أفكار وآراء

الانتخابات الفرنسية اليوم .. ومفاجآت محتملة!

22 أبريل 2017
22 أبريل 2017

د . واصل القعيطي -

تعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر لها اليوم الثالث والعشرين من شهر أبريل من أكثر الانتخابات الغربية التي تحظى بالاهتمام. كما أن نتائجها غير متوقعة على نحو غير مسبوق خاصة في فرنسا، سواء في ظل المشكلات التي يواجهها أكثر من مرشح لمنصب الرئيس، أو بعد حادث إطلاق النار في الشانزليزيه يوم الخميس الماضي، في محاولة واضحة لخلط الأوراق.

ففي يمين الوسط فإن فرنسوا فيلون خسر معظم داعميه بعد ما أثير حول تورطه في فضيحة احتيال وأدى ذلك إلى فوضى في حزبه، وفي اليمين المتطرف تأتي المرشحة مارين دي لوبان الزعيمة المناهضة للاتحاد الأوروبي وشعبوية حزب الجبهة الوطنية والتي تكسب أرضية واسعة من الداعمين، وقد حاولت استغلال حادث الشانزليزيه الأخير مما أدى الى انتقاد رئيس الوزراء الفرنسي لها. وحسب المعطيات المتاحة فإن مقعد قصر الإليزيه بات محصورا، أو شبه محصور،حسب توقعات كثير من المراقبين، بين فيون ولوبان، ومع ذلك فان المفاجآت تظل واردة وكبيرة أيضا. فهل يسمح برنامج فيون للسياسة الخارجية بالتفوق علي مارين لوبان، كونه يعتمد على أفكاره لمحاربة الإرهاب في فرنسا، والحدّ من استقبال اللاجئين إليها، عبر تحديد نسبة سنوية للمسموح لهم بالدخول، والحدّ من منح الجنسية تلقائياً للمولودين على الأراضي الفرنسية، أما فيما يخص ما يطلق عليه في الغرب «الإسلام الراديكالي»، فيرى فيون أنه «لا توجد مشكلة دينية في فرنسا، نعم هناك مشاكل تتعلق بالإسلام... لكن الحل لا يكمن في استهداف المسلمين الملتزمين بالقانون، بل يستهدف المتعصبين»... لا شك إذا أن هذه الانتخابات أكثر إشكالية من سابقتها، فالانتخابات العاشرة التي تنظم في تاريخ الجمهورية الخامسة لا تشبه أيًّا من الانتخابات السابقة، حيث يخيم شبح اليمين المتطرف عليها ويدق ناقوسًا في الجمهورية التي تعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية ويثير قلق الأوروبيين الذين ينتظرون كما الفرنسيين حتى انتهاء تلك الانتخابات. يبدو أمام ذلك الأمر الأكثر تأثيرًا هو وسائل التواصل الاجتماعي التي ربما يكون لها جزء كبير من القرار في تحريك آراء الشارع، كما وقد استخدم اليمين المتطرف السوشيال ميديا في فترة سابقة بهدف دعم حملته وكسب الأنصار. التخوف الآخر في الانتخابات الفرنسية، من القرصنة والهجمات الإلكترونية، والذي يبدو ممكنا بعد ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، والتي كانت الأكثر اعتمادًا على وسائل التواصل الاجتماعي في سابقة من نوعها، حيث غيرت التكنولوجيا وجه الحياة السياسية وعادات الاستهلاك السياسي وساهمت إلى حدٍ كبير بإيصال أحد المرشحين إلى البيت الأبيض، وعليه فقد ألغت فرنسا بقرار من خبراء في وكالة الأمن القومي للمعلومات، التصويت الإلكتروني للفرنسيين في الخارج، تخوفًا مما قد يحدث من هجمات إلكترونية خلال عمليات التصويت، في حين أُثيرت إشاعات أساسها مخاوف من قرصنة مواقع المرشحين للرئاسة، فيما توجهت تلك الاتهامات لروسيا التي أعلن الأمين العام لحزب «إلى الأمام» ريتشارد فيران أن وسائل إعلامية استطاعت استهداف الحملة الانتخابية لمرشح الحزب إيمانويل ماكرون عن طريق الهاكرز أو قراصنة الإنترنت.. ليس بالأمر الغريب ألا يركز المرشحون للانتخابات الرئاسية الفرنسية - في دورتها الراهنة-القضايا التي اعتدنا عليها خلال الحملات السابقة،. فما نلمحه أن أجندات المرشحين لم تتخذ من قضايا الإسلام والمهاجرين محورا أساسيا، كما كان المتبع خاصة من قبل الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بزعامة لوبان الأب المؤسس للحزب منذ سنوات طويلة، أو لزعيمته الحالية المرشحة الرئاسية مارين لوبان الابنة، التي يرجح كثيرون أنها يمكن ان تصل الى دورة الإعادة، وان كانت لن تصل الى الاليزيه على الأرجح لأسباب عديدة، اللهم إلا إذا غيرت حادثة الشانزليزيه الخميس الماضي من مواقف ومزاج الفرنسيين حيالها.

وبنظرة تحليلية نرى أن المرشحين أدركوا أن هذه الشريحة المستهدفة حتى لو كانت أقلية في المجتمع أصبحت جزءا من نسيجه من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك قضايا أضخم أصبحت تهدد أمن المواطن وتعكر صفو حياته وهى التي يجعل منها أولوياته، وبدون شك تتصدرها الأحوال الاقتصادية والمعيشية والأمن ومكافحة الإرهاب. لذلك نرى مرشحي الرئاسة الفرنسية المحتمل لهما التنافس في جولة الحسم، يلعبان على محورين رئيسيين الاقتصاد، وتوفير الأمن.

فالناخب الفرنسي- حاليا - ضاق ذرعا من السياسات القديمة والمتكررة،. فهو لا يعنيه سوى لقمة العيش والأمان الداخلي، خاصة بعد ما فتحت عليهم حقبة الرئيس نيكولا ساركوزي باب الإرهاب على مصراعيه، وهو ما حصد تداعياته ساكن الاليزيه الحالي فرانسوا هولاند، وبالطبع دفع فاتورتها المواطن إثر حزمة هجمات إرهابية لم تشهدها فرنسا من قبل. وبالرجوع لهذه الحقبة الرئاسية (2007-2012) والتي جلبت على فرنسا ودوّل عدة مصائب شديدة، نُذكَّر في نظرة سريعة لأهم أحداثها، حيث كان الرعايا الفرنسيون يتعرضون لعمليات خطف واحتجاز خارج الحدود، والمؤسف أن اغلبها كانت تنتهي بقتلهم، أو اضطرار السلطات لدفع فدية مالية ضخمة -غير معلنة - لذا بحث ساركوزي الذي اشتدت في حقبته عمليات الاختطاف والقتل عن طريقة بديلة لحماية رعاياه، وشن حرب واسعة على ما اسماه الإرهاب، استهدف بها ليبيا التي أغرقها مع التحالف الدولي -آنذاك- بالسلاح، هذا السلاح الذي استخدمته الجماعات في تكوين أكبر كيان إرهابي إن صح التعبير، أطلق عليه فيما بعد تنظيم «داعش»، وبقية القصة معروفة للجميع..لذلك نلمح السخونة التي تصطحب الانتخابات الرئاسية الفرنسية الراهنة في محاولة لقطع الطريق لوصول زعيمة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف مارين لوبان، التي تمنحها الاستطلاعات فرصا معقولة للفوز في الجولة الأولى من الانتخابات، في ظل ما تشهده الساحة من مشاكل تخص الأمن والإرهاب بسبب الحدود المفتوحة ضمن اتفاقية الاتحاد الأوروبي وهو الأمر الذي لا تتفق معه مارين لوبان. وبالتالي يظل الأمر غير محسوم حتى يتم فرز الأصوات مساء اليوم.

وفي ظل ذلك، تنتظر هذه الانتخابات عدة سيناريوهات، أشدها حصول أي مرشح على اكثر من 50% من الأصوات في الجولة الأولى، وبالتالي حسم الانتخابات من الجولة الأولى.

وبالنسبة للإعادة فان لوبان يمكن ان تخوضها حسب استطلاعات الرأي..وفي حين لا يزال ملايين الناخبين الفرنسيين لم يحسموا أمرهم أو لا يعتزمون المشاركة، فإن هذه من أكثر الانتخابات التي لا يمكن التكهن بنتيجتها منذ عقود، ويخشى المستثمرون مفاجآت اللحظات الأخيرة التي قد تسبب اضطرابات في الأسواق، فقد طلبت البنوك من موظفيها التواجد في مكاتبهم عشية الانتخابات ليتمكنوا من الاستجابة السريعة للنتيجة.وفي كل الأحوال فإن نتائج الانتخابات الفرنسية لن تؤثر فقط على السياسة الفرنسية، ولكنها ستؤثر بالضرورة على الاتحاد الأوروبي، وربما على مستقبله أيضا.

ففرنسا لاعب أوروبي أساسي واحد ركائز الاتحاد الأوروبي بالطبع.