صحافة

فلسطين: جدلية تعريف الأسير الفلسطيني في المفهوم الدولي

21 أبريل 2017
21 أبريل 2017

في زاوية آراء كتب الدكتور مصطفى اللداوي مقالا بعنوان: جدلية تعريف الأسير الفلسطيني في المفهوم الدولي، جاء فيه:

مازال الأسير الفلسطيني لا يتمتع بتعريف قانوني دولي قاطع مانع يوضح حقيقة مكانته القانونية، وموقعه في ظل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فلا يوجد إجماع أو توافق دولي على الهوية القانونية له، إذ يصر الاحتلال على تعريف الأسير الفلسطيني بأنه سجين يستحق العقاب والتأديب، ويتعمد في وصفه استخدام كلمة «مخرب» في كل خطاباته الإعلامية والإدارية، ويتعامل معه على أنه مجرم ارتكب خطأ أو جرما استحق عليه السجن والعقاب، وليس لهذا السجين المذنب أي حقوق أو امتيازات، وإنما عليه أن يبدي حسن سيرة وسلوك خلال مدة حكمه، فتحسن إدارة السجون معاملته أو تتشدد فيها وفقا لجريمته الأساسية، ثم لسلوكه الشخصي داخل السجن.

يرفض الاحتلال الإسرائيلي رفضا باتا الاعتراف بالأسرى الفلسطينيين أنهم أسرى سياسيون، أو أنهم أسرى حرب يناضلون في سبيل قضية حق وواجب، ويرفض تصنيف اعتقالهم بأنه اعتقال سياسي، ويبذل غاية وسعه لمنع تدويل قضيتهم أو التضامن معهم، ويحول دون تدخل المؤسسات الدولية والإنسانية للمساهمة في محاولة تعريفهم القانوني الصحيح كما غيرهم، وانسجاما مع حالات سابقة تشبههم، وقد عرقل الكثير من المساعي الدولية والإقليمية، وأجهض العديد من المحاولات القانونية لتعريف الأسير الفلسطيني.

لكن (الفيتو) الإسرائيلي لا يمنع بعض فقهاء القانون الدولي من التعبير عن رأيهم القاضي بوجوب خضوع حالة الأسرى الفلسطينيين من الناحية النظرية لاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949م، والبروتوكول الإضافي الأول الخاضع لهما، مع الإشارة إلى أن عدم انضمام الكيان إليه لا ينفي أنه ملزم بتطبيق أحكامه تحت إطار ما يعرف بمبادئ القانون الدولي العام.

ويرون أن الأسرى الفلسطينيين نوعان، الأول هم المدنيون غير المقاتلين، ممن اعتقلهم الاحتلال من بيوتهم أو من الأماكن العامة، أو قام باختطافهم أو توقيفهم على المعابر والحواجز الأمنية، وهؤلاء المختطفون المدنيون لا يمكن عدهم أسرى حرب بالمفهوم الدولي لأسير الحرب، لعدم انطباق شروط أسير الحرب عليهم من حيث استيفاء شارة مميزة، والخضوع لقيادة عسكرية مسؤولة عن أعمالها، والحمل العلني للسلاح، ولهذا تعد عملية اختطاف المواطنين الفلسطينيين المدنيين الذين لا يوجد لديهم شبهة القتال جريمة حرب وفقا للمعايير الدولية المتعارفة، وهؤلاء يجب أن يخضعوا لاتفاقية جنيف الرابعة، وعلى الاحتلال أن يتعامل معهم بموجب هذه الاتفاقية وملحقاتها وبروتوكولها، التي تنظم علاقة قوة الاحتلال مع مواطني الإقليم المحتل الخاضع لقانونه وأحكامه.

وهناك فريق آخر من الفقهاء القانونيين يصنفون الأسرى الفلسطينيين بأنهم أسرى حرب، ويجب أن يتعامل معهم الاحتلال على هذا الأساس، ويمنحهم كامل الحقوق التي يتمتع بها الأسرى وفق القوانين الدولية، وقد تعزز رأيهم بعد عام 1993م إذ برز وضع قانوني جديد يحكم قضية الأسرى الفلسطينيين، فقد أصبح للسلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاقيات السلام (أوسلو) كيان مستقل، وسلطة إدارية على جزء من الأرض الفلسطينية، وأصبح رعايا السلطة الفلسطينية مواطنين غير خاضعين لسلطة الاحتلال في المناطق التي صنفت تحت السيادة الفلسطينية، وعليه يعد اقتحام سلطة الاحتلال تلك الأراضي، واعتقال مواطنين فيها اعتداء على إقليم غير متنازع عليه. وعليه فإن الأسرى الفلسطينيين يكتسبون صفة أسرى حرب، لأن الاحتلال الإسرائيلي اعتقلهم في عمليات عسكرية، أو في مداهمات أمنية تحمل صفة القتال والحرب، ما يجعل الأسرى في سجونهم مدنيين مختطفين، يخضعون بالكلية إلى اتفاقيات جنيف المختصة، ولا يجوز لسلطات الاحتلال أن تنزع عنهم صفتهم القانونية بموجب أهوائها وقوانينها الخاصة، وإنما يجب على المجتمع الدولي أن يلزمها بالخضوع للتعريفات القانونية، لجهة أنهم أسرى حرب، ولهم كامل حقوق الأسرى المنصوص عليها قانونا. أما الأسرى المسلحون الذين اعتقلوا من مناطق السلطة الفلسطينية فإن وضعهم القانوني يندرج بسهولة في إطار أسرى الحرب ممن كانوا بصدد الدفاع الشرعي عن أراض خاضعة لدولة غير دولة الاحتلال، وبذلك لا يكون لسلطة الاحتلال أي حق باحتجازهم في الأراضي الخاضعة لها، بمعنى نقلهم خارج نطاق الأراضي المحتلة، ويجب أن تسري عليهم اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م، سواء أكان هؤلاء من أفراد أجهزة الأمن الفلسطينية أم كانوا من أعضاء التنظيمات والفصائل الفلسطينية المختلفة. وعليه فإن الأسرى الفلسطينيين والعرب جميعا في السجون الإسرائيلية الذين اعتقلوا على خلفية مواقفهم العملية والنظرية من الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، ونتيجة سعيهم للتخلص من الاحتلال أو مقاومته، سواء اعتقلوا من مناطق السلطة الفلسطينية أم خارجها، وسواء اعتقلوا خلال أعمال حربية أو اشتباك وقتال، أو في مداهمات منزلية أم اعتقلوا من الشوارع والميادين أو أماكن العمل؛ إنهم يعدون أسرى حرب، ويجب أن يخضعوا للقوانين التي تنظم حقوق الأسرى في وقت الحرب كافة، وفي كلتا الحالتين _سواء أكان الأسرى مدنيين أم كانوا مقاتلين يحملون السلاح ويقاومون الاحتلال_ فلا مجال لتطبيق القوانين الإسرائيلية على أسرى المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية.

ولهذا يجب على الفلسطينيين أن يسخروا كل مؤسساتهم القانونية والمدنية والإنسانية، والاستفادة من المؤسسات العربية والدولية المختلفة، لصبغ صفة الأسر بكل أبعادها القانونية الدولية على كل الأسرى الفلسطينيين، وإخضاع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى كل موجبات وحيثيات الأسر السياسي، إذ لا يوجد أي تعريف قانوني آخر يستطيع أن يغطي حالة الأسرى الفلسطينيين، ومنشأ مشكلتهم، وأسباب اعتقالهم، وطريقة معاملتهم، وكيفية اعتقالهم، إذ كلها تشير وتؤكد أن الأسرى الفلسطينيين إنما هم أسرى حرب، وأن الجهات التي تعتقلهم هي قوات احتلال عسكرية، وأنها تعتقلهم وتعذبهم لأنهم يقاومونها ويقاتلونها لاستعادة أرضهم ونيل حقوقهم الوطنية المشروعة.