976814
976814
الاقتصادية

شـركـات النـفـط الصـخـري الأمـريـكـيـة والـعـائـدات الـمـالـيـة

07 أبريل 2017
07 أبريل 2017

ترجمة - قاسم مكي -

الإيكونوميست -

داخل قاعات اجتماعات مجالس إدارات الشركات النفطية وفي مشارب (حانات) مدينة هيوستن، العاصمة الروحية لصناعة النفط الأمريكية، عادت الخيلاء مرة أخرى. قد يكون سعر برميل النفط الآن 48 دولارا فقط أو عند نصف مستواه الذي كان سائدا قبل ثلاثة أعوام. ولكن صناعة تكسير الرواسب الصخرية المحتوية على النفط بواسطة الرمل والماء (وهي العملية التي تنطوي على استخراج النفط الصخري) تشهد ازدهارا آخر بعد انهيارها في الفترة بين عامي 2014- 2016. وتوشك شركات أستكشاف وإنتاج النفط الصخري على الانطلاق في جولة استثمار محموم. فالطلب يشهد تصاعدا على المواد الخام اللازمة لهذه الصناعة من رمل إلى أموال مستثمرين آخرين إلى عمال حفر أشداء (ذوي أعناق غليظة) إلى الجعة المثلجة. تشكل هذه العودة الثانية للنفط الصخري شهادة على قوة عزيمة التكساسيين. ولكن روح الإصرار التي تتصف بها صناعة النفط الصخري قد تفسر لنا لماذا لم تكد تفعل شيئا لتصحيح أوضاعها المالية القاسية. فقد ظلت هذه الصناعة تنفق الأموال من رساميلها (لمقابلة التكاليف التي لا تتعلق مباشرة بإنتاج النفط الصخري. أي أنها تحقق تدفقا نقديا سلبيا- المترجم) وذلك لفترة حوالي 34 ربع عام (ثلاثة أشهر) من جملة آخر 40 ربع عام، بحسب الأرقام الخاصة بأكبر 60 شركة استكشاف وإنتاج مدرجة أعدَّتها وكالة بلومبيرج لتجميع البيانات.

وإذا استثنينا شركات خطوط الطيران والمؤسسات الصينية المملوكة للدولة وشركات اليوينكورن في وادي السيليكون (وهي الشركات الخاصة التي تزيد قيمتها عن بليون دولار في الولايات المتحدة) سنجد أن شركات النفط الصخري الأمريكية تمر بفترة ليس لها نظير من حيث خسارة الأموال. فقد تم استنفاد حوالي 11 بليون دولار من رؤوس الأموال في آخر ربع عام حين تجاوز الإنفاق الرأسمالي حجم التدفقات النقدية. ويمكن جدا أن يرتفع معدل استنفاد رأس المال (إنفاقه في غير العمليات الإنتاجية المباشرة) مرة أخرى هذا العام.

وفي الأثناء يثير احتمال الارتفاع السريع في مستوى الإنتاج قلق أسواق الطاقة الدولية. فهو خصوصا يقلق منظمة أوبك بقيادة السعودية والتي تهدف إلى تقييد الإنتاج والإبقاء على الأسعار عند مستوى مرتفع إلى حد ما.

لقد حذر وزير الطاقة السعودي من «الحماس غير العقلاني» في أثناء مؤتمر حول صناعة النفط في هيوستن يوم 7 مارس. وكان الذعر قد تفشى في تكساس حين انخفضت أسعار النفط إلى النصف خلال فترة 16 أسبوعا فقط، وذلك بداية من أواخر عام 2014. ثم أعقبه لوهلة تقشف قاسٍ. وهبط عدد أجهزة الحفر في أمريكا من الذروة إلى الحضيض بنسبة حوالي 68%. وقلصت الشركات استثماراتها. وأفلست أكثر من 100 شركة تعثرت في سداد ديون بلغ إجماليها 70 بليون دولار على الأقل.

لقد ساعد خفض عمليات إنتاج النفط الصخري على تثبيت أسعار النفط العالمية. فالإنتاج في الولايات الأمريكية الثماني وأربعين المتجاورة ( لا تشمل ألاسكا وهاواي) باستثناء المياه التابعة للحكومة الفيدرالية في خليج المكسيك هبط بنسبة حوالي 15% خلال الشهور الـ21 الماضية . وهو ما يساوي مليون برميل في اليوم أو 1% من إنتاج النفط العالمي.

إن التعافي الجزئي لسعر النفط، الذي تدهور في وقت ما إلى 26 دولارا للبرميل، ليس أكثر من عامل واحد فقط من بين جملة عوامل تكمن وراء تجدد الحماس الذي تشهده صناعة النفط الصخري. فمتفائلو هيوستن يعتقدون أيضا أن الإمكانيات الجيولوجية الكاملة للحقل البيرمي في تكساس لم تتضح سوى الآن فقط. ويرى بعض الخبراء أن هذا الحقل قد ينتج في وقت ما (في المستقبل) عددا من البراميل في اليوم الواحد يفوق ما تنتجه السعودية. لقد قضى هذا الاعتقاد على مشاعر الكآبة الناجمة عن تدني الإنتاج من أحواض النفط الصخري الأخرى مثل تشكيل بكَّان في غربي داكوتا الشمالية.

كما رفعت صناعة النفط الصخري أيضا من مستوى الإنتاجية. فأعمال الحفر الآن أسرع وأكثر انتقائية ودقة. كما أن معدلات التسرب أقل. ويتم تصميم الآبار بحيث تخترق عدة طبقات من صخور النفط المتراكمة فوق بعضها البعض.

ولكن لم يتغير شيء فيما يخص الخسائر المحاسبية الضخمة التي تتعرض لها صناعة النفط الصخري. فقد صرفت هذه الصناعة أموالا رأسمالية ( في شكل نفقات ثابتة) سواء حين كان سعر النفط عند مستوى 100 دولار للبرميل كما في عام 2014 أو عند حوالي 50 دولارا كما في الشهور الثلاثة الماضية. واستهلكت أكبر 50 شركة إجمالي 90 بليون دولار من رؤوس أموالها في كل ربع عام (ثلاثة أشهر) في المتوسط خلال الأعوام الخمسة الماضية. نتيجة لذلك لم يكد قطاع النفط الصخري يحسِّن أوضاعه المالية على الرغم من زيادة قيمته المالية (رساميله) بحوالي 70 بليون دولار منذ عام 2014.

لقد ابتلعت الخسائرُ معظمَ الأموال الجديدة. لذلك يظل إجمالي الدَّين مرتفعا عند حوالي 200 بليون دولار.

يحب كبار مسؤولي النفط استعراض أحدث آبارهم في الحوض البيرمي الذي يقولون انه يمكنه الآن تحقيق معدلات عائد داخلية تزيد عن 50% خلال أعمارها التشغيلية. ولكن معظم الشركات لديها آبار ليست جيدة النوعية وكذلك نفقات تشغيل غير مباشرة( لا تتعلق بعملية الإنتاج). لذلك لم يكن تحسن كفاءتها كبيرا في عمومه. فبالنسبة لأكبر 10 شركات إنتاج واستكشاف نفطي مدرجة (في البورصة) هبط إجمالي التكاليف التشغيلية النقدية مقابل كل برميل بحوالي 13 دولارا في الفترة بين 2014 و2016. وهو هبوط ليس كافيا للتعويض عن معدل التدهور الذي شهدته أسعار النفط عند حوالي 50 دولارا .

ولأن حقول النفط الصخري تنضب بسرعة كبيرة مقارنة بالحقول التقليدية سيكون لزاما على هذه الشركات تجديد الاستثمار بكثافة للمحافظة على مستوى الإنتاج. من الممتع مقارنة النفط الصخري بصناعة موارد طبيعية أخرى كان يلزمها التواؤم مع الانهيار في الأسعار السلعية. ففي عام 2016 حققت كبرى شركات صناعة التعدين أرباحا وشهدت تدفقا نقديا بعد استثمارات رأسمالية وحصلت على عائد محترم على رأس المال. ولكن رغم هذه المقارنة غير المحببة من المحتمل أن ينمو الاستثمار الرأسمالي من جانب شركات استكشاف وإنتاج النفط الأمريكية خلال العام القادم ربما بنسبة 50% أو أكثر.

هنالك نظريتان تفسران سبب ذلك. إحداهما هي أن الطريقة التي يتم بها تخصيص رواتب التنفيذيين إلى جانب حوافز المقرضين تعني أن هيوستن عرضة دائما لهوس الاستثمار. فمثلا لا توجد ولا شركة واحدة من بين أكبر عشر شركات استكشاف وإنتاج تؤكد في نظام رواتبها على حجم العائد الذي تحصل عليه مقابل رأسمالها. فأسعار الفائدة المنخفضة تجعل من السهل على شركات النفط الصخري الاقتراض من البنوك النهمة إلى رسوم الإقراض . ولكن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ينتهي بها هذا الهوس نهاية سعيدة هو أن ترتفع أسعار النفط بشدة فتنقذ بذلك صناعة النفط الصخري أو أن يتم شراء شركات الاستكشاف والإنتاج بواسطة شركات أكبر. ذلك شيء محتمل. ولكن الشركات من شاكلة إكسون وشل أكثر نضجا من أن تدفع الكثير مقابل الاستحواذ على شركات صغيرة وغير مربحة. أما التفسير الثاني فهو إيمان مسؤولي النفط بنمو الإنتاج من الحقل البيرمي وبارتفاع الإنتاجية. فمعظم شركات استكشاف وإنتاج النفط الصخري تحسب أنها يمكنها التوسع في الإنتاج بمعدل سنوي يصل إلى ما بين 10% إلى 20% خلال الأعوام القليلة القادمة. ولكن لكي تبرر شركات الاستكشاف والإنتاج المدرجة قيمتها السوقية وتحقق عائدا ملائما مقابل رؤوس أموالها التراكمية المستثمرة، ستحتاج بمرور الوقت إلى تدفق نقدي حر يصل في مجموعه إلى حوالي 60 بليون دولار في كل عام. ( التدفق النقدي الحر هو النقدية التي تحققها الشركة بعد إنفاق المال اللازم للمحافظة على قاعدة أصولها أو توسيعها- المترجم). وبافتراض أن كُلاّ من أسعار الطاقة والإنفاق الرأسمالي سيظلان على حالهما فسيكون لزاما على هذه الشركات حينها مضاعفة الإنتاج تقريبا قياسا بالمستويات الحالية. والمشكلة هي أن هذه الحجة دائرية. فإذا تم تحقيق ذلك على نطاق صناعة النفط الصخري في مجملها سيعني أن الإنتاج سيكون ضعف مستواه الحالي. وهذا سيقود إلى زيادة بنسبة 5% في إمدادات النفط العالمية. وهو ما قد يؤدي بدوره إلى خفض سعر النفط. ثمة شيء محير حول شركات النفط الصخري الأمريكية. فهي المنتج الهامشي في صناعة حسَّاسة لدورة العمل التجاري ( ترتفع إيراداتها في أوقات الازدهار والتوسع وتنخفض في فترات التدهور والانكماش-المترجم). وهذا في العادة موضع غير مريح لها. كما لم يثبت المتفائلون بارتفاع أسعار النفط في هيوستن حتى الآن أن في مقدورهم ضخ النفط وتوليد القيمة في ذات الوقت.