Untitled-1
Untitled-1
مرايا

مسرحية «الفتاة المشاغبة» نسيج متماسك من الحركة والموسيقى والأزياء

12 أبريل 2017
12 أبريل 2017

كتبت- ضحى عبد الرؤوف المل -

استطاع مصمم الرقص العالمي «فريديريك اشتون» Frederick Ashton) ( تقديم مسرحية راقصة لفن تعبيري حركي قادر على المحاكاة بجمالية عالمية لم تخفت جذوة شهرتها، وقد تعاقب على تحديثها الكثير من رواد فن الباليه، لتكون دائمة التجدد على المسارح العالمية، كما هي الحال مع هذه المسرحية التي ما زالت تعرض على كبريات خشبات مسارح الباليه في فرنسا، المتميزة بالبساطة والشعبية، لقصة كتبها «فريديريك ايشتون» بأريحية مستوحاة من لوحة رآها في متجر، لتصبح قصة مسرحية راقصة يتنافس على الرقص فيها الكثر من المحترفين، وبصقل فني يبهر الحضور لما تحمله من روح كوميدية تهدف إلى تساؤلات عديدة نطرحها حول تربية البنات في عمر معين وأهمية الرقص والتعبير بعفوية تخرج من النفس الصافية، تلك التي تبحث عن التوهج في الحياة وبسخونة مسرحية ذات جمالية خصبة الخيال تمتد إلى العناصر المسرحية الأخرى، وبانجذاب بصري نحو لغة الجسد وقيمتها عند راقصة الباليه بشكل خاص، اذ استطاع النص الغني بالتخيلات أن يمنح المشاعر فرحة العودة الى الطفولة، وان بعقلانية، ذات رؤى تعبيرية حساسة في تفاصيلها القادرة على نقل الحدث برقص ذي خطوات موسيقية إيقاعية مرنة تدهش النفس لما تحمله من حركة جمالية ترتبط مع التعبير بفن يحمل الكثير من المعايير العالمية.

فن التمثيل الإيمائي أو رقص الباليه وما تحمله هذه المسرحية «الفتاة المشاغبة « La Fille mal gardé من روائع هذا الفن عبر قدرات كل راقص استطاع التلاحم مع الموسيقى، وضمن الكوريغرافيا والأضواء وجميع العناصر التي من شأنها رفع الأداء، ليكون متميزا بتقنية مفتوحة المدى نفسيا وأخلاقيا نحو سلوكيات كانت مرفوضة في عصر ما، وبرومانسية نابعة من قصة حب تآلفت فيها الإيقاعات الثانوية لهذه القصة المثيرة في معناها الذي يوحي بجمالية الحياة مع التوجيه والإرشاد، وبتطوير فني راقص غني بالحركة، وبالضحكة المخبأة بين الإيحاءات التعبيرية المثالية، وبرؤيتها الانعكاسية على واقع إعادته هذه المسرحية على خشبة انتظمت عليها الحركة مع الموسيقى مع التعابير بالأزياء، وجماليتها البصرية ضمن عرض مسرحي مختلف في تطلعاته نحو الرموز الأرستقراطية والرموز الشعبية بدمج محبب إلى النفس، فالنسيج المسرحي الحي بمساراته الحسية والبصرية التي تحاكي الماضي والحاضر برقص باليه محترف، وبلوحات مشهدية تتذبذب بين الطفولة والبلوغ، وبابتكار يؤدي الى نضوج حسي يصل معناه الى المشاهد بسلاسة وعبقرية تعبيرية لها موسيقاها الخاصة.

ما بين القديم والجديد والكلاسيكي والمعاصر نقطة ارتكاز شدد عليها «فريدريك ايشتون» وهي اللوحات الراقصة بمعانيها الجمالية المحاكية للفكر الإنساني، وبإبعادها الخاضعة للتطوير الزمني، المبرر منطقيا عبر نجاح مسرح الباليه الراقص وموروثاته التي تتخذ مضمونا تكامليا مع تحديثات الفنون الأخرى من إضاءة وتصوير وكوريغرافيا وما الى ذلك. اذ تتبدل المفاهيم الثانوية في الرقص وتبقى الأسس بحيويتها المتصادمة بين القديم والجديد، إلا أن الأداة التعبيرية المرتبطة برقص الباليه تنتج عن جملة من حاجات ثقافية متعلقة بالفن وأهميته الاجتماعية والفكرية، وحتى السياسية في مجموع المعطيات الجمالية لمسرح الباليه الراقص وتبدلاته بالشكل والمضمون والتمسك بموروثاته التي تكشف عن رغبة الزمن الدفينة في إعطاء هذا الفن قيمته الحقيقية التي حافظ عليها طيلة عصور، وبخصوصية ثقافية ارتبطت بأهمية الفكرة وتصميمها وحبكها مع الحركة ولغة الجسد والتمثيل الموسيقي الذي يمنح المشهد تخيلات سمعية تنسجم معها الحواس في إطار حركة المفردة الموسيقية وحركة الراقصة، وفق نغمة توحد السمع والبصر وقدرة التفاعل الفكري بينهما وفق معطيات لغة الباليه العالمية.

رقص تقليدي شعبي اندمج مع المخيلة التعبيرية المشدودة لبعضها البعض عبر القصة التي يتنافس فيها الغني مع الفقير، لتكون اختيارات الفتاة المشاغبة هي اختيار المحيط الذي نشأت فيه بعيداً عن الأرستقراطية، كتغيير لجأ إليه مصمم ومؤلف المسرحية، بهيمنة جوهرية لمقاطع مضحكة تبرز روح الشباب، والمزاجية المتقلبة التي يعانون منها، لتنفيذ أوامر الأهل الصارمة والمحقة غالبا، وإنما ببهجة تم تقديمها على المسرح برقص حمل روحية عالية، وبقوة طغت على كاريزما «ليز وكولاس» ضمن المشاهد التي ارتبطت بدور كل منهما وقوته في الرقص التعبيري بخطواته الفنية خاصة رقصة الشريط باللفائف الحريرية، وبمرح طبيعي كانهم على المسرح طيور الحب المرفرفة في فضاءات الخيال المسرحي بتشويق موسيقي ابدع فيه الموسيقى «فرديناند هيرولد» ( Ferdinand Hérold) وبتنوع الآلات المحاكية للإيقاع بإيجاز سمعي اقتضب في مشاهد وتوسع في مشاهد اخرى.

عمق تعبيري تميزت به هذه المسرحية الغنية يديكوراتها الفرنسية من العصور القديمة، وبالحركة الغنية بموسيقى الجسد الزاخرة بالصور الحسية لحب حقيقي، برقص لامس المشاعر بتنوع يؤدي الى خلق تجدد في المشاهد التي لم تعتمد فقط على رقص الباليه، بل على الرقص الشعبي بمعناه الرمزي وباستخراج المواقف الكوميدية والتراجيدية من رقص تمثيلي تعبيري لعبت الموسيقى والأزياء دورها فيه، ليتألق بصريا على المسرح الفرنسي بكل أبعاده البلشوية، وضمن فكرة قصة حب بين اثنين من الفقراء وتدخل الطرف الثالث من الأرستقراطيين بذلك، لتبرز المواقف الفنية بقيمتها الجمالية العالية، وبحركية أتقن إظهارها «فريدريك اشتون « بمهارة عالية.