أفكار وآراء

التمويل غير المصرفي.. آفاق جديدة

12 أبريل 2017
12 أبريل 2017

مصباح قطب -

عقدت بالقاهرة أمس القمة السنوية لأسواق المال في دورتها الجديدة لعام 2017. جرت الفعالية تحت عنوان «أسواق المال وتمويل الإصلاح الاقتصادي»، وناقشت المستجدات التنظيمية الحالية والمطلوبة لدعم سوق مال ذي مكانة، قادر على مواكبة احتياجات التنمية الاقتصادية وتوفير التمويل غير المصرفي عبر أدوات متعددة تلائم طبيعة مشروعات برنامج الإصلاح الاقتصادي ومتطلبات الأفراد والمؤسسات، ورؤية الحكومة لأفضل طرق الاستفادة من أسواق المال في تمويل المشروعات الجديدة.

بالإضافة لبحث مستقبل أدوات الدين الحكومي والأدوات الحديثة للتمويل كالصكوك والسندات الإيرادية وسندات المشروعات والمحليات وكذلك تنشيط سوق ثانوي للسندات والأوراق الحكومية ودور أسواق المال في خفض تكلفة الديون الحكومية وخلق مناخ مالي أفضل لتحقيق التنمية المحلية للبلاد.

وتناولت القمة المشار لها كيفية تسويق مبادرات التمويل والاستثمار الأخضر، والفرص المتاحة للتمويل عبر المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار المالية ودور بنوك الاستثمار في الاستفادة من منتجات التمويل الأخضر عن طريق تأسيس صناديق استثمار مباشر وأثر ذلك على الاقتصاد والتوظيف.

عرضت القمة التفاصيل الخاصة ببدء إطلاق صناديق الاستثمار العقارية في السوق المحلية وتأسيس عدد من الصناديق من المتوقع أن تسهم في ضخ استثمارات جديدة ومستمرة للسوق العقاري تتيح أداة ذات جاذبية عالية للاستثمار المحلي والأجنبي.

وتناولت القمة الطروحات العامة المرتقبة التي تشمل حصص في بنوك وشركات نفط ودورها في جذب استثمارات محلية وأجنبية جديدة للسوق بالإضافة إلى كيفية ضمان حسن إدارة أصول الدولة والتعامل بكفاءة مع نظم التمويل المستحدثة. كان من الطبيعي أن يتطرق الحوار إلى كيفية تحسين مركز مصر على مؤشر دوينج بزنس الذي يصدره البنك الدولي خاصة في مجال أسواق المال، ولا يخفى أيضًا عن المساجلات دور التعاون الإقليمي بين مؤسسات سوق المال العربية وسبل تطوير القيد المزدوج للشركات والمزايا التنافسية للشركات المقيدة في أكثر من سوق وشركات الأوراق المالية التي تقدم لزبائنها مزيجًا من الأسواق من خلال منصة واحدة ودور شركة مصر للمقاصة والإيداع والقيد المركزي في تسجيل عمليات الربط والتسوية بين الأسواق المالية واستعدادات مصر للمقاصة لاستيعاب قيد الشركات المساهمة عند التأسيس في الحفظ المركزي وفقًا لتعديلات قانون الشركات التي أوجبت قيد كل الشركات المساهمة سواء كانت مقيدة أم غير مقيدة والتهيؤ للتعامل مع أي متغيرات يرتبها إصدار قانون الاستثمار المرتقب.

عود إلى الحدث فكل المتحدثين من وزراء ومسؤولين تذاكروا ليلة 22 مارس 2011 والتي تقرر فيها فتح السوق المصرية بعد توقف كبير دام منذ اندلاع الأحداث في يناير 2011. لقد قرر أكثر من مسؤول وقتها أن السوق ستفتح ولن تغلق بإذن الله أبدا، وأن تدفق السيولة عمل مهم جدًا لشرايين أي اقتصاد والسوق إحدى ماكينات ضخ السيولة الأساسية. بالفعل مرت على مصر أحداث رهيبة بعد ذلك ولم تغلق السوق. كانت هناك أطراف مختلفة في الدولة تؤيد وأخرى تعارض وثالثة تخشى وتتحفظ لكن الجميع أدرك في ذلك الوقت أهمية سوق المال كنقطة جذب للسيولة ومشغل للسيولة من جهة أخرى. وقد أصبح دور التمويل غير المصرفي بصفة عامة أكثر تعقيدًا يومًا بعد يوم، وبالتالي أصبحت مهمة ضبط أدواته القائمة حاليًا أو إطلاق أدوات جديدة مهمة صعبة ودقيقة وتحتاج إلى رقابة قوية ومتيقظة ولأول مرة في مصر تقريبًا يدرك قطاع الأعمال العام والجهات الحكومية مثل أجهزة الحكم المحلي أهمية اللجوء إلى الأسواق غير المصرفية لتيسير الاحتياجات التمويلية، وبلغ الأمر حد أن الشركة القابضة للإنشاءات أسست مؤخرًا شركة للتأجير التمويلي، وبدأ عدد من شركات قطاع الأعمال العام استخدام هذه الأداة (التأجير..)  للحصول على المعدات المختلفة بتكلفة مناسبة، وربما للمرة الأولى تقوم إحدى شركات الإسكان العامة بالتخطيط لعملية توريق حقوق آجلة لها، وقد قررت إرجاء الموعد نسبيًا في آخر لحظة حتى تتحسن أسعار الخصم، وهناك اهتمام بالغ بالتعديلات المرتقبة على قانون سوق المال المصري الذي يبحث عن إطلاق منذ سنوات ووجد أخيرًا حماسًا من الحكومة الحالية بحيث أصبح في مقدمة الأولويات التشريعية وتتضمن التعديلات إلغاء الأسهم لحامله. إنها الأسهم التي أخذت علينا المنظمة الدولية لأسواق المال استمرار وجودها في مصر معتبرة أنها تشجع على غسيل الأموال على الرغم من أن الجانب المصري يؤكد دومًا أنه يعرف البائع والمشتري عند التسوية. ومن بين التعديلات أيضًا إقرار الصكوك للهيئات والشركات حيث تتطلع شركات التأمين التكافلي وفروع البنوك الإسلامية داخل مصر إلى آلية كتلك، كما يتطلع إليها أيضًا مستثمرون خليجيون وعرب منذ وقت طويل. ستدعم التعديلات أيضًا إصدار السندات الخضراء أي التي تمول مشاريع أو شركات صديقة للبيئة وسندات التوريق للقطاع العقاري وستفتح الباب لأسهم الخيارات ليتم استخدامها عندما ينصح السوق وترتفع السيولة. سيعمل التشريع الجديد أيضًا على ربط العقوبات المالية على الشركات المخالفة بحجم ما وقع من ضرر أو ما تحقق من نفع غير شرعي لمرتكب المخالفة بدلاً من المبالغ التي لها حد أقصى القائمة حاليًا، ومنذ عشر سنوات والتي لم تعد تشكل أي نوع من الردع. تتيح التعديلات أيضا الباب لأول مرة لإنشاء اتحاد للعاملين بأسواق المال بدلاً من الجمعيات المتناثرة حاليًا.. اتحاد منتخب يشكل صوتًا واحدًا لأطراف السوق في التعامل مع الجهات الرسمية، ولا يمكن أن يتحقق كل ما تقدم إلا ببنية تكنولوجية مواتية، ومن حسن الحظ أن لدى شركة مصر للمقاصة والتسوية شباب أكفاء، وضعوا هم نظم المقاصة والتسوية الحالية التي تم تصنيفها ضمن أفضل خمس نظم في العالم. ولن يأتي التعدي المرتقب إلى فراغ فقد سبقته تعديلات مهمة في لائحة سوق المال من أجل التعرف الدقيق على المالك الحقيقي للأسهم في حال الملكيات الضبابية مستفيدة مما هو موجود في العالم، وكما يعرف الجميع فإن وجود طبقات فوق طبقات في ملكية الأسهم هو مشكلة في العالم كله. وقد يتطلب الأمر أيضًا عمل تعديلات في قانون الشركات تتيح لمساهمي الأقلية حائزي من 5% إلى 10 % من الأسهم دعوة الجمعية العمومية للشركة بإجراءات أقل. أيضًا نحتاج نصًا على أن يكون من حق مساهم الأقلية الاطلاع على تفاصيل عقود المعاوضة أي العقود التي يبرمها أي من أعضاء مجلس الإدارة مع الشركة.

الطريف أن من بين ما يجب أن تقوم به مصر لتحسين وضعها في تقرير «دوينج بزنس» متعلقًا بأسواق المال هو الإفصاح عن دخل كل عضو بمجلس الإدارة وكبار المديرين فهناك ما يشبه الاتفاق بين الأطراف المصرية على أن الثقافة في مصر لا تتقبل ذلك بسهولة، وما يتم الآن عوضًا عن هذا المؤشر الفرعي الذي لن تلتزم به مصر هو إدراج مجموع دخل أعضاء مجلس الإدارة وكبار المديرين بندًا واحدًا بالميزانية مع العلم أن الجهات المصرية ترى أن مؤشر البنك الدولي الخاص بأسواق المال ضمن مؤشرات (دوينج بزنس) انتقائي فهو لا ينظر مثلاً إلى معدلات السيولة، ولا عدد الطروحات، ولا تطور التمويل متناهي الصغر، كما لا ينظر للتخصيم ولا للتأجير التمويلي. المعارف عن الأسواق المالية غير المصرفية وشؤونها ليست محل استساغة من الأفراد العاديين.. بعضهم ينفر منها.. وبعضهم ينظر إليها بمنظور الحلال والحرام وطرف ثالث يراها تعقيدًا لا ضرورة له أو عملًا من أعمال النخب المالية، ولا دخل للجمهور به، بيد أن الدنيا تغيرت بالفعل وأصبح من المهم أن يرتفع وعي الناس بسبل إدارة الأموال والتمويل لأشخاصهم ومؤسساتهم العامة والخاصة بل والخيرية، وكلما زاد الوعى أصبحت أسواق المال أكثر شفافية وأكثر تخديمًا على الاقتصاد الحقيقي وأبعد عن المضاربة.

وقد حدث أيضًا في وقت سابق تعديل على قانون الشركات المساهمة ينص على أن تدخل كلها نظام الإيداع المركزي بغض النظر عما إذا كانت مقيدة أو غير مقيدة كما تم في وقت سابق إصدار سجل تقييم الضمانات العينية المنقولة، ويجري حاليًا التواصل بين سوق المال ووزارة المالية لإعفاء صناديق الاستثمار الخيرية أي التي لا توزع أرباحا وتتفق الأرباح على العمل الخيري من الضرائب شأنها شأن أي تبرعات.

الجديد أيضًا أن وزارة التنمية المحلية طلبت من المستثمرين تمويل مشاريع صغيرة مثل: حضانات الأطفال ومؤسسات صحية رشيقة وحديثة في جميع قري مصر البالغة 3770 ووعدت بأن توفر بدورها الأرض والتراخيص على أن يتم التمويل أيضًا أو جزء منه على الأقل من خلال أسواق المال غير المصرفية.