أفكار وآراء

التحدي الصيني .. الطريق إلى القمة

09 أبريل 2017
09 أبريل 2017

إميل أمين -

كاتب مصري -

[email protected] -

منذ عدة سنوات كتب عالم الصينيات الإنجليزي «فرانسيس وود» كتابًا بعنوان: (هل ذهب ماركوبولو إلى الصين؟) وأجاب على هذا السؤال في كتابه بوضوح شديد لأن ماركوبولو لم يذهب إلى الصين من الأساس.

هل تمضي الصين في طريق قيادة وريادة العالم اقتصاديا على الأقل في حاضرات أوقاتنا؟

المؤكد أننا الآن على أعتاب تحول تاريخي في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية، سيما عندما تضع إمبراطورية كبرى كالصين أقدامها على الطريق الصحيح لتصبح قوة عالمية عظمى اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، وللمرة الأولى في تاريخ البشرية تعود قوة عالمية سابقة، للظهور مرة أخرى، حيث كانت الصين حتى القرن الثامن عشر واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم، وها هي تستعيد وضعها من جديد لتسيطر على الاقتصاد العالمي المعاصر في الوقت الحالي.

والنتائج المترتبة على هذا الصعود التاريخي ستكون كبيرة ، وسوف يشعر بها كل مستهلك وعامل ومدير في الدول التي تأثرت سواء ألمانيا أو أمريكا أو اليابان، وسيكون للصين (الجديدة) دور مهم وخطير أيضا في تغيير حياتنا.

أفكار ومنطلقات هذا المقال مصدرها رؤية الكاتب الألماني والصحفي الشهير «فولفجانج هيرن» والذي صدر مؤخرًا عن الهيئة العامة للكتاب في مصر، ومن ترجمة الأستاذ محمد رمضان حسين.

يطرح المؤلف أسئلة جوهرية عديدة من بينها. لماذا ترتفع أسعار النفط والحبوب الغذائية بشكل جنوني؟ ولماذا يزداد الطلب على الصلب الخام؟ ولماذا تكثر حالات البطالة في الدول الصناعية الغربية؟ ولماذا يتسع ثقب الأوزون؟ ولماذا يتصاعد الخوف المستمر من نشوب حروب في المنطقة بين وسط آسيا والمحيط الهادئ؟ والجواب يكون دائما هو نفسه في كل الأحوال... الصين.... لماذا ؟

في الوقت الذي توقع فيه الكثيرون - وعلى رأسهم أمريكاـ انهيار اقتصاد الدول الشيوعية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق، فإن الصين قد خالفت كل تلك التوقعات، وأصبحت أقوى من أي وقت مضى، لأن الأمة الصينية كانت تعمل بالتجارة منذ آلاف السنين وأيضا فإن التجار الصينيين موهوبون بشكل كبير، فقد استطاعوا إصلاح بلادهم كما أنهم يعرفون جيدًا أفضل الطرق لكسب الأموال.

يذهب صاحب العمل إلى أن معدل النمو السنوي للاقتصاد الصيني يزداد حتى أصبح متوسط نموه الحالي من 7% إلى 8% سنويا. ويعد من أهم أسباب هذا النمو السريع والمتزايد عودة عشرات الآلاف من الصينيين الذين درسوا في كبرى الجامعات الأمريكية، وأسسوا العديد من المشاريع الناجحة في وادي السيلكون ثم عودتهم إلى أوطانهم، ليقوم هؤلاء المغتربون باستثمار مليارات الدولارات في مشاريع قومية داخل بلادهم، تأسست في هونج كونج وتايوان والصين.

وهذا مزيج فريد من رأس المال والمعرفة، والإعداد الهائلة من العمالة الرخيصة، وأسواق ضخمة تنعش حركة الاقتصاد وتعين على ازدهاره أكثر من أي بلد آخر في العالم.

واليوم أصبحت الصين بالفعل هي مصنع العالم، وذلك من خلال العمالة الرخيصة والمتوفرة بأعداد كبيرة، حيث إن ما يقرب من 700 إلى 800 مليون صيني يقبلون العمل مقابل تقاضي دولارين فقط كأجر عن اليوم الواحد، وهذا هو ما جذب العديد من الشركات الأجنبية العملاقة ونقل مراكز تصنيعها وإنتاجها إلى الصين على حساب أمريكا واليابان وأوروبا، مما أسفر عن انتشار البطالة بإعداد كبيرة في تلك البلدان المتقدمة.

ولم يقتصر الأمر فقط على احتكار أسواق الأحذية والمنسوجات، ولكن تعدى ذلك ليشمل العديد من قطاعات الصناعة الحديثة مثل: الرقائق الالكترونية، وأجهزة الحاسوب، والهواتف المحمولة، لقد وضعت الصين أقدامها بالفعل لتصبح في طريق الدول العظمى في التكنولوجيا الحديثة، كما أن الصينيين تمكنوا بالفعل من إرسال رواد فضاء إلى العالم الخارجي.

ولا يعتمد النمو الصيني فقط على استثمارات الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات، ولكن قد أصبح لدى الصين اليوم بالفعل شركات ومؤسسات صينية ترقى إلى مستوى العالمية، وكما غزت سوني وباقي الشركات اليابانية الأسواق العالمية منذ 50 عامًا، ثم غزت سامسونج وشركات كوريا الجنوبية الأسواق منذ 20 عامًا، فإن الماركات الصينية قد بدأت الآن في غزو الأسواق العالمية، وربما مازال العديد من الأشخاص في الغرب لم يسمع بعد بأسماء مثل: هواوي، ولينوفو، وهاير، ولكننا سنتعرف عليها جيدًا في وقت قريب، حيث ستكون تلك الأسماء في منافسة أشدة قوة وشراسة من تلك التي مرت بشركات سوني وسامسونج... لماذا تبقى الصين تحديا عالميا ؟

«من بين كل الحضارات المتقدمة في وقتنا الحالي لا نشعر بميل نحوها كما نشعر به تجاه الحضارة الصينية هكذا تحدث المؤرخ الأمريكي الشهير بول كيندي في «صعود وانهيار القوى العظمى»

هناك بعض أشياء في الماضي ثم صارت أمورًا مسلمًا بها بالنسبة لنا كاختراع يوهان جوتنبرج للطباعة أو كون كريستوفر كولمبوس أعظم البحارة في التاريخ ولكن في الحقيقة الأمر بخلاف هذا، فقد اخترع الصينيون الطباعة قبل القرن التاسع الميلادي، وقد كان هناك بحار صيني يدعى (تشانج خي) من أعظم البحارة في العالم وقد سبق كولمبوس بعدة عقود في إنشاء أسطول بحري هدفه اكتشاف العالم.

تلك الأخطاء الشائعة التي تلقناها في أثناء درسنا للتاريخ؛ في حين أنه لم يرد ذكر للصين على الإطلاق بينما كان المعلم يقضي ساعات طويلة في شرح حياة وعصور حكم المصريين والإغريق والفرس والرومان.

لقد كان في الشرق الأقصى حضارات مهمة أخرى، ولم يكن مدرسو التاريخ يتعمدون إخفاءها، ولكن من الجهل بها، فلم ندرس غير تجمع قبائل المغول الهمجية تحت قيادة السفاح الشهير جنكيز خان وغزوهم العديد من البلاد حتى تمكنوا من الوصول إلى منتصف أوروبا في عام 1241 قبل أن ينتهوا فجأة.

ظهرت الصين لدينا في الصورة التاريخية منذ بضعة قرون قليلة قبل القرن التاسع عشر ثم صعودها بعد ذلك كواحدة من أكبر القوى الشيوعية مع ماوتسي تونج في منتصف القرن العشرين، ومع فترة الحرب الباردة تقدمت الصين في ظل الحكم الثوري حتى صار ينظر إليها الغرب على أنها تشكل تهديدًا كبيرًا عليه.

الجهل والإعجاب والغطرسة والقلق، هذه نظرة الغرب للصين، والسبب الرئيس في نشر هذه الصورة في الغرب هو أن الناس هناك في الصين لا يفهمون غير لغتهم القديمة، ولا يطلعون إلا على تاريخهم وثقافتهم.

وسبب تلك النزعة القومية المفرطة في الصين هو أنها كانت بلادًا لها حضارة عظيمة في الماضي واستمر تقدمها بعكس مصر واليونان فقد تهمش دورهما وتقلص حجمهما بعد أكثر من 5000 سنة من الحضارة.

يقول العلماء: إن الإنسان بحاجة إلى دراسة التاريخ والحضارة الصينية حتى يفهم سبب النزعة القومية التي مازالت مسيطرة على هذا الشعب حتى الآن. كذلك ينبغي أن يدرك أيضًا أن السبب الرئيس الذي يجمع بين كل قوى الغرب واليابان هو اتحاد الجميع ضد الصين على مدى قرن كامل من الزمان، وهذا يفسر لنا العديد من سياسات الصين الخارجية غير المفهومة حتى الآن.

وينبغي أن ندرك كذلك أن الصين كانت من البلاد الأكثر تقدمًا في العلوم والتكنولوجيا منذ عدة قرون مضت، وأن لديها اليوم من الإرادة والكفاءات البشرية ما يمكنها من العودة إلى سابق عهدها مرة أخرى.

هل تفوق الصين مسألة حديثة أم لها جذور تاريخية ؟

في صيف 1271م حيث كانت أوروبا تغرق في عصور الظلام؛ سافر الشاب البندقي ابن السابعة عشرة والذي يدعى ماركوبولو في صحبة أبيه نيقولو وعمه مافيو نحو الشرق في رحلة استغرقت أربع سنوات، مروا في أثنائها عبر بلاد فارس وأفغانستان وعبر العديد من الجبال والصحاري حتى وصلوا إلى مكان بالقرب من مدينة بكين الحالية؛ حيث وجدوا في شرف استقبال ركبهم الخان الأعظم قوبلاي الذي كان يحكم البلاد الصينية في ذلك الوقت.

بعد أربعة وعشرين عامًا من رحيلهم جرفهم الحنين للعودة إلى البندقية، فأملى ماركوبولو ما شاهده في أثناء رحلاته الطويلة على أحد أصدقائه؛ والذي قام هو الآخر بجمعها في كتاب أطلق عليه اسم (وصف العالم)، والذي يعد واحدًا من أكثر كتب الرحلات شهرة في عالم الأدب؛ وأيضًا من أكثرها إثارةً للجدل، لأن صاحبه لم يكتبه بنفسه، لدرجة أن بعض المؤرخين شكك في قيام ماركوبولو بتلك الرحلات من الأساس.

منذ عدة سنوات كتب عالم الصينيات الإنجليزي «فرانسيس وود» كتابًا بعنوان: (هل ذهب ماركوبولو إلى الصين؟) وأجاب على هذا السؤال فى كتابه بوضوح شديد لأن ماركوبولو لم يذهب إلى الصين من الأساس.

وبغض النظر عن مدى صحة زيارة ماركوبولو للصين من عدمها، وبعيدًا عن الصياغة الأدبية المستخدمة في سرد رحلاته، نجد اليوم أن ماركوبولو قد قدم لنا صورة كاملة للمجتمع الصيني عن فترة مبكرة للغاية من تاريخه، ونجد أنه كان في الكثير من أوصافه قريبًا من الواقع بشكل أو بآخر؛ حتى أنه قد ساهم في نقل التصورات الأولى عن الصين للقارئ الأوروبي والتي تثير دهشتنا عندما نرى مدى التفوق التقني المبكر للشعب الصيني وكيفية استغلاله لثرواته بشكل جيد في بناء حضارته وأسلوب معيشته.

ومما كان مثيرًا للإعجاب في تلك الرحلات؛ وصفه لتجمع أكثر من اثني عشر ألفًا من جنود الحرس وما يقرب من عشرين ألف أسرة واصطفاف مائة ألف من الخيول وقرابة خمس وعشرين ألفًا من الفتيات والراقصات الصغيرات في بكين لتحية الخان الأعظم قوبلاي في يوم ذكرى مولوده.

ما ذكره ماركوبولو من تعداد السكان هناك في تلك الفترة يعد أمرًا مبالغًا فيه، لأن تعداد سكان البندقية في تلك الفترة (وهي ثالث أكبر مدينة أوروبية بعد نابولي وباريس حينها) لا يتجاوز المائة ألف نسمة، بينما كان يحتشد في الوقت نفسه (طبقًا برواية ماركوبولو) أكثر من 2.1 مليون شخص في بلاط الخان عام 1270 بالطبع هذا أمر لا يكاد يصدق.

التحدي الصيني قراءة ممتعة لدولة تنطلق إلى الأمام ولا شيء يعيق انطلاقها في الآفاق ؟