أفكار وآراء

فنزويلا.. ماذا وراء الاضطرابات الداخلية؟

15 أبريل 2017
15 أبريل 2017

د . واصل القعيطي -

عمر الأزمة في فنزويلا أعوام وإن كان عمر بعض مسبباتها يعود إلى عقود، لكن الفصل الأخير يزداد -على ما يبدو- حدة وتعقيدا إذ تعيش على صفيح ساخن من الاحتجاجات الاجتماعية، وأطلقت العنان للتكهنات بخصوص مستقبل حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، وإن الربيع اللاتيني قد حل بفنزويلا ودقت معه ساعة التغيير، ولما لا في ظل أزمة مالية عالمية، والكثير من الدول في عالمنا تعيش أزمات متفرعة من المشكلة الأم، كان آخرها تراجع الطلب على النفط وكثرة المعروض للبيع في السوق وهو ما حطم الأسعار المرتفعة ليصل سعر البرميل إلى أرخص الأسعار الممكنة. فالدول التي تعتمد على النفط بدرجة كبيرة وبينها فنزويلا تعيش وقتا عصيبا وتتسابق مع الوقت لتنويع اقتصادياتها، فهي واحدة منها والتي تعتمد بنسبة تجاوزت 90 في المائة على عائدات النفط وكانت تعيش وقتا جيدا للغاية عندما كان سعر البرميل قد وصل إلى 100 دولار وتجاوزه أيضا أحيانا.

والآن أضحت على شفا حفرة من الانهيار وتعيش حالة من التوتر السياسي نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية... سيطرة المعارضة على البرلمان في الانتخابات البرلمانية، جعل الحزب الحاكم في ورطة حقيقية والذي ينظر إلى الأزمة الحالية على أنها متعمدة وأن انخفاض أسعار النفط هي بهدف تغيير الحكم في فنزويلا، ولا يستبعد ذلك خصوصا وأن جزء من لعبة تراجع أسعار النفط هو من دول تتعمد زيادة إنتاجها للإضرار بالجميع والدخول في معركة يفوز فيها من يصبر كثيرا وتخسر الدولة النفطية التي تسقط أولا. وسط تصعيد متزايد ينذر بمواجهة مفتوحة لحسم الواقع السياسي الذي بدا كأنه لا يتّسع للطرفين معاً، ليعصف بحلم «اشتراكية القرن الحادي والعشرين» وهو الشعار الذي رفعه الرئيس الفنزويلي الراحل، هوجو تشافيز، أراد من خلاله رسم صورة فنزويلا المستقبل، بأفكار مستوحاة من الثورة البوليفارية، وفي رحلته الأخيرة للعلاج قبل وفاته، أوصى أنصاره بانتخاب مادورو خليفة له، بالقول: «ستنتخبونه إذا أردتم اتباع رغبتي». لكن المعارضة، التي انقسمت في ما بينها على الحوار السياسي مع الحكومة الاشتراكية، بدأت موحدة في خطة الالتفاف على الدستور الذي يحصر قرار عزل الرئيس بالمحكمة الدستورية، علماً بأنها رفضت مسبقاً هذه الإجراءات، ووصفتها بالمناكفة السياسية غير المبنية على أي مسوغات قانونية. وقوبل التصعيد في الشارع بتصعيد حكومي تمثّل في إنشاء منظمة «ضد الانقلاب».

المعركة لن تكون سهلة بالنسبة للمعارضة، كما أنها لن تكون كذلك بالنسبة للرئيس مادورو، وأخطر ما فيها أنها تبرز مجدداً الانقسام السياسي والمجتمعي الحاد، في وقت تضغط فيه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، جراء انهيار أسعار النفط في السوق العالمي، واستغلال المعارضة للاستياء الشعبي من أجل تقويض نظام الحكم القائم. يُشهد للرئيس مادورو بأنه ممن يفضلون الحوار، وعند انتخابه خلفاً لتشافيز راهن كثيرون على أن هذا قد «يساعد التشافيزية على التخلص من فكرها الاقتصادي الجامد، وفقاً لما يقوله منتقدوها، لولا أن انفجار الأزمة الاقتصادية جاء سريعاً بتراجع أسعار النفط الخام بشكل هائل، حيث كانت فنزويلا أول ضحايا هذا الانهيار، رغم أنها تمتلك احتياطي نفطي كبير نسبيا. حسبما جاء في تقرير صادر عن «المسح الجيولوجي الأمريكي»، كما وصل معدل التضخم في فنزويلا أرقاما فلكية وانكمش الاقتصاد، الأمر الذي أثر كثيراً على مواصلة البرامج الاجتماعية التي بدأها الرئيس الراحل تشافيز وتعهد مادورو بمواصلتها، يبقى أمام الرئيس رهان وحيد، الرهان على تأييد عامة الشعب له لعبور المرحلة الاقتصادية الصعبة، وفي الوقت عينه منع حدوث انفجار الأوضاع بين السلطة والمعارضة، ناهيك عن ضرورة وضع حلول عملية وملموسة لإخراجها من الأزمة الاقتصادية والسياسية.. معادلة صعبة مستقبل النظام السياسي القائم في فنزويلا مرتبط بها.

تتزايد مؤشرات التصعيد بين طرفي الأزمة «الحزب الاشتراكي الموحد» و«حزب طاولة الوحدة الديمقراطية» مع قرار البرلمان عزل مادورو لاتهامه بـ«الإخلال بواجبات منصبه»، والتسبب بـ«أزمة غير مسبوقة»، وعلى الرغم من رمزية القرار، لأنه وفقاً للدستور لا يحق للبرلمان عزل الرئيس، فإنه يكشف عن إصرار المعارضة على الاستمرار في التصعيد. وعلى الجانب الآخر اتخذت الحكومة الاشتراكية بدورها عدة خطوات تصعيديه ضد قرار البرلمان، وربما كانت الخطوة الأخطر والأهم هي تعيين الرئيس لنائب جديد له وهو القيادي الاشتراكي «طارق العيسمي» (من أصول سورية) في خطوة يرى اليمين أنها جاءت لقطع الطريق أمام الإجراءات البرلمانية التي تهدف لعزل الرئيس، وإذا نجحت في ذلك، فسيكون بوسعه تعيين العيسمي خليفة له في منصب الرئاسة، مما يسمح للحزب الاشتراكي بالاستمرار في السلطة حتى عام 2019. أضف إلى ذلك أن الرئيس المرتقب سبق أن تولى وزارتي الداخلية والعدل، في الفترة ما بين 2008 و2012، كما تم انتخابه في وقت سابق حاكماً لولاية أراجوا، التي تعد من أكثر الولايات عنفاً، مما يعد مؤشرًا على توجهاته المتشددة.

ويرجح عزوف أطراف الأزمة عن الوصول لحل سلمي، إلى تزايد الاحتمالات بتفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحادة التي تعانيها البلاد مع تراجع معدل النمو الاقتصادي، فضلاً عن توقعات صندوق النقد الدولي بوصول معدل التضخم إلى 1600 في المائة بنهاية عام 2017... إذا التطورات الراهنة في فنزويلا تكشف بوضوح عن مستقبل قاتم ربما يدفع إلى الانزلاق إلى خطر الحرب الأهلية. حيث تجد فنزويلا نفسها أكثر من أي يوم مضى في مواجهة طريق مسدود سياسيا، وتغرق في أزمة اقتصادية يمكن أن تقود منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إلى البحث في زيادة مستوى إنتاجها للتعويض عن شلل المصدر النفطي الخامس في العالم.. حتى الآن هناك رفض دولي لتقويض سيادة فنزويلا من خلال الإجراءات العالمية المباشرة، أو عن طريق استخدام بعض دول نصف الكرة الغربي نفوذها لتعزيز تغيير الحكومة بوسائل غير مشروعة وبالتالي تفكيك المكاسب الاجتماعية، التي تحققت من خلال البرامج الاجتماعية للحكومة الثورية، وهو ما يمكن ان يضع فنزويلا أمام مستقبل مجهول بل ما يعنيه ذلك من معنى.