادات كان يعلم في تلك المرحلة أن جيشه لم يكن جاهزا للنيل من الجيش الإسرائيلي. كان السؤال الذي حمله مائير معه هو هل سيتجدد القتال ومتى؟؟ لكن الأجوبة التي أعطاها مروان لم تكن مرضية تماما. لكن ذلك لم يعد مهما حينما أخرج مروان الوثائق التي أحضرها معه.. وكان أهمها الخطط الموضوعة لعبور قناة السويس وأمر المعركة الموجه لكامل الجيش المصري وهو ما كان قد طلبه تماما. وهذا يعني أنه إذا كان لدى مائير أي شكوك اتجاه مروان فقد زالت الآن نهائيا.

وصل التوتر بين السادات ومراكز القوى «الناصريين» إلى ذروته في الأسبوع الثاني من مايو1971، ولعب أشرف مروان دورا محوريا في الأحداث. وبحسب السادات نفسه كان مروان الشخص الذي سلمه الورقة الرابحة، ممكنا إياه من هزيمة خصومه هزيمة نهائية. كانت إحدى نقاط ضعف السادات حقيقة أن خصومه، وخاصة سامي شرف وشعراوي جمعة، كانا يسيطران على وكالات الاستخبارات؛ كانوا يتنصتون على خطوط هواتفه ويخترقون الدوائر الأكثر قربا منه. ولعب مروان دورا كبيرا في انتصار السادات وبالتالي ازداد قربا منه وسريعا حل محل سامي شرف. ويروي الكتاب سيناريو حدث في ليلة محاولة الانقلاب على السادات من مراكز القوى، يقال إن الاستخبارات الأمريكية لعبت دورا مركزيا في إفشال الانقلاب بعد كشفها عن المؤامرة عبر تنصتها على بعض المتآمرين، وأيضا عبر فلاديمير ساخاروف، وهو ضابط في مكتب KGB المحلي وكان يعمل في السر لصالح الأمريكان. المدير المفوض لفرع CIA في القاهرة، توماس تويتن، والذي سيصبح لاحقا مدير العمليات في الوكالة، مرر وثائق الإدانة إلى مروان، الذي أعطاها للسادات في تلك الليلة. وهناك رواية أخرى أضعف تقول إن الموساد مرر إلى جيمس أنغلتون، رئيس مكتب مكافحة التجسس في CIA وحلقة الاتصال مع الإسرائيليين، معلومات عن محاولة انقلاب تتضمن اغتيال السادات على يد مؤيدين للسوفييت في مصر.. وتـــــم تمرير المعلومات إلى توين في القاهرة الذي أعطاها إلى مروان، الذي بدوره سلمها للسادات.

وحين اختار أنور السادات أشرف مروان ليصبح مدير مكتب الرئاسة بدلا من سامي شرف، أصبح من كان أهم جاسوس على الإطلاق لدى الموساد أكثر قيمة بكثير من قبل. لقد أصبح الآن مسؤولا عن العصب المركزي للنظام الأقوى في العالم العربي. لكن مروان لم يستمر في هذا كثيرا رغم أنه بقي يحمل لقب سكرتير الرئيس لكنه في الحقيقة تحول إلى مبعوث خاص للرئيس إلى القادة الكبار في العالم العربي وخاصة مع السعودية وليبيا.

في صيف عام 1971 أعطى مروان العقيد مائير مائير تفاصيل خطة تدعى جرانيت، وقد أعطت الاستخبارات العسكرية صورة مفصلة أكثر عما ستبدو عليه الحرب من الجانب المصري. وفي بدايات عام 1972 أعطى مروان خطة أخرى تشبه السابقة، أتاحت لشعبة أبحاث الاستخبارات العسكرية إصدار مسح استخباراتي خاص من أربعين صفحة وتتضمن أيضا خرائط تفصل الهجوم المصري.

ورغم أن أغلب الذين أطلعوا على اسهامات مروان قد أكدوا أنه من النوع «الذي يقف على باب عالم الاستخبارات مرة في كل جيل وهو يساوي وزنه ذهبا» إلا أن هناك من رأى خلاف ذلك. كان هناك اثنان أثارا أسئلة عن التزامه بمساعدة إسرائيل. الأول كان رئيس الفرع 6 «مصر» في شعبة أبحاث الاستخبارات العسكرية الذي حل مكان مائير مائير ابتداء من صيف عام 1972 الكولونيل يوناح باندمان. من وجهة نظر باندمان، كانت إحدى مشاكل مروان الخطيرة هي استمراره في التحذير من أن السادات على وشك شن الحرب، ثم لا يحدث ذلك. ووصف مروان بأنه يشبه الراعي الكذاب، ولهذا كان من المنطقي تجاهل تحذيراته التي أفضت إلى حرب أكتوبر. الشخص الثاني الذي شك في مروان كان اللواء إيلي عيزرا رئيس الاستخبارات العسكرية خلال الحرب.. كان عيزرا يجادل أن مروان عميل مزدوج أدى دورا محوريا في محاولات مصر صرف انتباه الإسرائيليين قبل الحرب. يقول عيزرا في مذكراته «بعض معلوماته كانت مدهشة، بما فيها البيانات المؤكدة التي كانت بمثابة حلم لأي وكالة استخبارات في العالم... المعلومات المقدمة كانت في معظمها نسخا عن مستندات ومحاضر اجتماعات على أعلى المستويات. لكن بعكس ذلك، التحذيرات المتعلقة بتوقع توقيت الحرب كانت تأتي عادة على شكل إفادات، جزء منها مكتوب والآخر شفوي، لكنها جميعا كانت تأتي بدون وثائق داعمة. وبحلول أكتوبر 1973 اتضح أنها كلها غير دقيقة». وقدم غزرا في مذكراته «حرب يوم الغفران» سلسلة من الحجج ليبين أن مروان كان رأس حربة في لعبة خداع مُحكمة كان يلعبها السادات على إسرائيل تمهيدا للحرب. ومن وجهة نظر عيزرا أعطى مروان إنذارات وهمية بالحرب في أواخر عام 1972 وفي أبريل 1973 من أجل طمأنة إسرائيل ودفعها للتخلي عن حذرها، ثم تعمد عدم إطلاق الإنذار في الأشهر التي سبقت أكتوبر 1973 وحين حذر في النهاية كان ذلك بشكل مبهم ومتأخر جدا في اللعبة التي، من وجهة نظرا المصريين، فات الأوان فيها على الإسرائيليين للتحرك». لكن لا بد من القول إن هذا التشكيك الذي أصر عليه عيزرا كان وراءه اتهام صريح من قبل لجنة التحقيق التي أعقبت خسارة إسرائيل لحرب أكتوبر «لجنة أجرانات» له بالإخفاق بل إنها أصدرت قرارا سريعا بإقالته من منصبه هو ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي ديفيد بن إليعازر. ولذلك ليس غريبا أن يعلق فشله على ازدواجية عمل أشرف مروان. وكانت شعبة أبحاث الاستخبارات العسكرية حتى قبيل أيام من الحرب، ورغم كل ما يصلها من مروان، تضع احتمالية شن الحرب في تلك المرحلة عند التصنيف «صفر» لعدم تمكن مصر من الحصول على طائرات وصواريخ تستطيع الوصول إلى عمق إسرائيل لتمنع الأخيرة من الوصول إلى القاهرة. وبقيت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تخطئ دائما في تقييمها، وكانت تستبعد على الدوام احتمال أن تكون سوريا ومصر قد أصبحتا جاهزتين للحرب. وفي 11 مايو 1973 وزعت الاستخبارات العسكرية دراسة كان من المفترض فيها أن تكون لتقييم احتمال وقوع الحرب، لكنها بدلا من ذلك تجاهلت ببساطة التحذيرات المتعددة وانساقت وراء الاعتقاد بأن مصر لن تهاجم أبدا قبل أن تؤمن أولا القاذفات المقاتلة بعيدة المدى وصواريخ سكود.

غادر أشرف مروان مصر قبل أربعة أيام من اندلاع الحرب. ذهب إلى ليبيا، حيث أخبر القذافي هناك عن نية الذهاب للحرب في القريب العاجل، ثم تابع رحلته إلى فرنسا. في يوم الخميس 4 أكتوبر كان في باريس مع وفد مصري، مما صعب عليه العمل بحرية، ولكنه اتصل بشقة امرأة في لندن كان عليه الاتصال بها كلما أراد أن يقابل مرشده «دوبي» والتي تعمل كوسيط بينه وبين مروان. كان مروان يريد التحدث «عن كثير من المواد الكيميائية» وأنه يجب أن يرى الجنرال على عجل، سيكون غدا في لندن وسوف يلتقيا. كانت عبارة «مواد كيميائية» تعني حسب المتفق عليه أن لدى مروان حديثا عن موعد الحرب.

مباشرة بعد المكالمة اتصل دوبي برئيس فرع الموساد في لندن وقدم له بيانا رسميا، وعند منتصف الليل وصل التقرير إلى مقر قيادة الموساد في تل أبيب. وأرسل الضابط المناوب نسخة منه إلى مكتب اللواء تسفي زامير رئيس الموساد ونسخة إلى الاستخبارات العسكرية. المرأة المناوبة في مكتب زامير استلمت الرسالة واتصلت بقائد الأركان فريدي عيني، في منزله. فركب عيني سيارته منطلقا إلى مقر القيادة لقراءة الرسالة بنفسه. شعر فريدي أن عليه إخبار زامير الذي كان في منزله بشأن الاتصال. كانت الساعة الثانية والنصف صباحا.. حصل في ذلك الاتصال أكثر من سوء فهم واحد كما يروي الكتاب. كان عيني يعتقد أنه يتصل بزامير لمشاركته في تحذير من حرب وشيكة يرسله مصدر استخباراتي رفيع. لكن زامير اعتبر من جهة أخرى، الاتصال أمرا ثانويا. أخبره أن «الملاك» يريد لقاءه في لندن لمناقشة «المواد الكيميائية». لكن لكون مروان لم يستخدم الكلمة الرمزية التي تشير إلى هجوم وشيك، لم يتعامل زامير معه كتحذير حقيقي لحرب وشيكة. بعد دقائق من هذا الاتصال عاد هاتف زامير يرن ثانية.. هذه المرة كان المتصل رئيس الاستخبارات العسكرية إيلي عيزرا.. أخبره عن عمليات الإجلاء التي تقوم بها القوات السوفييتية في سوريا. ودار جدل كبير خلال الساعات اللاحقة لتلك الرسالة والتي كشفت عنها تحقيقات لجنة «أغرانات» لكن المهم أن زاميرا اقلع متجها إلى لندن صباح 5 أكتوبر قبل يوم واحد فقط من بدء الحرب.

في نفس هذا التوقيت كان مروان قد وصل إلى لندن وحجز جناحا في الطابق السابع في فندق تشرشل الذي لا يبعد كثيرا عن شارع أكسفورد واستلقى على الأريكة وراح يقرأ قبل أن يسمع طرقا على الباب. كان الطارق محمد نصير أحد أصدقاء مروان في القاهرة وهو مهندس كمبيوتر معروف في مصر. كانت لدى نصير قصة غريبة يرويها لمروان ويطلب حولها إيضاحا. كان في ذلك الصباح قد تكلم مع مدير مكتب الخطوط الجوية المصرية في لندن، الذي أخبره أنه، وشريكه في باريس، استلم كلاهما أوامر صريحة عاجلة من القاهرة لتغيير مسار جميع طائرات النقل الموجودة في لندن وباريس إلى طرابلس في ليبيا. وجاءت الأوامر بدون أدنى شرح.

كانت تلك الأوامر نتيجة قرار اتخذه وزير الطيران المدني المصري، الذي أصدر أوامره للمدير التنفيذي للخطوط المصرية، دون استشارة أحد، بنقل جميع الطائرات التابعة له إلى بلدان صديقة. لقد اكتشف الوزير موعد الهجوم المرتقب وقرر اتخاذ إجراءات لحماية الطائرات. لكن حين وصلت أخبار تلك الأوامر إلى مركز القيادة في الجيش المصري أصيب وزير الدفاع وقائد هيئة أركان الجيش بالذهول. وخوفا من أن يؤدي التغيير المفاجئ في مواعيد رحلات الخطوط الجوية المصرية إلى لفت انتباه الإسرائيليين طلبوا من المدير التنفيذي تجاهل الأوامر. وهنا اتصل رئيس مكتب الخطوط الجوية في لندن الذي كان يعرف نصير ليسأله إن كان لديه أية معلومات عن الأسباب، لم يكن نصير يعرف لكنه فكر أنه يعرف أحدا يمكن أن يكون يعرف ولذلك تواصل مع أشرف مروان. ووفقا لمقابلة أجراها نصير لاحقا مع محطة تلفزيون مصرية أن أشرف مروان حين سمع القصة قفز عن الأريكة وهو يقول «سوف تندلع الحرب.. تقول خطط الحرب إن علينا القلق بشأن تعرض طائراتنا للأذى على الأرض. وجزء من الخطة يقضي بتغيير مسارات طائراتنا إلى بلدان أخرى». ثم دخل مروان إلى غرفة النوم وأجرى اتصالات هاتفية وعاد ليقول إن الحرب سوف تقوم في اليوم التالي. أخبر نصير أن عليه العودة إلى القاهرة في الحال. وطلب منه الذهاب إلى صديقهما المشترك كمال أدهم ليقرضه إحدى طائراته الخاصة ليتمكن من العودة إلى القاهرة. لكن كمال أدهم لم يتمكن من مساعدة مروان لأن آخر طائراته كانت قد أقلعت قبل قليل من لندن.

نصير يقول إن أشرف مروان كان على علم بكل تفاصيل خطط الحرب، لكنه لم يكن يعرف متى ستقع».

وفي الجدل الدائر حول ما إذا كان مروان فعلا عميلا مزدوجا محنكا وليس أهم جاسوس عرفته إسرائيل يوما، لن تجد سؤالا حاسما أكثر من التأخير في التحذير من الحرب. يقول الكتاب إذا افترضنا أنه عميل مزدوج فهذا يعني أنه على علم طوال الوقت بأن الهجوم سيكون في 6 أكتوبر؛ وأنه أعطى التحذير للمحافظة على مصداقيته مع الإسرائيليين مع الاحتفاظ بالمعلومات إلى أن يصبح متأخرا جدا القيام بأي شيء مفيد لهم. لكن اتضح أن هذا ينطوي على خطأين: فمن شبه المؤكد، بحسب الكتاب، أن مروان لم يعلم بالتوقيت إلا قبل يوم من الهجوم؛ وقد أعطى الإسرائيليين وقتا كافيا لنشر الجيش النظامي واستدعاء القوات الاحتياطية، وشن ضربة استباقية. أما كونهم لم يقوموا بتلك الخطوات فهذا عائد لدرجة كبيرة إلى ارتباكهم، ولعدم رغبة رئيس هيئة أركان الجيش إيلي عيزرا والخاضعين لنفوذه، بأخذ تحذيرات مروان على محمل الجد.

كانت الساعة بحدود العاشرة مساء بتوقيت لندن يوم 5 أكتوبر حين وصل دوبي وزامير رئيس الموساد إلى الشقة التي سيتم فيها اللقاء مع أشرف مروان. كان عملاء الموساد، الذين اتخذوا مواقعهم قبل ساعات عدة، قد قاموا بتفقد سريع للمنطقة المحيطة بالمبنى. دخل دوبي وزامير وانتظرا. كان الانتظار طويلا. قلما كان مروان يتأخر. وبعد الحادية عشرة والنصف ليلا بقليل، سمعا نقرًا على الباب. فتح دوبي ودخل الملاك.

كان مروان متوترا. «لقد أتيت إلى هنا» كما قال «لأتحدث عن الحرب ولا شيء آخر. لقد تأخرت لأني أمضيت المساء بأكمله في قنصليتنا في كنسينغتون. كنت على اتصال مع القاهرة، محاولا الحصول على أحدث المعلومات.. إن السادات ينوي شن الحرب غدا». يقول الكتاب من الطريقة التي عبر بها مروان عن نفسه لاحقا كان يعتقد أن الإسرائيليين كانوا على علم بذلك.. كانت القناعة السائدة لدى المصريين، بحسب الكتاب، أن الإسرائيليين سيعرفون بأمر الهجوم قبل يومين كاملين منه. تملكت زامير الدهشة. لقد أتى إلى الاجتماع وكله قلق لأن آخر المعلومات التي لديه، وخاصة الانسحاب السوفييتي، تشير كلها إلى أن مصر وسوريا متجهتان للحرب. لكن لم يكن يتخيل أبدا أن الهجوم سيكون بعد أقل من 24 ساعة. كما كان قلقا أيضا من احتمال أن يكون هذا التحذير، كما غيره من التحذيرات السابقة، مجرد إنذار كاذب. ولذلك كان رده الفوري هو، «على ماذا تبني تأكيدك؟».

كانت معلومات مروان مبنية على مكالمات هاتفية وليس على مقابلات شخصية ثم إنه لم يكن في القاهرة في الأيام الثمينة التي سبقت الحرب، لم يكن في حضرة السادات، ولذلك لا يمكنه أن يعرف كيف كان الجو في مكاتب الرئاسة.

وعندما سأل زامير عن خطط الحرب لم يكن مروان قد أحضر معه أي مستندات، ولكن كل التفاصيل كانت محفورة في ذاكرته. وقد تأكد منها للتو من وسيطه في القاهرة. لم يتغير شيء منذ آخر مرة أعطى فيها أحدث نسخة عن خطط الحرب لمشرفه قبل أسابيع عدة. سأل زامير عن ساعة الهجوم بالضبط «ساعة الصفر» وكان الجواب عند مغيب الشمس أي عند الساعة السادسة مساء. اتصل زامير بتل أبيب وأملى الرسالة التي منها «اتضح أن الشركة تنوي توقيع العقد اليوم قبل حلول الليل. إنه نفس العقد، بنفس الشروط التي نعرفها. هم يعرفون أن غدا إجازة عيد. يظنون أن بإمكانهم الهبوط غدا قبل حلول الظلام».