أفكار وآراء

المال والسياسة في الانتخابات الجزائرية القادمة

24 أبريل 2017
24 أبريل 2017

مختار بوروينة -

[email protected] -

ترتسم ملامح مشهد سياسي ساخن بين مختلف التشكيلات الحزبية التي دخلت منافسة الحملة الانتخابية قبل الاقتراع العام للانتخابات البرلمانية في 4 مايو القادم، حيث نزل ستون حزبًا سياسيًا، و17 قائمة حرة لتنشيطها عبر وجود هيكلي متباين بين ولايات الجزائر الـ48.

أحزاب «السلطة» انتشرت خلال الحملة بخطاب الاستمرارية والاستقرار، تطبيقا لبرنامج رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة، لكن مؤشرات التفرقة مثبتة بقوة في حسابات التموضع بنسب الأغلبية كون الحزب العتيد جبهة التحرير الوطني لن يرضى بغير الأغلبية البرلمانية، وغريمه وحليفه بالتحالف الرئاسي، التجمع الوطني الديمقراطي، يتحرك بانضباط يفهم منه أنه هو من سيأخذ الأغلبية، وهو من سيشكل الحكومة، وهو ما زاد من حدة التوتر غير المعلن بين الحزبين، يتوسطهما حزب تجمع أمل الجزائر، حديث النشأة، الذي يبدي الولاء التام للسلطة، ولا يكف رئيسه عن تكرار تصريحاته المؤكدة أن حزبه سيحقق نتيجة قوية في الاستحقاق المقبل مظهرًا نفسه بديلًا سياسيًا.

الأمر لا يختلف عند الإسلاميين حيث يغيب التوافق الشامل بينهم بعد الفشل في توحيد صفوفهم كاملة، فتحالف حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير لم يقبلا بالتحالف الثلاثي المشكل من اتحاد النهضة، وحزب العدالة وحركة البناء، خاصة بعد إظهار حركة مجتمع السلم لرغبة مبيته في العودة إلى حضن السلطة، مما قد يرهن حظوظ الإسلاميين عموما من كسب حصة معتبرة في البرلمان القادم.

ما يسجل عن النقاط المشتركة بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات لجلب أصوات الناخبين، التأكيد على الاستقرار السياسي والأمني للجزائر، وهو خطاب ترسخ مع كل موعد استحقاقي وبات كل من يعارضه يصنف في خانة الرافض لاستقرار الجزائر، برغم أن المقاطعة هي أيضا موقف سياسي تدخل في باب حرية التعبير، لكن اللهجة التي تتحدث بها بعض الأحزاب المشاركة من الموالاة والأحزاب الإسلامية ترى من يدعو للمقاطعة كمن يخون الجزائر أو أشد، فوق ذلك، فهي تخشى من العزوف الانتخابي مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية عام 2012، خاصة أن نسب المشاركة كانت جد متواضعة وهو ما تخشاه السلطة أيضًا، التي اختارت عبارة «سمّع صوتك» شعارًا لانتخابات 4 مايو المقبل.

وتؤكد الأحزاب المعارضة بما فيها الإسلامية أن ظاهرة العزوف لا تخدمها بالنظر لضعف قاعدتها الشعبية وخطابها الراديكالي، مثلما تخشى من التزوير أكثر من العزوف، ولا تزال تهدد وتحذر من التلاعب بالنتائج لكن لا يظهر أن حزبا مثل حركة مجتمع السلم، أكبر التشكيلات السياسية ذات التوجه الإسلامي، يتخوف من التزوير بدليل أن خطابه السياسي بات، ولو ضمنيا، متسما ببعض المغازلة للسلطة خاصة لما قال رئيسها «عفا الله عمّا سلف مع السلطة»، ما قرئ على أنه حنين للعودة لأحضان الحكومة.

اعتبر موقف حركة الشيخ نحناح الإخوانية خروجًا عن أرضية «مزافران» لتنسيقية المعارضة في الجزائر، حيث برغم مساعي هذه الأخيرة لتنسيق جهودها لتغيير سلمي للسلطة تغنت به منذ انتخابات الرئاسة 2014، لم تستطع المعارضة السياسية في الجزائر توحيد الصف لدخول معترك انتخابي يبدو للكثيرين منها محسومًا مسبقًا لصالح مجموعة أحزاب موالية للسلطة، فالإسلاميون غير متوافقين بشكل تام لا في الخطاب ولا في المسعى عندما يتعلق الأمر بالحسابات الحزبية الذاتية، ولا حتى أحزاب التيار الديمقراطي والوطني الأخرى استطاعت التحالف بالشكل الذي تحالفت به في «مزافران» وهو ما يرهن حظوظها في خارطة ارتسمت ملامحها مسبقا، وسط مخاوف من وصول أصحاب المال الفاسد إلى قبة البرلمان في زيغود يوسف.

ولم يخل أي خطاب حزبي، مهما كان تموقعه وخلفيته من تناول المال الفاسد، بما فيه الحزب العتيد جبهة التحرير الوطني، بالرغم من أنه المستهدف بقوة في سلسلة الاتهامات المباشرة خاصة بعد ضبط قيادية في المكتب السياسي متلبسة بجرم تلقي أموال رشوة من نائب يريد تجديد عهدته النيابية بتصدره لقائمة انتخابية في إحدى ولايات الشرق الجزائري.

وحذّرت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، من أن الانتخابات التشريعية التي ستكون مفصلية ومختلفة عن سابقاتها بالنظر إلى الوضع الداخلي والإقليمي، تتم وسط تخوفات من تمكن أصحاب المال من الاستيلاء على مقاعد في المجلس الشعبي الوطني وإملاء سياستهم، واصفة المناخ السياسي الذي تجرى فيه الحملة الانتخابية للتشريعيات بـالخانق وفق جملة من مسببات مثل قانون المالية لسنة 2017 ونسبة البطالة وعجز الحكومة عن التحصيل الضريبي وما إلى ذلك من النقاط السلبية التي ستلقي بظلالها على الجو العام للانتخابات التشريعية.

كما ندد حزب طلائع الحريات، للمترشح السابق للانتخابات الرئاسية والمقاطع للانتخابات التشريعية القادمة علي بن فليس، ما سماه بفرض المال الفاسد على الاستحقاق التشريعي القادم والتهديد الحقيقي الذي يمثله على الدولة ومؤسسات الجمهورية من خلال إتلاف الحدود بين المال الفاسد والسياسة عامة وزحف المال الفاسد بصفة خاصة، مستغربًا صمت الحكومة، وعدم تحرك العدالة، وهيئة اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات تجاه الحجم غير المسبوق الذي أخذه تدخل المال الفاسد في المسار التحضيري للاستحقاق التشريعي المقبل.

مثل هذه المسألة التي تحتل مكانة مهمة في شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى الإعلام الجزائري، لم يتوقف أمرها بين السياسيين في الداخل، بل تناولتها المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة، التي حشرت نفسها في الموضوع من خلال بيان لمكتبها الإقليمي بالجزائر حذر من خطورة استخدام المال السياسي في البرلمان المقبل، وأنه أخطر ما يهدد الحياة السياسية في الجزائر في ظل وجود أحزاب وشخصيات تمتلك القدرة المادية على دفع الملايين مقابل الحصول على مقعد أو الاتفاق مع مترشح يستطيع الفوز ليخوض الانتخابات باسم الحزب، وانتقد أيضا ارتفاع مستوى استخدام المال السياسي في الانتخابات المقبلة في ظل وجود سوق لشراء الأصوات بدأت ملامحها تتشكل، وتقودها منافسة حادة على من يدفع أكثر ومن هو محمي أكثر، وأن المعطيات تشير إلى أن الحملة الانتخابية القادمة سيصرف فيها من المال السياسي ما يتجاوز نصف مليار دينار، وستكون معركة تكاسر بين نخب حكومية متقاعدة ورجال مال عنوانها الأبرز ضمان إغلاق ملفات الفساد.

الحديث الذي يدور اليوم حول من سيكون له نواب أكثر في المجلس القادم بتلك الأساليب التي تناولها المشهد الحالي تحمل مخاطر سياسية ستؤثر بطريقة غير سوية وعادلة على خيارات الناخب، وقد تسمح لفئة من مستعملي المال السياسي للوصول إلى قبة البرلمان دون وجه حق أو شرعية.

وأمام التراشق السياسي والإعلامي حول استعمال المال السياسي في منافسة الانتخابات التشريعية، هناك أصوات للتحذير، وأخرى تحاول أن تتموقع هيكليًا دفاعًا عن سمعة الاستحقاق الدستوري كواجب وطني يحتم حماية المسيرة الديمقراطية للجزائر بغية الوصول إلى إصلاح وطني منشود وتنمية وطنية شاملة، فالانتخابات التشريعية المقبلة لا تحتمل العبث أو الخطأ، ومحاربة المال السياسي هو واجب وطني لتحصينها من أي ملوثات وأمراض انتخابية تصيب سلامة ونزاهة الانتخابات، وتحبط المشروع الإصلاحي الكبير الذي يراهن على الانتخابات باعتبارها بوابة العبور للمرحلة الإصلاحية السياسية المقبلة في إطار الدستور الجديد.