fawzi
fawzi
أعمدة

أمواج .. وعن الروح أقول

12 أبريل 2017
12 أبريل 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

من المعلوم أن الإنسان جسد وروح، والجسد له رغبات وغرائز ومشاعر، والروح كذلك لها رغبات وغرائز، وهو ما يغيب عن كثير ويغفل عنه كثير من الناس، والمرء بين الجسد والروح في معركة مع نفسه، لأنه يسعى إلى تلبية الغرائز الحسية المادية بكل قوّة، فحينما يجوع يلجأ إلى الطعام وعندما يعطش يلجأ إلى الشرب، وغيرها من الرغبات الطبيعية الكامنة في الإنسان، عليه أن يلبّيها خوفا من الانفلات الذي قد يحصل إذا كبتهَا أو كتمَها أو تأخّر في تلبيتها، وقد يؤدي به الأمر إلى الهلاك والخسران إذا تجاوز الحدود التي وضعها الشرع، لذلك كان الدين الحنيف حريصا على تنظيم هذه الغرائز وفق ما يريده الشارع، فلا إفراط ولا تفريط.

وكما أن للجسد رغبات حسية مادية، فإن للروح كذلك رغبات وغرائز معنوية، فالتديّن مثلا أمر ضروري لإنتاج إنسان سويّ، لأن الفطرة البشريّة تطلب أن يلجأ المرء إلى من خلقَه لأنه محتاج إليه، فالروح التي بين جنبي المرء تشتاق إلى لقيا اله عز وجل في كل مرة تحن فيها إليه، فمنهم من يلجأ إليه في الشدة والرخاء، ومنهم من يلجأ إليه إلا عند الضرّ، ولكن في النهاية لا بد من إشباع الروح وتلبية رغباتها، والناس متفاوتون في ذلك على حسب اليقين الذي يسكن القلب، فإن كان اليقين ضعيفا كان الإقبال على الطاعات ضئيلا، وإن كان اليقين قويا كانت الروح تشعّ بالنور الإلهي الذي يدعو صاحبه إلى التشبّث بالنفحات الإلهية، ولهذا من تقلّ طاعته يشعر بالاكتئاب عند زوال النّعم، ومن كثرت أعماله الصالحة رغم الألم يحسّ بالسكينة والاطمئنان، وهنا يكمن الفرق بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون كما وردت في الآية الكريمة: «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون».

فللروح رغبات وغرائز مثل الجسد، تحتاج إلى تعبئة وتلبية، فإذا بقيت الروح خاوية من القواعد الأساسية صارت مرتعا للهواجس والوساوس، وحضنا للأمراض النفسية التي لا حصر لها، وللتو قرأت مقالا فيه إحصائية لمنظمة الصحة العالمية يقول إن العدو الأول لهذه المنظمة هو مرض الاكتئاب، حيث دقت مارجاريت شان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر بعد أن بلغ عدد المصابين بمرض الاكتئاب أكثر من 300 مليون شخص حول العالم، مطالبة بضرورة التحرك العاجل لعلاج هؤلاء المرضى الذين لا يعالجون لأنهم لا يفصحون عن مرضهم، وذكرت أن الوضع صعب جدا وقدمت رقما مخيفا يمكن أن يؤدي بهؤلاء جميعا إلى الانتحار وعدم الرغبة في الحياة، فما الذي يشعرك أنك حي سوى هذه الروح التي تشع بين جنبيك، فإن أنت عبّأتها بالإيمان والتوحيد والعبادة والتقرّب إلى الله فقد صُنتها من الأمراض وحصّنتها من الأدران، وإن تركتها على غاربها فإنها ستعبث بنفسها إلى الوبال والخسران.

ومن يلمح آيات الله البّينات يرى أن الله عز وجل إذا أراد مخاطبة الروح ذكر النفس وإذا خاطب الجسد ذكر العبد، فالخطاب الموجّه للروح خطاب إيماني معنويّ لتعبئتها بهذه الإيمانيات فعندما يقول: «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا» ويقول «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وفسر العلماء الأيدي هنا بالنفس، ويقول: «قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دساها»، وفي آية أخرى يخاطب النفس ذاتها: «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي»، فالنفس هي الروح التي يخاطبها، وهي التي ترتقي بالعبد نحو الملائكة، وهي التي تجعله في مصاف الناجين إن هو زكاها كما أراد المولى عز وجل لها.

[email protected]