أفكار وآراء

مواجهة التطرف والعنف دون انتقاء

22 أبريل 2017
22 أبريل 2017

عبد الله العليان -

لا شك أن بعض المتابعين للحركات المتطرفة عموما، يطرحون تنامي ظاهرة الجماعات المتطرفة في بعض الدول الغربية، وإن كانت قليلة النشاطات الإرهابية بصورة عامة، لكنها تشكل قلقا، خاصة لو تنامت مع الوقت، ومن هنا يتطلب من المؤسسات الفكرية والإعلامية في الغرب أن تتعاطى مع قضية التطرف والإرهاب، بصورة عادلة، وليست انتقائية، حتى تتحقق المواجهة الصحيحة لكل نشاطات التطرف وخاطره وتحركاته، سواء أجاء هذا التطرف من ذوي الأصول العربية، أو من الغربيين أنفسهم، حيث ظهرت جماعات، تتبنى العنف، وتقوم بحرق المساجد وبعض مساكن أصحاب الديانات الأخرى، ولا شك أن قضية المهاجرين المسلمين إلى بلاد الغرب، تحتاج إلى وقفة لمواجهة التطرف الآخر، ليسهم في تأسيس التعايش، وأن تتحقق للمهاجرين العيش الكريم، دون تهميش أو الإساءة إلى دينهم أو حياتهم الاجتماعية أو مهاجمتهم. وليس جيداً أن يتم مواجهة تطرف في بلدان بعينها، والسكوت وعدم اتخاذ مواقف حاسمة، تجاه أنواع التطرف والإرهاب، في بلدان أخرى، وهذا بلا شك انحياز وعدم اكتراث لبعض الظواهر العنيفة التي بدأت تبرز في الغرب، وتركز الصحافة في الغرب على ظاهرة التطرف الديني عند المسلمين وعن الحركات الأصولية الإسلامية،ولكنها تتحاشى الحديث عن التطرف من بعض الجماعات المتطرفة في الغرب. ومن المهم مواجهة التطرف أي كان مصدره، ومكان تحركه، فهناك الأصولية الصهيونية، والأصولية المسيحية، ولذلك من العدل أن تتم التعامل من كل الأصوليات بدون انتقائية.

وأتذكر حديثاً لأحد المفكرين البارزين وهو صمويل هنتجتون صاحب أطروحة ( صدام الحضارات) الشهيرة التمس الأعذار للصرب عندما قال صراحة: «إن المسلمين يدّعون أن الغرب يكيل بمكيالين (في إشارة تقاعس الغرب عن حماية البوسنيين ودعم إسرائيل) ـ بيد أن من المحتم أن يكون عالم الحضارات المتصارعة هو عالم الكيل بمكيالين. فالناس -كما يقول- يكيلون بمكيالين للبلدان التي تمت إليهم بقرابة وبمكيال مختلف للآخرين». فلماذا ينسب للإسلام كل ما يفعله بعض المسلمين ولا ينسب لغيره من الأديان عند أفعال أتباعهم بنفس المعايير؟». وقد عبر عن هذا المأزق الموضوعي المنحسر في الغرب المستشرق الفرنسي رودنسون في كتابه «سحر الإسلام» وكيف أنه في القرن السابع عشر وبعده كان الإسلام يعتبر في الغرب رمز التسامح والعقل على النقيض من الدين المسيحي ومذاهبه المتعصبة للعقل ، فقد أخذهم ما يؤكده من ضرورات التوازن بين حاجات العبادة وحاجات الحياة وبين المتطلبات الأخلاقية أو المعنوية وحاجات الجسد وبين احترام الفرد والتشديد على التضامن الاجتماعي .وكان التركيز كبيراً لدى المثقفين في مواجهة المسيحية على الدور التحضيري للإسلام وعلى عقلانية الاعتقادات النابغة منه . فقط -كما يقول د. برهان غليون- منذ المنتصف الثاني للقرن التاسع عشر بدأ الأوروبيون يعتبرون أن المسيحية هي سبب التقدم والنجاح في أوروبا، وأن الإسلام هو سبب العجز والتأخر في العالم العربي والإسلامي، وبعد أن كان الإسلام يستخدم كنموذج للدين العقلاني والحضاري في موجهة المسيحية «المتعصبة والبربرية» بدأت الآية تنعكس تماماً ليصبح الإسلام شيئا فشيئا مثالا للبربرية التي تهدد الغرب.. لقد ترسخت القناعة بأن أوروبا هي قاعدة الحضارة وأن كل ما يقف في وجه أوروبا فهو معادٍ للحضارة، وكأن الإسلام كثقافة ومدنية ومجتمع هو العقبة الرئيسية إن لم تكن الوحيدة التي تحول دون امتداد التوسع الغربي في اتجاه الجنوب والقارات والحضارات القديمة، وكان لا بد لهم من أيديولوجية تؤجج العداء له وتبرر العدوان عليه في الوقت نفسه في نظر الأوروبيين أنفسهم ونظر العالم».

ومن هذه الرؤية الجامدة نشأت «الأصولية» في الغرب التي لا تقبل غير الرؤى المنطلقة منها ، صحيح أن الغرب عندما انقلب على الكنيسة جردها من سلطاتها وإزاحتها من مكانتها الكبيرة في المجتمع الغربي، لكنه كما أشار -د. محمد عابد الجابري ـ «لم يتنازل كلية عن طموحات هذه البابوية وذاكرة المركزية الأوروبية وإنها محور الإنسانية وتاريخها وإقصاء الآخر وتهميشه فكرياً وثقافياً وتأسيس ذاكرة تاريخية ثقافية محور «الأنا» الغربي وتميزه وتفوقه بصفات وخصائص يفتقدها الآخر عقلياً وحضارياً وعرقياً.. وهذه العقلية بقيت راسخة حتى بعد سقوط البابوية وتأسيس العلمانية، وسنكون مخطئين إذا اعتقدنا أن الغرب قد تحرر من تلك الخلفيات الثقافية والدينية وأنه الآن غرب علماني خالص عقلاني براجماتي لا غير، وبالتالي فإن الذاكرة الثقافية والدينية ما زالت تمارس فعلها في تفكير الصحفيين والمحللين وصناع السياسة من الليبراليين العلمانيين في الغرب . وحاولت العلمانية بعد مزاحمتها للكنيسة في التأثير والمكانة في المجتمع الأوروبي أن تستعيد الذاكرة السلطوية لرجال الدين في التميز والهيمنة من خلال الادعاء «بالكونية» والفرادة للغرب، ومن منظور الفلاسفة أنفسهم أنهم شجعوا حتى الاستعمار، وهذا الموقف المزدوج للعلمانية في الغرب جعل البعض يشك في مصداقية مقولاتها عن الحرية والتسامح والتعددية الديمقراطية تجاه الآخر، لكن ذلك لم يتحقق بصورة مقبولة».

.أما موضوع العنف والتطرف والإرهاب الذي يجتاح عصرنا الراهن فان المؤثرين في صناعة القرار في الغرب يحاولون أن يلصقوا هذه الظاهرة بـ»أصل الإسلام» وطبيعته الكامنة فيه، وهذا غير صحيح، فالإسلام كدين يرفض العنف والإرهاب والتطرف من حيث المبدأ، مهما كانت أسبابه، وآيات القرآن الكريم تحفل بالسور التي ترفض الاعتداء وقتل الآمنين، من كل الديانات، ومن تفعله بعض الجماعات، لا يمكن انتسابه للإسلام، حتى وإن رفعوا راية هذا الدين القويم.