abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش .. ومتون : قرص دائري في قلادة ألوان

08 أبريل 2017
08 أبريل 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

حين دخلت معرض « السمط» الذي أقامته نخبة من التشكيليات العمانيات في جاليري سارة، لاحظت أن الأعمال المشاركة، جاءت على شكل أقراص، وبحجم واحد، باستثناء لوحة بحجم أكبر، وضعت جانبا، ولم يمرّ عليّ وقت طويل لأعرف السبب الذي جعلها كلّها بهذا الشكل، إذ سرعان ما انتبهت إلى عنوان المعرض، الذي يحيلنا إلى «السمط»، وهو قرص فضّي يتوسط قلائد النساء، وهو من الحلى العمانية القديمة، وعادة تحفر على ذلك القرص بعض الأشكال الدائرية، وقد وقع اختيار المشاركات على «السمط»، ليكون ثيمة المعرض كونه أقيم بمناسبتي يوم الأم، وعيد المرأة، وهو المعرض الثاني المشترك الذي تقيمه المجموعة التي سبق لها أن أقامت في العام الماضي معرضا حمل عنوان( يوم الأم)، واتفقت المجموعة على الاستمرار بهذا النهج تكريما للمرأة، وعطائها اللامحدود في المجتمع، فحين فكّرت المشاركات برمز له علاقة بالمرأة العمانية، وجدن تلك الرمزية تكمن في (السمط)، ومن الطبيعي أن تكون موضوعات الأعمال المشاركة في المعرض لها علاقة بالأنثى، والجمال، والحب، والبيئة، والعادات والتقاليد، وقد ظهرت تلك الموضوعات من خلال التكوينات، والأشكال، والزخارف، فمثّلت قواسم مشتركة في الأعمال المشاركة، لكنّها اختلفت في التقنيّات، هذا التنوع في الاتجاهات يجعل لكلّ ركن من أركان المعرض نكهة خاصة، فلكل فنانة مشاركة شخصيتها الفنية المختلفة عكستها زاوية تناولها لتلك المفردات، فجاءت الأعمال معبّرة، تسجّل انتماءها إلى ما يسمّى بتيار» ما بعد الحداثة» في الفن المعاصر، وهو تيّار يقوم على «هدم الحاجز الذي شيّدته فنون الحداثة ما بين الثقافة الراقية، أو ما يُسمّى بثقافة النخبة، وما بين الثقافة الهابطة أو ما يسمى بالثقافة الجماهيرية، الأمر الذي منحها الفرصة لإعادة قراءة وصياغة لمفهوم العمل الفني، ورسالة، ودور الفنان، ووظيفة المتلقي والعلاقة ما بينهما» كما يقول الدكتور نصر حوابرة، وللوقوف على ذلك قمنا بزيارة المعرض،الذي ضمّ أكثر من 35 لوحة، بمعدّل خمس لوحات لكلّ فنانة من الفنانات السبع، وخلال جولتنا، لاحظنا تلك الرغبة الضمنية الداعية إلى إعادة قراءة العمل الفني، فأعمال الفنانة طاهرة فداء حسين تنحو منحى تجريديّا، فقد استفادت من رموز شاهدتها بآثار شاهدتها في المتحف الوطني، وصور الكهوف، فصنعت منها لغة تشكيلية قائمة على تكرار الحروف، تلك اللغة هي لغة الكهوف، إحياء للغة اندثرت، مستخدمة الحروف الآرامية، مستفيدة من تخصصها المهني كونها مدرّسة لغات، إلى جانب ذلك عمدت إلى تكرار الوحدة الزخرفية، فدمجت هذا العنصر مع الدوائر، والمستطيلات، والفراغ، والحروف النابعة من الفن الإسلامي، كما رأينا في أعمالها السابقة، أما الألوان، فقد غلب عليها اللون الترابي، الذي يعبر عن القدم، فظهرت شبه خزفية، وشبه زجاجية، وكلها من (الاكرليك)، مع خلط (داما)، وهو صمغ يذاب بالحرارة، فيسبّب لمعة، كذلك عمدت إلى الاشتغال على متناقضين بالتلوين، إلى جانب إضافة اللون الأحمر، لتعطي مداخل، وتفتح نوافذ، لكسر الرتابة.

أما الفنانة حليمة البلوشية، فقد استعارت زخرفة «السمط»، معبرة عن شغفها بالزخرفة الإسلامية كنتيجة تأثر بها، لتدمج عدّة أساليب فنية، مضيفة إليها ألوانها المحدّدة، إلى جانب تكوينات، وأشكال عكست مشاعرها، مثلما عكست أعمال الفنانة شمسة الحارثي أحاسيسها الجيّاشة، فأظهرت شفافية عبّرت عن تفاعل المرأة مع المحيط،مثلما عبّرت الفنانة نورة الزدجالية عن اندماجها في النسيج المجتمعي، وظروف الحياة، وعلاقتها بتفاصيلها اليومية كالقهوة، ومعطيات البيئة، لتعطي انطباعا عن تعلق المرأة، بالأرض، فكلاهما رمز العطاء، وأظهرت أعمال الفنانة جميلة الزدجالية اهتماما بالموروثات العمانية، وخاصة الملابس التقليدية، مستخدمة الألوان البراقة، التي تتّصل بالطبيعة العمانية، أما الفنانة مريم الوهيبية، فقد ركّزت على وجه المرأة، فجعلته يتكرّر، لنرى وجوها مليئة بالتعبيرات، تبين علاقة المرأة بالمكان، مع اهتمام بأزياء المرآة، وجمالها، وطريقة تزيينها، فأبرزت العناصر الجمالية التي تتباهى بها المرأة، واستخدمت الاكسسوارات، والقلائد التي جاءت على شكل(كولاج)، ودوّنت الفنانة شمسة الحارثية مشاعرها من خلال الوجوه التي رسمتها باستخدام السكين مطلقة العنان لتلك المشاعر لإعطاء قراءة للذات، وعلاقتها بالمحيط، وتنقّلت الفنانة سمر الكعبية بين الحضارات، فرأينا في أعمالها امرأة من شرق آسيا، وأخرى من عمان، وأفريقيا مظهرة التراث الأفريقي، معبرة عن حياة الحارة، راصدة انعكاسات ذلك على شخصيتها، وتأثرها بالعادات.

إنّ استثمار (السمط) في العمل الفني جاء موفّقا، كونه منحه أبعادا رمزية، جعلتنا نعيد قراءته وفق هذه المعطيات.