المنوعات

الجهود اللغوية للشيخ ناصر بن جاعد الخروصي

10 أبريل 2017
10 أبريل 2017

الباحث الدكتور أحمد الرمحي -

مسقط، العمانية: شكلت العناية باللغة جانبًا من اهتمام العلماء العمانيين في مؤلفاتهم وحلقات تدريسهم، فأفردوا مؤلفات في النحو والصرف والبلاغة والعروض.

وعند تتبع حركة التأليف في عُمان يُتبين أنَّ القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين من أخصب القرون في التأليف اللغوي.

ففي القرن الثالث عشر نجد -مثلا- الشيخ ناصر بن جاعد الخروصي، والشيخ سعيد بن خلفان الخليلي (1287هـ)، وفي القرن الرابع عشر نجد -مثلا- الإمام نور الدين السالمي(1332هـ)، والشيخ حمدان بن خميس اليوسفي (1384هـ)، والشيخ منصور بن ناصر الفارسي (1396هـ). كما أن حركة التأليف اللغوي في عُمان في المرحلة الزمنية بين القرن الخامس إلى القرن الثاني عشر كانت قليلة الظهور، فبعض تلك القرون لم يُعْرَف لها إلى الآن إلا مؤلَّف أو مؤلَّفان، فإذا ما وصلت الدراسة إلى القرن الثالث عشر نجدها تُحْصِي قرابة سبعة عشر مؤلَّفا، وتتزايد الحصيلة في القرن الرابع عشر، إذ تصل إلى خمسة وعشرين مؤلَّفا.

ومن أولئك الأعلام الذين خلَّفوا آثارا علمية وكان لهم دور بارز في المجتمع العماني الشيخ العلامة ناصر بن أبي نبهان جاعد بن خميس بن مبارك؛ أبو محمد الخروصي

(1192هـ 1778م - 1263هـ 1847م)، فقد كان قاضيا فقيها «راسخ القدم في أصول الدين ومسائل العقيدة، بعيد النظر في مسائل الخلاف وتأصيلها». كما كان الشيخ ناصر شاعرا، فقد مدح الشاعر حميد بن محمد بن رزيق (1291هـ)

بقصيدة، جاءت في تسعة وعشرين بيتا، على وزن البحر الطويل، يقول في مطلعها:

تعالى حُمَيدٌ في الأنام سُمَيدَعُ

محمدُ محمودٌ أبوه، وجَدُّهُ

تسلسلَ من أصل زَكِيٍّ وذي عُلاً

بِفَضْل حكيمٍ لَوْذَعِيّ ومصقَعُ

رُزَيقٌ حميدُ الأصلِ للخير منبعُ

وعِزّ وفَخْرٍ ليس للطَّعْنِ موضع

وله آثار في اللغة، ككتاب (التهذيب بالنحو القريب)، وكتاب (مبتدا الكشف في علم الصرف)، وكتاب (فَلَك الأنوار ومِحَكّ الأشعار)، فَضْلا عن نظراته اللغوية والبيانية المنثورة في جواباته، ورسائله، ومُؤلَّفاته الأخرى.

وانطلاقا من هذه الآثار اللغوية يسعى الباحث الدكتور أحمد الرمحي في كتابه المعنون بـ”آثار الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي (1192-1262هـ) في آثاره اللغوية” إلى دراسة الجهود اللغوية عند الشيخ ناصر؛ بغية الوقوف على رؤية الشيخ للغة، وبيان منهجه، وآرائه وترجيحاته في مسائلها.

جدير بالذكر أن الكتاب صدر عن مركز ذاكرة عمان مطلع هذا العام 2017م ويقع في 126 صفحة.

فبعد (توطئة) تكشف عن « أثر الشيخ ناصر في حركة التأليف اللغوي في عُمان» جاء الكتاب في أربعة محاور رئيسية : أولها: «رؤية الشيخ ناصر إلى اللغة: مكانتها وفروعها»، وفي هذا المحور يحاول البحث استيضاح مكانة اللغة عند الشيخ ناصر ورَصْد وَقْعها في مؤلفاته، وبيان العلاقة القائمة بينها وبين علوم الشريعة، ولا سيما في المسائل التي يكون للدلالة اللغوية أثرٌ في توجيه الحكم الشرعيّ، كما يتناول البحثُ في هذا المحور الرؤى اللغويةَ العامَّة التي ينطلق منها الشيخ ناصر، كرأيه في أقسام علوم اللغة، ورأيه في التفريق بين بعض المصطلحات.

وثاني المحاور كان عنوانه: «إطلالة على مؤلفاته اللغوية»: وفيه تم تناول ثلاثةَ كتب بالدراسة والتحليل، هي كتاب (التَّهْذِيب بالنَّحو القَرِيب)، وكتاب (مبتدا الكَشْف في عِلْم الصَّرْف)، وكتاب (فَلَك الأنوار ومِحَكّ الأشعار)، أمَّا الكتاب الأول فقد سبق أنْ أُتْبعَ له مع تحقيقه دراستانِ؛ لذا لم يتوقف البحثُ طويلاً مع هذا الكتاب، واكتفى بوَصْفه وبيان أهميته، ثم أجرى موازنة بين الدراستينِ المشار إليهما، من حيث بيان ما تضمنه كل منهما من مباحث، مع التنبيه على بعض النتائج التي توصلت إليها الدراسة الثانية.

أمَّا كتاب (مبتدأ الكَشْف في عِلْم الصَّرْف) فبعد وَصْف مخطوطته وبيان دوافع تأليفه تَوَجَّه البحث إلى الحديث عن منهجه ومصادره، ثم مصطلحاته وشواهده اللغوية، ثم آرائه وترجيحاته.

أمَّا كتاب (فَلَك الأنوار ومِحَكّ الأشعار) فهو كتاب في نَقْد الشعر إلا أنَّ غالب منطلقاته تنزع مَنْزَعا بلاغيا؛ لأجل ذلك جاءت العناية بدراسته وتحليل مضامينه، فبعد وَصْف مخطوطته وبيان دوافع تأليفه انصرف الحديث عن فِكْرة الكتاب، ثم منهجه ومصادره، ثم توجَّه الحديث إلى الرؤية النقدية التي يتضمنها الكتاب، من حيث روافدها والباعث عليها، والوقوف على قوانينها الخمسة، في أسس اختيارها ومصطلحاتها، وأخيرا بيان صلة هذه الرؤية ببعض القضايا النقدية في التراث النقدي العربي.

كما اشتمل الكتاب على محور ثالث وهو بعنوان «الصَّنْعَة المُعْجَمِيَّة عند الشيخ ناصر»، ويحاول هذا المحور أن يرسم براعة الشيخ ناصر في الصَّنْعَة المُعْجَمِيَّة من خلال كتابيه «مُبْتَدَأُ الأَسْفَار في بيان نُبْذة يسيرة من لغة أهل زنجبار بالمشهور من اللغة العربية» و«السِّرُّ العَلِيّ في خواصّ النَّبات بالتصريف السواحلي»، والبحث هنا يرصد سَبْقَ الشيخِ غيرَه من الدارسين الذين اعتنوا باللغتين الزنجبارية والسواحيلية في الثالث عشر الهجري - القرن العشرين الميلادي، ويكشف منهج الشيخ في كتابيه، وعنايته بصياغة قواعد هاتين اللغتين، بما يخدم كتابيه، فضلا عمَّا يحويه الكتابان من موادّ معجمية.

كما يعد الشيخ ناصر سابقا إلى ما قدمه الباحثون الإنجليز في العناية بلغة أهل زنجبار اللغة السواحيلية من تصنيف المواد اللغوية، وبداية التقعيد اللغوي ولا سيما في الخصائص الصوتية.

ورابع المحاور كان بعنوان: «نظراته اللغوية والبيانية في آثاره الأخرى»، وفي هذا المحور محاولة الإشارة إلى بعض النظرات اللغوية والبيانية، مما تناثر في بعض مؤلفاته، غير تلك المؤلفات السابق ذكرها، وكذلك ما جاء في بعض جواباته ورسائله.

وأخيرا انتهى الباحث بخاتمة سَطَّرَ فيها أبرز النتائج التي توصَّل إليها، هذا ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ البحث سعى إلى النظر في المؤلفات اللغوية للشيخ مما تيسَّر الوقوف عليه، وبقيت له نظرات لغوية كثيرة متناثرة في آثاره الشرعية ورسائله العلمية، وتلك الآثار لا يزال أكثرها مخطوطا، فاقتصر البحث فيها على التمثيل لها بما يعكس صلة الشيخ باللغة، وتوظيفه لمباحثها في المسائل الشرعية والتحليلات الأدبية.

الجدير بالذكر أن الدكتور أحمد بن محمد الرمحي واحد من الباحثين العمانيين في مجال الدراسات اللغوية وصدر له «ديوان الشيخ راشد بن سيف بن سعيد اللمكي..

تحقيقا ودراسة» من توزيع: مكتبة وتسجيلات الهلال الإسلامية، الرستاق، 1432 هـ 2011م.

وله العديد من البحوث والدراسات اللغوية وهي «النحو والدلالة في شرح الكافية للرضي»، 1424هـ 2003م و«الفِكْر اللغوي للشيخ محمد بن يوسف أطفيش من خلال كتابه » شرح لامية الأفعال ، شوال 1435هـ أغسطس 2014م. و«نظم قطب الأئمة» لكتاب «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب»: موازنة بين المخطوطات وقراءة في المنهج ، كتاب الملتقى، كلية الآداب واللغات - جامعة غرداية، الجزائر، محرم 1436هـ نوفمبر 2014م.

وصدر له أيضًا « شعرية ابن النضر..

قراءة في استهلاليات دعائمه»، مجلة (الثقافية)، لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، العدد: 23، ذو القعدة 1436هـ أغسطس 2015م.و «لغة أهل عُمان في مصادر التراث اللغوي..دراسة لغوية»، ورقة بحثية قدمت في مؤتمر «الدور العماني في خدمة اللغة العربية» بماليزيا، 1437هـ 2015م.