أفكار وآراء

البنوك وأهمية خطاب الضمان

12 أبريل 2017
12 أبريل 2017

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

تتعامل البنوك يوميًا بخطابات الضمان التي تصدرها بناء على طلب الزبون ولصالح مستفيد معين يتم ذكره بصورة واضحة في متن الخطاب. وهذا الضمان الصادر من البنك يعتبر نوعًا من أنواع الكفالة التي يلتزم بها البنك بناء على تعليمات من زبونه ولصالحه. وهذه الخدمة المصرفية تعتبر من أهم الخدمات التي تقدمها البنوك ويستفيد منها الزبائن؛ لأن خطاب الضمان «ليتر أوف قرانتي» يشكل سياجًا قويًا من الحماية والضمان المالي لتكملة العمليات التي يرغب فيها الأطراف وباستعداد الدعم المالي من البنوك عند الطلب.

وخطاب الضمان، من واقع القانون والممارسة المصرفية، يعرف بأنه تعهد كتابي صادر من البنك بناء على طلب أحد زبائنه، ويلتزم ويقر فيه البنك بأن يدفع مبلعًا معينًا من المال للجهة المستفيدة والصادر لصالحها عند المطالبة بسداد القيمة دون الالتفات إلى أية معارضة. كما يلتزم البنك ويقر بتجديد الخطاب شريطة أن تصل المطالبة بالدفع أو التجديد للبنك في موعد أقصاه تاريخ الاستحقاق المبين بخطاب الضمان.

ولذا، عند إعداد خطاب الضمان يجب على البنك والأطراف المرتبطة التأكد من صياغة الخطاب بصورة واضحة وتشمل كل التفاصيل دون لبس وبوضوح تام لكل الأطراف. ولكن بكل أسف، نجد العديد من هذه الخطابات المهمة، التي صدرت بغرض الضمان أو الكفالة، غير واضحة، وتكون مبهمة مما يجعلها «قنبلة موقوتة» عرضة للانفجار في أي وقت. وهذا من المخاطر القانونية التي يجب الالتفات لها ومعالجتها بمهنية تامة يشهد لها الجميع.

خطاب الضمان، له مميزات عديدة خاصة به، منها أنه تعهد صادر من أحد البنوك ومعتمد بتوقيعاته حيث يتعهد بدفع مبلغ معين لا يتجاوز قيمة خطاب الضمان إلى المستفيد عند أول طلب وبدون فائدة شريطة أن تصل المطالبة للبنك قبل تاريخ الاستحقاق. ومن الخصوصيات الخاصة، أن خطاب الضمان لا يمثل ولا يعامل علي أنه نقد سائل. وكما لا يجوز تداول خطاب الضمان؛ لأنه تعهد من البنك بدفع مبلغ معين للجهة المستفيدة فقط وبهذا فإنه أنه التزام خاص. كما أن خطاب الضمان، لا يعتبر ورقة تجارية ولذا لا يجوز تداوله أو تظهيره للغير. ولا بد من التنويه إلى أن، خطاب الضمان «عقد مستقل» وغير مرتبط بتلك العلاقة التعاقدية الخاصة التي تربط بين زبون البنك وذلك المستفيد من خطاب الضمان. فهو «عقد» مستقل عن هذا العلاقة تمامًا، ويشكل التزامًا محددًا خاصًا بالبنك فقط، وفي خلال تلك المدة ووفق تلك التفاصيل الأخرى المذكورة في متنه.

وكذلك خطاب الضمان يجب أن يكون غير معلق بشرط أي خال من الشروط والاشتراطات. أما إذا كان الخطاب مقيدًا بأي شرط وقبله المستفيد، فلا يجوز له المطالبة بقيمة الخطاب ما لم يكن الشرط الوارد قد تحقق. والمستفيد عندما يصله خطاب الضمان فانه، في العادة، غير ملزم بإرسال خطاب خاص بقبوله لخطاب الضمان، ويكفي أن يتلقى المستفيد الخطاب ولا يعترض عليه، وهذا يثبت حقه في المطالبة بالالتزام، أما إذا اعترض المستفيد على خطاب الضمان ورده للمصرف فإن حقه في المطالبة يسقط لسقوط التزام البنك لاعتراض المستفيد.

الطلب الذي يتقدم به الزبون إلى البنك لإصدار خطاب الضمان للجهة المستفيدة يعتبر، من الناحية القانونية، بمثابة عرض أو «إيجاب» من الزبون، ويعتبر إصدار البنك لخطاب الضمان بمثابة «قبول» لطلب الزبون. وتحصل البنوك «مقابل» هذا العمل على رسوم وهذه الرسوم عند تجميعها في آخر العام تشكل دخلاً معقولاً للبنوك يضاف لأرباحها. وبإصدار خطاب الضمان ووصوله لعلم المستفيد أصبح البنك ملزمًا تجاه المستفيد بكامل الشروط الواردة في خطاب الضمان. وهنا تكمن مشكلة عملية تمارسها بعض البنوك، قد تكون غير قانونية وغير أخلاقية؛ لأن هذه البنوك تتواطأ مع الزبائن وتتلكأ في سداد مبلغ الضمان حماية لمصلحة الزبون؛ لأنه في نهاية الأمر سيتحمل القيمة.. وهذا الإجراء غير مقبول على الإطلاق. وعلى البنوك تنفيذ التزامها وسداد مبلغ الضمان عند الطلب والاستحقاق وعليها أن تنأي بنفسها عن كل ما ينجم من العلاقة بين الزبون والمستفيد.. وهذه نقطة مبدئية وجوهرية يجب على البنوك التمسك بها في كل الأوقات وتحت كل الظروف.

ومن المهم، أن تعلم البنوك أنها إذا تلكأت في تنفيذ التزامها أو وضعت أي عراقيل فإنها تعرض نفسها للمسائلة القانونية أمام المحاكم، وفي هذا مخاطر كبيرة إضافة إلى تلويث سمعة البنك لعدم حياده وفشله في القيام بدوره المهني السليم. وننصح إدارات البنوك التنفيذية بوضع الضوابط والإجراءات التي تضمن عدم وقوع البنك في هذه المزالق المهلكة؛ لأن هناك أحكامًا قضائيةً قويةً صدرت ضد بعض البنوك التي تسير على هذا النهج الخاطئ.

ما دعاني للتطرق لهذه النقطة، اتصال بعض الشركات، وهي تعتبر «المستفيدة» من خطابات الاعتماد الصادرة لها من البنوك. وسؤالهم عما يجب على البنوك القيام به تجاههم خاصة وأنهم لا يعرفونها ولا تربطهم بها أي علاقة مصرفية أو خلافه. وبعضهم أفاد، أن البنوك توجد شتى الأعذار للتهرب من السداد بالرغم من المطالبة في خلال وقت الاستحقاق. بل هناك من يتصل بالزبون أمامهم لطلب موافقته علي سداد المبلغ، أو يطلب منه الاتصال الفوري بالمستفيد للتفاكر معه أو لإقناعه بعدم تقديم المطالبة للبنك لسداد المبلغ... وغير هذا من الممارسات للدرجة التي تجعل البنك طرفا في النزاع بين زبونه والمستفيد. وهذا غير جائز علي الإطلاق؛ لأنه خارج إطار صلاحيات البنك.

إن خطاب الضمان، يعتبر من الوسائل والخدمات المصرفية الهامة التي تخدم المجتمع. وهي تشكل التزامًا مصرفيًا مهنيًا وقانونيًا فور صدورها من البنك وإرسالها للمستفيد. وعلي البنوك الالتزام بدورهم المهني وتنفيذ واجباتهم القانونية حتي تسير الأمور في مجراها السليم. ولكن كما ذكرنا في المقدمة، يجب علي كل أطراف خطاب الضمان وفي مقدمتهم البنوك، العمل على إعداد وصياغة الخطاب بصورة واضحة وسليمة. وقطعًا، هذا الوضوح سيسهل تنفيذ الالتزامات في الوقت الصحيح ووفق ما تم الاتفاق عليه منذ البداية خاصة وأن كل طرف يعرف ما له، وما عليه بصورة قاطعة لا تحتمل اللبس.

ومن الملاحظ، أن بعض البنوك لا تبذل جهدًا في إعداد خطاب الضمان الخاص بالمعاملة التي أمامهم وبعضهم يلجأ لاستخدام «نماذج جاهزة» قد لا تفي بالغرض، بل قد تضر بالأطراف؛ لأنها لا تمثل الواقع الذي يربط بينهم. وهذه المشكلة يجب تجاوزها والابتعاد عنها، ويمكن الاستفادة من التجارب الأخرى لكن بما لا يضر بالمصلحة الخاصة والذاتية والابتعاد عن «النقل» الأعمى. وكل هذا يتطلب رفد البنوك بالكفاءات المتمرسة، في كل الدوائر ذات العلاقة، وللدرجة التي تمكنها من ممارسة العمل المصرفي وفق القانون والممارسات.

للأهمية سنتطرق إلى الالتزامات الخاصة بكل نوع من أنواع خطابات الضمان في مقال لاحق...