الملف السياسي

الدفع نحو التلاقي الأوروبي - العربي

10 أبريل 2017
10 أبريل 2017

د. أحمد سيد أحمد -

,, إن القاسم المشترك بين إعلان روما وإعلان عمّان هو التوقف لمراجعة ما سبق وتصحيح المستقبل في إطار التحديات والمخاطر ,,

ما بين قمة روما للاتحاد الأوروبي والقمة العربية بالبحر الميت تبدو القواسم المشتركة وتشابه التجربتين وعوامل كثيرة للالتقاء والتقارب، فأوروبا احتفلت بمرور ستين عاما على إنشاء تجربتها الوحدوية والاقتصادية والتي بدأت بالسوق المشتركة عام 1957 ومرت بمحطات كثيرة، كان أبرزها معاهدة ماسترخيت عام 1992 حيث تحولت إلى الاتحاد الأوروبي وإقرار السياسة النقدية والعملة الموحدة، وأصدرت القمة الأخيرة، التي ضمت 27 دولة بعد خروج بريطانيا، إعلان روما الثاني الذي يعيد التأكيد على الجهود والمساعي الأوروبية في الحفاظ على الوحدة والعمل الاقتصادي والثقافي والسياسي المشترك، في محاولة لحماية الاتحاد من الهزات الكبيرة والتحديات التي يواجهها وتهدد مستقبله، وأبرزها الخروج البريطاني في عام 2016 وتصاعد التيارات الشعبوية والأحزاب اليمنية المتطرفة التي تغذي نزعة الخروج من الاتحاد على غرار بريطانيا، كذلك تحديات الهجرة غير المشروعة سواء من جنوب المتوسط أو من شرق أوروبا، وتحدي الإرهاب بعد وقوع العديد من العمليات الإرهابية في كثير من الدول الأوروبية وآخرها حادث استوكهولم ومن قبله حادث ويستمينستر. ولذلك شكلت قمة روما نقطة تحول فارقة في مسيرة الاتحاد الأوروبي صوب التشبث بالوحدة والعمل المشترك والتغلب على التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تواجهه.

وفي المقابل شكلت القمة العربية الأخيرة في الأردن والتي أصدرت إعلان عمّان نقطة تحول فارقة في مسيرة العمل العربي المشترك في ظل التحديات غير المسبوقة التي تواجهها الأمة العربية في العقد الأخير، حيث الخلافات العربية وانتشار الصراعات والحروب الأهلية في الكثير من الدول العربية، وتصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها، إضافة إلى تراجع التعاون الاقتصادي العربي حيث لم تتجاوز التجارة البينية 10% إضافة إلى تزايد التدخلات الخارجية في القضايا العربية وعدم حل القضية الفلسطينية.

وقد نجحت القمة العربية، في ظل التمثيل الكبير للرؤساء والملوك العرب، في الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك والتضامن العربي ووقف حالة الانهيار التي يتعرض لها العرب، والتأكيد على الثوابت العربية خاصة مركزية القضية الفلسطينية التي أعادتها للصدارة مرة أخرى بعد حالة الطوارئ في السنوات السابقة، وأكدت على تمسك العرب بمبادرة السلام العربية وحل الدولتين ورفض سياسة الاستيطان الإسرائيلي، كما رفضت وأدانت كل أشكال التدخل الخارجي في القضايا العربية وطالبت بضرورة الحل السياسي السلمي للأزمات والمشكلات العربية في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال.

وبالتالي فإن القاسم المشترك بين إعلان روما وإعلان عمّان هو التوقف لمراجعة ما سبق وتصحيح المستقبل في إطار التحديات والمخاطر، فقد نجحت أوروبا في تحقيق الوحدة الاقتصادية الكاملة لأنها أعلت مفهوم المصلحة والمنافع المتبادلة، بينما تعثر العرب في تحقيق التكامل والوحدة الاقتصادية رغم القواسم التاريخية واللغوية والدينية والجغرافية المشتركة لغياب مفهوم المصلحة وتبادل المنافع والأعباء، وفي الوقت الذي تتعامل فيه الدول الأوروبية كتكتل موحد يتعامل العرب كدول فرادى، وتتباين المستويات الاقتصادية والسياسية من بلد لآخر.

ورغم الاختلافات ما بين العرب والأوروبيين، فإن هناك عوامل تدفع باتجاه التعاون والتلاقي بين الجانبين، وتتمثل في:

أولا: التهديدات والتحديات المشتركة بينهما، حيث يواجه كل من العرب والأوروبيين تحديات متشابهة تتمثل في تصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات المتطرفة التي نمت بشكل كبير في أعقاب الانتفاضات العربية ووظفت حالة الصراع في العديد من الدول العربية لبسط سيطرتها وممارسة أعمالها الإرهابية، وامتد شرر الإرهاب وخطر تلك الجماعات إلى العديد من الدول الأوروبية ذاتها، كما حدث في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد، وهذا يتطلب المزيد من التعاون والتنسيق بين الجانبين لمكافحة الإرهاب عبر مواجهة شاملة عسكرية وسياسية وفكرية لحصار التنظيمات المتطرفة والعمل سويا على الإسراع بحل الأزمات العربية وإطفاء الحرائق المشتعلة في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا وتفعيل الدور الأوروبي في تسوية تلك الأزمات والمساعدة في إعادة الإعمار.

كما يواجه الجانبان تحدي مشكلة اللاجئين العرب التي تزايدت بشكل غير مسبوق في عامي 2015 و2016 مع تدفق ملايين اللاجئين السوريين والعراقيين إلى الدول الأوروبية، كما تواجه أوروبا مشكلات الهجرة غير الشرعية القادمة من دول جنوب المتوسط بحثا عن حياة أفضل في أوروبا، وما أفرزته من مشكلات عديدة ومعاناة كبيرة لهؤلاء اللاجئين والمهاجرين نتيجة لتصاعد الأحزاب اليمنية المتطرفة التي تطالب بطردهم وتوقف استقبال المزيد منهم، وهذا بدوره يتطلب تكاتفا عربيا أوروبيا لحل مشكلة اللاجئين إنسانيا وسياسيا ومعاملتهم بطريقة إنسانية والعمل على إعادتهم إلى بلدانهم وبيوتهم بعد تسوية الأزمات والقضاء على الأسباب التي دفعتهم للهجرة والهروب من المعارك إلى المصير المجهول. ولذلك هناك مصلحة أوروبية في الالتقاء مع الجانب العربي في العمل المشترك من أجل التغلب على تلك التحديات رغم وجود بعض الاختلافات في المنظورين العربي والأوروبي، حيث ترى أوروبا أن معالجة مشكلة اللاجئين تكون من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول العربية لإعادة اللاجئين إلى تلك البلدان على غرار اتفاقها مع تركيا لوقف تدفق اللاجئين عبر البلقان وإعادتهم مرة أخرى إلى الحدود السورية التركية، بينما يرى العرب ضرورة أن تعامل أوروبا هؤلاء اللاجئين والمهاجرين بطريقة أفضل وحماية حقوقهم، كذلك مساعدة الدول العربية المتوسطية في تحقيق تنمية شاملة للقضاء على الهجرة غير المشروعة من المنبع ومساعدتها لوجيستيا في السيطرة على الحدود البحرية.

ثانيا: المصالح المشتركة والفرص المتاحة والكامنة لتفعيل التعاون الاقتصادي العربي - الأوروبي في مواجهة التحديات والمشكلات الاقتصادية لكلا الطرفين، من خلال زيادة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والاستثمارات المشتركة الذي يدفعه الجوار الجغرافي، فرغم أن التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والدول الخليجية تجاوز 160 مليار دولار في عام 2016، ورغم الاتفاقيات الاقتصادية العديدة بين أوروبا والعرب وأبرزها اتفاق المشاركة الأوروبية المتوسطية، إلا أن مستوى التعاون الاقتصادي بينهما لا يرقى حتى الآن لمستوى الطموحات وإمكانيات الطرفين الاقتصادية الضخمة. ولذلك فإن مدخل المصلحة والارتقاء الاقتصادي، خاصة من جانب أوروبا للتغلب على المشكلات الاقتصادية التي تهدد مسيرة الاتحاد، يتطلب تفعيل وتعظيم سبل التعاون الاقتصادي، خاصة في ظل العمل المؤسساتي بينهما، وأبرزه الاجتماع الوزاري العربي - الأوروبي والذي استضافت جامعة الدول العربية اجتماعه الرابع في ديسمبر الماضي، وأكد على تطوير العمل المشترك والتنسيق والتقارب بين الجانبين، كذلك الإسراع بعقد القمة العربية - الأوروبية لبلورة التعاون بينهما في صورة أكثر مؤسساتية وتراكمية ووضع استراتيجيات محددة لتنفيذ الاتفاقيات ومجالات العمل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية.

وإذا كان الأوروبيون يقصرون التعاون الاقتصادي على المساعدات وجذب الاستثمارات العربية، فإن الجانب العربي يطالب بتفعيل التعاون الاقتصادي الحقيقي في مجالات التنمية والتكنولوجيا وفتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات العربية، وعدم فرض قيود جمركية أو غير جمركية تعيق تدفق التجارة والاستثمارات ورأس المال بين الجانبين.

ثالثا: هناك مصلحة عربية - أوروبية في تكثيف التعاون السياسي، خاصة في حل القضية الفلسطينية باعتبارها الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأحد عوامل تصاعد خطر الإرهاب الذي تكتوي منه أوروبا، ورغم الدور الأوروبي في دفع عملية السلام، كما في المبادرة الفرنسية لإحياء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، والمواقف الأوروبية الإيجابية في رفض الاستيطان الإسرائيلي ومقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، واعتراف كثير من البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية والتصويت في اليونسكو لصالح الهوية الإسلامية والعربية للقدس، إلا أن الدور الأوروبي بشكل عام في تسوية القضية الفلسطينية يظل محدودا وضعيفا ومقتصرا على الشجب والإدانة للممارسات الإسرائيلية في تهويد القدس وبناء المستوطنات والمطالبة فقط بتحقيق حل الدولتين، ومن هنا يطالب العرب الأوروبيون باتخاذ خطوات عملية وملموسة على الأرض أو في اتجاه الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف عدوانها على الفلسطينيين وتنفيذ التزاماتها بموجب عملية السلام وفقا لحل الدولتين وبما يحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.