أفكار وآراء

الاتحاد الأوروبي وتركيا .. المصالح ستفرض التهدئة !!

21 أبريل 2017
21 أبريل 2017

سمير عواد -

يوم الأحد الماضي في تمام الساعة 20:29 بتوقيت أوروبا، نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بوضع حقائق جديدة. وسارع بعد إعلان فوزه بالاستفتاء على مشروعه الخاص بتعديل النظام الرئاسي، للاتصال برئيس الوزراء التركي «بينالي يلديريم» حيث هنأ الشعب التركي على قراره المؤيد للتعديل وقال أردوغان إنه مدين بالشكر للشعب التركي الذي عبر من خلال التصويت (85 بالمائة نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع) عن رغبته في تأييد التعديل الذي سبقته حملة انتخابية حامية وتوتر بالغ في علاقات تركيا مع جيرانها الأوروبيين.

وحاولت دول أوروبية مثل ألمانيا التي يقيم فيها قرابة 4،1 مليون ناخب تركي وهولندا التي يعيش فيها مئات الآلاف من المهاجرين الأتراك الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات في بلدهم الأصلي، ثني هؤلاء الناخبين عن تأييد مشروع أردوغان، ومنعت أعضاء في الحكومة التركية من المشاركة في الحملة الانتخابية في أوروبا، وجرت ملاسنات كلامية جارحة إلى حد كبير بين أردوغان ومسؤولين كبار في أوروبا، حيث اتهمهم الرئيس التركي بالفاشية والنازية إلى غير ذلك، فيما كانت الأحزاب المعارضة في أوروبا وخاصة حزب الخضر وحزب اليسار في ألمانيا، تطالب باتخاذ إجراءات حازمة ضد المسؤولين في حكومة أنقره وتهديدها بوقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

أما الآن وقد تمت الخطوة الأولى لصالح أردوغان رغم أنه كان يتمنى الفوز بنسبة 60 بالمائة عوضا عن نسبة 51.4 بالمائة، فإن خصومه في أوروبا، لن يتركوه يسعى بسلام لتحقيق مشروعه. ويقف بعض الأوروبيين بكامل ثقلهم وراء أحزاب المعارضة التركية، للسعي إلى نقض نتائج الاستفتاء وإلغائها أو على الأقل كي يظهر أردوغان أمام العالم، أنه استخدم أساليب احتيالية للفوز بهذا النصيب من الأصوات. وكان هذا الاستفتاء الشعبي السابع على دستور تركيا منذ عام 1962.

وهكذا فإن المتابع للعلاقات التركية - الأوروبية، يلاحظ أن التوتر لم يصل إلى هذا المستوى بين الطرفين منذ زمن بعيد. فغالبية المسؤولين الأوروبيين، أصبحوا يشككون بأن تركيا، شريك مخلص للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «ناتو». وما يبدو أنه طلقة البداية لأردوغان ليحقق مشروعه في تعديل النظام السياسي، الذي يؤكد معارضوه في تركيا وأوروبا، أن المشروع سوف يمنح الرئيس التركي صلاحيات ونفوذ من شأنه أن يجعل تركيا تحت الحكم الفردي ، من وجهة نظرهم بالطبع ، ربما بداية حقبة جديدة من النزاع بين أنقره والاتحاد الأوروبي. وبعدما دعا بعض الأوروبيين قبل التصويت، إلى وقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، أصبح ذلك حديث الساعة بعد إعلان النتائج مساء الأحد الماضي.

فمنذ عام 2005، تجري مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وفي هذه الأثناء لم يعد أحد في عواصم الاتحاد الأوروبي وأنقره، يتصور أنها سوف تستمر في المرحلة المقبلة. وقد طالب سياسيون أوروبيون ينتمون إلى مختلف الأحزاب، بوقف المفاوضات، التي تُعتبر «مجمدة» منذ أشهر، وبالكاد هناك حكومة واحدة في الاتحاد الأوروبي تؤيد استمرار المفاوضات مع تركيا.

ومن المقرر أن يُعلن قادة وزعماء أو وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، عن موقفهم تجاه مستقبل العلاقات مع تركيا، وذلك في قمتهم المقررة في نهاية شهر أبريل الجاري. وأشارت مصادر أوروبية إلى ضرورة تقييم الوضع الجديد. فتركيا مقبلة على تغييرات خلال السنوات القادمة، وبحسب خصوم أردوغان في أوروبا، سوف يحصل الرئيس التركي على صلاحيات تضمن له الحكم المنفرد، بينما يأمل الذين أيدوا تعديل النظام الرئاسي وكان بينهم 63 بالمائة من أتراك ألمانيا، في أن تصبح سياسات الدولة أكثر فعالية.

واتهمت مجلة «دير شبيجل» الألمانية مؤخرا، الأوروبيين بالمساهمة في تدهور علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا، ومحاولة عزل أردوغان. ومن الأمثلة على ذلك، الدعم العسكري الألماني للميليشيات الكردية في العراق وسوريا، خاصة وأن تركيا تخشى وقوع هذه الأسلحة بأيدي حزب العمال الكردستاني المحظور الذي تحاربه. ثم الهجوم المتواصل لوسائل الإعلام الأوروبية ، ولاسيما الألمانية والهولندية، التي تنتقد أردوغان باستمرار . وعندما وقع الانقلاب الفاشل في يوليو من العام الماضي، التزم الأوروبيون الصمت، مما جعل القادة الأتراك يشعرون أن الأوروبيين كانوا يتمنوا نجاح الانقلاب الذي استهدف أردوغان. ومما عزز هذا الشعور، أن أتباع «فتح الله جولن»، الذي تتهمه أنقره بالتخطيط للانقلاب الفاشل، يسرحون ويمرحون في أوروبا، التي ترفض دولها الاستجابة لطلب أنقرة تسليمها إياهم لمحاكمتهم بتهمة التخطيط للانقلاب.

وكان أردوغان، قد أثار قلق الاتحاد الأوروبي، عندما أعلن عن عزمه إجراء استفتاء شعبي حول تعديل دستور البلاد، أما الآن فإن قلق الأوروبيين قد زاد بعد الفوز الذي تحقق لأردوغان، في استفتاء الأحد الماضي ، وكان الأوروبيون يأملون بوقفه من قبل الأحزاب المعارضة للرئيس التركي. ففي السنوات الماضية، فشل الاتحاد الأوروبي في العمل بسياسة مشتركة تجاه تركيا، واضطر الأتراك للانتظار عقودا ، وهم يتفرجون على دول أخرى ، مثل قبرص ورومانيا وبلغاريا وسلوفينيا وسلوفاكيا تنضم إلى الاتحاد الأوروبي بينما هي في غرفة الانتظار، تسمع باستمرار تصريحات السياسيين الأوروبيين الذين يعبرون عن رفضهم لانضمامها. وبحسب صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية، يعتزم الاتحاد الأوروبي العمل باستراتيجية مزدوجة حيال تركيا بعد الفوز الذي تحقق لأردوغان. أولا: التهديد بوقف مفاوضات العضوية، التي لن ترهب الأتراك بعد اليوم، لأنهم فقدوا حماسهم للانضمام للاتحاد الأوروبي منذ سنوات ، بعدما أدركوا أن أوروبا ترفض انضمام دولة إسلامية. وهذا ينطبق أيضا على جمهورية البوسنة والهرسك. ثانيا: تريد أوروبا الحفاظ على تركيا كشريك اقتصادي هام والتركيز على مشروع اتفاقية للشراكة المتميزة والاتحاد الجمركي عوضا عن العضوية الكاملة. كما أن مستقبل العلاقات الأوروبية - التركية، أصبح يتعلق بشكل كبير بموقف أردوغان من الاتحاد الأوروبي.

لكن الأمر الإيجابي بالنسبة للجانبين، هو استعداد العديد من المسؤولين للحوار والتفاهم الذي تفرضه عليهما المصالح المشتركة. فعلى الرغم من زعم الأوروبيين أن أردوغان يستفزهم بالتهديد بإعادة العمل بحكم الإعدام، هناك بعض أعضاء حكومته، خرجوا على الرأي العام للتهدئة، مثل مولود شاووش أوغلو، وزير الخارجية الذي أكد أن سياسة تركيا تجاه أوروبا ستظل من الأولويات الاستراتيجية. كما أن نهاد زيبكشي، وزير الاقتصاد التركي، يرى أن مستقبل تركيا في أوروبا.