randa-s
randa-s
أعمدة

عطر: للتضحية حدود

19 أبريل 2017
19 أبريل 2017

رندة صادق -

[email protected] -

نعم “للتضحية حدود”، قد يستغرب كثيرون أن ابدأ كلامي في نفي المؤكد، خاصة أنه لطالما سمعنا وتربينا على مفهوم مناقض تمامًا يؤكد أن: “لا حدود للتضحية”، التضحية مفهوم سامٍ، علينا أن نتبناه ونعمل كل ما بوسعنا لتحقيقه.

لكن التضحية ليست واحدة، ولا يمكن حصرها بفرد أو بنوع كذلك لا يمكن تحديد مفهومها ببساطة، فهي درجات ومستويات وأنواع، ولعلها أيضًا وجهة نظر، وقد تكون متبناة، وليست عميقةً في قيم البعض، وغريبةً عنهم، وعن طرق تفكيرهم، وقد تكون من صلب وركائز بعض الأفراد، حيث يعمدون إلى اتخاذها دربهم الشاق يعبرون فوق حرارته، لا يخشون خسارة ولا يراهنون على ربح.

هي في وجدان الناس، الطيبة والشريرة، وهي ترتبط بقيم أخرى، مثل: الإخلاص والوفاء، وتبادل المواقف، وتقديم المبادرات، التي قد تقوم على خسائر تلحق بالفرد أو بالمجموعة، ربما الجميع يقدم مواقف يتغاضى عن حقه وحاجته من أجل محيطه أو هدف، لكنه يشعر بالغبن، ويظن أنه يقدم تضحيات جمة، والحقيقة أن هناك شعرةً بين التنازل والتضحية، وهذا ما لا يعيه معظم الناس، فيخلطون بين التنازل الذي فيه انكسار للكرامة وتراجع في الشخصية، وبين التضحية التي فيها اختيار وقرار وكبرياء، اختيار الطريق الأخطر والأصعب، فغالبا الناس الذين لا يكذبون بل يتجملون بمعنى يجملون انكساراتهم وهزائمهم، بمنحها عناوين مثل “التضحية”، ولكن الأمر واسع التناقض، بين التنازل والتضحية، رغم أنهما يشبهان بعضهما البعض من حيث إن هناك طرفًا يقدم دعمًا للطرف الآخر أو يُفضله على نفسه، حبًا به أو حرصًا عليه.

كما قلت سابقًا للتضحية أنواع كثيرة تندرج جميعها في فكرة إسعاد الآخر ومنحه أفضلية على النفس، ونحن نضحي من أجل مَنْ نحب سواء أكان أخا أو صديقا أو عائلة، من المهم أن ندرك أن التضحية الكلية تضحية مرفوضة؛ لأنها تتعارض مع كينونة الإنسان، فعلى الإنسان أن يحقق التوازن في تعاطيه مع محيطه وحاجته منه، لا أن يسير بلا هدى في مجتمعات لا يمكن أن تضع حدودًا للتضحية. ربما تزعجنا التضحية، وتخلف لنا عواقب فيما بعد على الرغم من أننا قد نسعد الآخرين إلا أنه قد نشعر بألم وغصة وكأننا أُجبرنا على هذه التضحية خاصة أننا ندفع ثمن سعادتهم من أعمارنا وصحتنا ومشاعرنا وآمالنا، وهذا يجلب لنا عدم الرضا طوال العمر، ولكن هناك علاقات توجب علينا التضحية، مثل: البر بالوالدين أو التضحية من أجل الأبناء، ولكن هذه التضحية النبيلة لا يجب أن تكون كلية، تقوم على نكران الذات، بل علينا أن نوازن بين العاطفة والعقل، وبين الواجب والاندفاع الأعمى، من هنا للتضحية حدودها التي تتجسد في قدرتنا على إيجاد معادلة لا ندفع فيها أعمارنا أثمانًا لها. كذلك هناك نوع غير مقبول من التضحية، وهو التضحية بالممكن انتظارًا للمستحيل والمجهول، وهذا النوع العبثي لا يمكن مداواته؛ لأنه لعبة غامضة غير محسوبة النتائج. التضحية أحيانًا غير إرادية وقدرية، تفرض نفسها تحت ضغط الظروف وحتمية اتخاذ قرارات قوية، قد يحتاجها صديق أو أهل أو زوج أو وطن وهذا أروع التضحيات، رغم أنني لست مع اختيار الموت، ولكن إن كان الوطن يحتاج من يذود عنه هنا لا يجب أن يتردد المرء، فأجمل وأروع التضحيات التضحية من أجل كرامة الوطن، أما التضحيات الباقية من أجل حبيب أو من أجل مكسب مادي أجدها تضحيات لا مبرر لها تدخل بباب التنازلات، وعلى المرء أن يقف أمامها ويدقق في موقفه.