أفكار وآراء

الضـربة الأمـريـكيـة لسـوريا.. واحـتـمـالات الحـل السـلمـي !

14 أبريل 2017
14 أبريل 2017

سمير عواد -

يرى ديفيد بتريوس، الجنرال الأمريكي وقائد القوات الأمريكية السابق في أفغانستان والعراق، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن غارة على قاعدة تابعة لسلاح الجو السوري، كرد عقابي على المزاعم بأن الحكومة السورية استخدم أسلحة كيماوية ضد المدنيين في مدينة «خان شيخون»، يوضح أن ترامب، بدأ يتصرف ليس كرئيس فحسب وإنما كقائد للقوات المسلحة الأمريكية.  

بينما يعتقد رولف موتسينيش، خبير السياسة الخارجية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، أن هذا القرار، يُعتبر خروجا عن النهج الذي أعلنه ترامب خلال الحملة الانتخابية، ورفعه شعار «أمريكا أولا»، ثم تأكيده على أن بلاده لن تتدخل في نزاعات عالمية، ويرى زيجمار جابرييل، وزير الخارجية الألماني، الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي أيضا، أن الغارة على سوريا، قد تنشأ نتيجتها فرصة لإيجاد حل سياسي للنزاع، إذا نجحت الجهود الدبلوماسية بإقناع موسكو، في الضغط على الرئيس السوري، لتحقيق تسوية سياسية. لكن هناك من يعتقد أن الغارة قد تؤدي إلى صدام بين القوتين العظميين.

وليس هناك خلاف على أن الغارة العسكرية الأمريكية، تُشكل تراجعا تجاه الموقف الأمريكي حيال الأزمة السورية، وأنها أعادت واشنطن كلاعب رئيسي إلى الساحة السورية، وأصبح بمقدور ترامب التفاوض من موقع الند للند مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين يصبح الأخير مستعدا للحوار حول مستقبل سوريا، وبالتالي مستقبل بشار الأسد.

وكتبت صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية تحليلا، أكدت فيه أن الغارة الأمريكية على سوريا، حررت ترامب مؤقتا من الاتهامات التي تلاحقه قبل فوزه، بأنه يتعاون سرا مع بوتين. حيث إن الغارة فاجأت القادة الروس، الذين لم يعتقدوا أن ترامب سوف يأمر بها. وأكدت الصحيفة أن ترامب أراد توجيه رسالة إلى أكثر من دولة، مفادها أن الأفعال تلي الأقوال، وأنه لن يتردد بتكرار الغارة إذا تم استخدام السلاح الكيماوي في سوريا مرة أخرى ضد المدنيين.

والآن تبين لبوتين أن صديقه ترامب، المفترض، يجب حسب ألف حساب له. فقد تمكن بضربة عسكرية واحدة أن يقلب الأمور رأسا على عقب في العالم. وأعاد للأذهان، تصريحاته المدوية خلال الحملة الانتخابية، عندما كان يستغل كل فرصة، للتأكيد على ضرورة عودة «أمريكا العظيمة»، وتوفير مليارات الدولارات لتحسين عتاد الجيش الأمريكي، واستخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد خصومها.

وقد احتاج ترامب لمشاهدة بضعة من صور الأطفال ضحايا جريمة «خان شيخون»، ليعلن أنه قرر إعادة النظر بموقفه تجاه بشار الأسد. وحتى ذلك الوقت، لم يكن أحد يتصور أن ترامب بالذات، الذي أشاد بالرئيس السوري خلال الحملة الانتخابية، وقال «إنه يقاتل «داعش»، ثم خُيّل للمراقبين أن ترامب ترك سوريا لبوتين، وأصبح الرئيس السوري يشعر أنه يستطيع العمل من أجل الحسم العسكري دون خشية أحد، إلى أن حصل ما لم يتوقعه أحد، وهذه المرة لم يخش ترامب تحذيرات حلفاء بشار الأسد ولم يضطر للتشاور مُسبقا مع أي من حلفائه في أوروبا الغربية، كما كان رؤساء أمريكا يفعلون في الماضي عندما كانوا يتشاورون مع لندن أو برلين أو باريس قبل القيام بعمليات عسكرية.

منذ وقوع الغارة العسكرية الأمريكية على سوريا، يتساءل المراقبون إذا كانت هذه ضربة محدودة، أم بداية ضربات أخرى. لكن البروفيسور فولكر بيرتيس، مدير معهد «السياسة» في برلين، الذي يزود الحكومة والبرلمان الألمانيين، بالدراسات والتحليلات والمقترحات، حول الأزمات والنزاعات الدولية، يعتقد أن ترامب حقق من خلال الغارة هدفه السياسي، وأكد بيرتيس المختص بالشؤون السورية، أن الضربة كانت محدودة، لأن ترامب أراد من خلالها التأكيد بأن الأفعال تلي الأقوال، عندما يشعر الرئيس الأمريكي أنه قد تم تجاوز الخط الأحمر. وبذلك سجل ترامب نقطة لصالحه ضد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي حذر الرئيس السوري في عام 2013 من تجاوز الخط الأحمر واستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وعندما تم اتهام الأسد بفعل ذلك في أغسطس 2013 خلال هجوم على مدينة «الغوطة»، نسي أوباما تهديداته لكن بوتين أنقذه بالضغط على بشار الأسد، للتخلص من الأسلحة الكيماوية السورية تحت إشراف الأمم المتحدة.

وبحسب صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية، حصل ترامب على تأييد من حزبه الجمهوري والحزب الديمقراطي المعارض على حد سواء، وعلى إطراء من منتقده الجمهوري السناتور جون ماكين، الذي كان يعتقد حتى وقت قريب أن الأمريكيين انتخبوا الشخص الخطأ. وبرأي بيرتيس، ان أمريكا أصبحت «عظيمة من جديد» ولكن إلى أين تسير السياسة الخارجية الأمريكية. فالغارة على سوريا، لن تحل النزاع، والويل لترامب من ناخبيه إذا زج بجنود الولايات المتحدة في الحرب السورية.

لذلك يُطالب المراقبون في واشنطن وأوروبا، بأن يعلن ترامب عن استراتيجية يكون هدفها إحلال السلام في سوريا والقضاء على «داعش». لكن زونكه نايتزل، الخبير العسكري في جامعة «بوتسدام» الألمانية، أبلغ صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» الألمانية «نحن لا نعرف هدف ترامب من استخدامه الصواريخ البعيدة المدى في ضرب قاعدة عسكرية تابعة للجيش السوري، ربما هو نفسه لا يعرف ذلك».

لكن برلين التي تخشى حصول صدام بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، تعتقد أن هناك فرصة نشأت لإيجاد حل سياسي للنزاع. فقد سبق وأن أعربت موسكو عن استيائها من الرئيس السوري في عام 2013 عندما تم اتهام نظامه باستخدام الغاز السام ضد مدنيين في «الغوطة» ومنذ عام 2015 تسانده موسكو عسكريا، في نفس الوقت شاركت في تنظيم مفاوضات مع المعارضة في مدينة «أستانا»، الأمر الذي يشير إلى وجود نوايا لدى موسكو بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية وأنها لا تؤيد الموقف الذي يزعم أن الحرب لن تنتهي إلا بالحسم العسكري.

أما التحول في نهج ترامب يعتقد البعض أن سببه هو قيام ترامب بطرد «ستيفن بانون» الإيديولوجي المتشدد السابق في مجلس الأمن القومي، وهو القرار الذي حظي بترحيب الاستخبارات الأمريكية والجيش، وتعيين «هربرت رايموند ماكماستر» في منصب مستشار الأمن القومي بدلا من «مايكل فلين»، والذي شرع في تصحيح سياسات ترامب.