randa-s
randa-s
أعمدة

عطر : أنا من جيل هيفا

12 أبريل 2017
12 أبريل 2017

رندة صادق -

غصة تصل إلى حد الحرقة، تختزل الموقف، منذ أن دخلت الخمسين من عمرها، وكلما التقت بأناس تحرقت لطرح السؤال الذي بات يسكن لغتها ويحتل حركة دماغها: كم تعطيني من العمر؟

تمسك قلبها بيدها وتبتسم ابتسامة بريئة، وتمارس تلك اللعبة التي قرأت عنها مرة، والتي تقول: “أنه يمكننا أن ندفع بالآخر لقول ما نريد عن طريق الإيحاء له بمخاطبة عقله الباطن”، هي أصعب اللحظات، أصعب من نتيجة الفحص الدوري لسرطان الثدي، أما هذا الجواب الذي تنتظره كل يوم والذي ينغص عليها أحاسيسها ويشوشها لم ولن تنجو منه، لأنها تترقبه مدركة الجواب، هي تعرف أن عمرها يبدو على ملامحها، يطل من نظرتها، ولكنها تغامر بحثا عن معجزة في الرد، ومع هذا تتسول الرحمة بنظرتها ليدرك من تسأله، أنها تنتظر جوابا يريحها ولكن الجواب كان يأتيها غامضا لا يحدد عمرها.

لم تكن تتوقع أن يعنيها تراكم السنوات، ولم تصدق يوما خطوط الطول والعرض في وجهها، فلطالما كان ردها لمن يقول لها: شكلك اليوم منهك: نعم لم أنم جيدا هذه الليلة. وتدخل عالم العم google ، بحثا عن حل لذاك الإرهاق، فتبدأ بخلطات النشاء وماء الورد والحامض لشد حول عينها والقضاء على الهالات السوداء تحتهما، وماسك اللبن لتنقية بشرتها، لا توفر الأفوكا والعسل والبيض، فبسحر ساحر يتحول وجهها إلى طبخة غريبة المكونات والنسب، تشطفه وتتأمل منظرها تسكنها الراحة: استعادت نضارتها.

كل هذا يبدو بغاية السهولة أمام تلك الكلمة التي قالها لها شاب كاد أن يدهسها بدرجاته وهي تقطع الطريق:”آسف يا حجة”، لقد طعنها في مقتل، نعم هي تحب أن تزور بيت الله الحرام وأن تحمل لقب “حجة “، وتخطط لذلك وتدعو دائما أن يطعمها الله الحج، ولكن هنا هو قال لها هذه الكلمة دلالة على عمرها وعلى وضعها، فهي تعرف أنه في مجتمعها تستخدم هذه الكلمة احتراما للإنسان المتقدم بالعمر.

عادت إلى بيتها وقد كبرت عشر سنوات دفعة واحدة، حين دخلت غرفة الجلوس وجدت زوجها يشاهد “هيفا وهبي “ ترقص وتتمايل، وحين رآها قال لها: انظري كم هي جميلة ونضرة ؟ لا تعلم لما استفزتها هذه الكلمة وصرخت بغضب: جميلة ؟ هي في مثل عمري وربما تزيد عني بسنتين، بل هي جدة ابنتها زينب تزوجت وأنجبت، والجميع يصفق لها وتسكن خيالاتهم، لماذا لا تراني جميلة مثلها؟ لماذا أنا كبرت وهي لا؟ لماذا الجميع يصر على التأكيد أني عجوز بليدة كبرت وتخطاها الزمن، بينما الجميع يتحدث عن شبابها وجمالها؟ لماذا لا ترون عمر المشاهير وترون عمر زوجاتكم؟ ما هي معاييركم؟ وساد الصمت ...

هذه الحكاية تجدها في كل بيت تقريبا ومع كل امرأة ترفض الزمن وتهرب من مواجهته. العمر الرقمي العددي لا شيء، هي رحلة وأي رحلة تقاس بالزمن ولها مدة تحدد بدايتها ونهايتها، فالعمر قطار لا بد أن يصل الى محطته الأخيرة، وعلى كل امرأة أن تحب رحلتها وتقلباتها وزمانها وأن تدرك أنها جميلة لأنها مسافر يدرك قانون الرحلة وأن هذا القطار ينقلها وحدها، وجمالها في متعة التعرف على الزمن.

المشاهير من النساء صناعة أدواتها الأضواء والبروبوكاندا الإعلامية، والفوتو شوب وعمليات التجميل، ولسن أقل تأثرا بالزمن من المرأة العادية، أنهن الوهم وأنتِ الحقيقة. استريحي حواء وأحبي عمرك، أحبي تفاصيل الزمن على وجهك تنشقي فرح السنين وخاصري تغيراتها.

هيفا أو نجوى أو أي اسم آخر، يدركن مثلك تماما عجلة الزمن، الفرق الوحيد أنهن أسرى صورتهن.

[email protected]