أفكار وآراء

قمة ترامب - جين بينج اليوم .. شراكة وخلافات

05 أبريل 2017
05 أبريل 2017

عبد العزيز محمود -

وسط حالة من التوتر تشهدها العلاقات الصينية الأمريكية بسبب الخلاف حول العجز التجاري وكوريا الشمالية وتايوان ومبيعات الأسلحة والوضع في بحر الصين، يعقد الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينج أول قمة بينهما في فلوريدا اليوم الخميس الموافق 6 أبريل الجاري في محاولة لوضع خريطة طريق لمستقبل العلاقات بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

ويحاول الرئيسان من خلال القمة التي تستمر يومين دعم الشراكة الاستراتيجية بين بلديهما رغم المخاوف المتبادلة، فواشنطن قلقة من تنامي الدور الإقليمي والعالمي الصيني باعتباره تهديدا لمصالحها الحيوية وأمنها القومي، بينما لا تخفي بكين قلقها من توسيع واشنطن لدائرة نفوذها في شرق وجنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى فرضها قيودا على الصادرات الصينية ودعمها لتايوان والتبت وهونج كونج.

والسؤال المطروح: هل تنجح القمة في تجاوز الخلافات الحادة بين الدولتين، وبما لا يؤدي إلى تأجيج الصراع المباشر بينهما، أم أن مستقبل العلاقات بالفعل يكتنفه الغموض؟

كل الدلائل تؤكد أنه ليس من مصلحة العملاقين الأمريكي والصيني الدخول في صراع مباشر، على الأقل على المدى الزمني القصير والمتوسط، لما قد يترتب على ذلك من خسائر فادحة لكل منهما وللعالم، الأمر الذي يحتم استمرار التعاون والحوار من أجل حل الملفات العالقة.

وتحتل قضية العجز التجاري الأمريكي لصالح الصين رأس أولويات جدول أعمال القمة، وسط تنافس اقتصادي وتجاري حاد بين الدولتين، وقلق أمريكي من أن تصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وهو ما يعني إزاحة أمريكا عن مركز الصدارة ، لكن التباطؤ الراهن في الاقتصاد الصيني يصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي، ويحاول الرئيسان ترامب وجين بينج التوصل إلى آلية مشتركة للحد من الآثار الجانبية للعجز التجاري.

وتتركز الخلافات الصينية الأمريكية حول وضع الدولة الأولي بالرعاية حيث تتهم واشنطن بكين باتباع سياسات اقتصادية جائرة تسببت في إغراق السوق الأمريكية بالسلع الصينية الرخيصة، والقرصنة على حقوق الملكية الفكرية (90% من برامج مايكروسوفت في الصين منسوخة بشكل غير قانوني)، والتسبب في عجز تجاري هائل لصالح الصين، وهو ما دفع واشنطن لفرض رسوم حمائية على الواردات الصينية، بينما شددت بكين القيود على الواردات الأمريكية كرد على ذلك .

ويقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين (أمريكا الشريك التجاري الأول للصين، والصين ثالث اكبر شريك لأمريكا) بنحو 578 مليار دولار خلال عام 2016 منها صادرات أمريكية للصين تتجاوز 115مليار دولار، مقابل واردات صينية تتجاوز 462 مليار دولار خلال عام 2016، والنتيجة عجز تجاري يتجاوز 347 مليار دولار خلال العام الماضي لصالح الصين بالطبع .

ويحتل الاقتصاد الأمريكي المركز الأول عالميا حيث يقدر الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5.18 تريليون دولار في عام 2016 (تمثل 5.24% من الناتج الإجمالي العالمي) بنسبة نمو 2.6%، لكن الاقتصاد الأمريكي يفقد مكانته إذا قورن بالناتج المحلي الإجمالي للصين والذي يقدر بنحو 6.21 تريليون دولار في نفس العام وبنسبة نمو 7.6% سنويا.

ويلعب التعداد السكاني للصين (4.1 مليار نسمة -ألف وأربعمائة مليون شخص) عام 2016) دورا بارزا في تحويلها إلى سوق للمنتجات العالمية (25% من حجم الطلب العالمي) كما يجعلها قوة إنتاجية هائلة، حيث تقدر صادراتها للعالم بنحو 3.3 تريليون دولار في عام 2016، مقابل صادرات أمريكية تقدر بنحو 5.1 تريليون دولار عام 2016 ويقدر احتياطي الصين من النقد الأجنبي بنحو 3.3 تريليون دولار في عام 2016 .

وتسعى أمريكا عبر الحوار الاستراتيجي مع الصين الى الحفاظ على وضعها كقوة عظمى وحيدة في العالم لأطول مدى زمني ممكن، بينما تستهدف الصين الوصول إلى مرتبة القوة العظمى القادرة على التأثير في مجريات التفاعلات الدولية خلال القرن 21، وهو هدف يتطلب أن تصبح القوة الكبرى في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا.

الولايات المتحدة من جانبها تدرك حجم الطموحات الصينية، وهذا ما دفعها لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الصين لمنع أي تقارب بينها وبين جيرانها، وإبقاء الصعود الصيني تحت المراقبة، وهو ما تقاومه بكين بطريقة سلمية عبر السعي لإقامة نظام سياسي واقتصادي دولي جديد، وإعادة النظر في توزيع القوى في العالم، والتقارب مع دول جنوب شرق آسيا.

ومع احتدام المنافسة بين البلدين قررت الولايات المتحدة ومنذ عام 2008 توسيع نفوذها في منطقة شرقي وجنوب شرقي آسيا، حيث تتمركز قوى نووية كبرى كالصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى ثاني وثالث اكبر اقتصاديين في العالم هما الصين واليابان، مع تعزيز علاقاتها بحلفائها كوريا الجنوبية وتايوان والفلبين، وهو ما تعتبره الصين محاولة لحصارها والسيطرة على خطوط تجارتها وإمدادات الطاقة والمواد الأولية اللازمة لصناعتها.

والمؤكد أن قضية تايوان سوف تفرض نفسها على جدول أعمال القمة الصينية الأمريكية اليوم ، باعتبارها أحد مصادر التوتر في العلاقات بين البلدين، فبكين ترفض استقلال الجزيرة وتسعى لاستعادة السيادة عليها، وواشنطن تدعم تايوان سياسيا وعسكريا، رغم قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وتستخدم ورقة تايوان كأداة للضغط على الصين، وهو نفس ما تفعله من خلال دعمها للحركة الانفصالية في التبت بزعامة الدالاي لاما (المنفي في الهند منذ عام 1962)، والحركة الانفصالية في هونج كونج.

ومن الواضح أن مباحثات ترامب - جين بينج لن تكون سهلة، فالخلافات الأمريكية الصينية مستمرة حول البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية، وتتهم واشنطن بكين بعدم اتخاذ خطوات جادة للجم هذا البرنامج، وسط تهديدات كورية شمالية بضرب الأراضي الأمريكية، بينما تنتقد بكين واشنطن بإفشال جهودها للتهدئة، بتزويدها كوريا الجنوبية بالأسلحة، مما يشعل سباق التسلح في شبه الجزيرة الكورية.

ويتواصل الخلاف الصيني الأمريكي ليشمل مبيعات الأسلحة، حيث تحتل الولايات المتحدة المركز الأول عالميا في تصدير السلاح وتحتل الصين المركز الثالث، وتعارض واشنطن مبيعات السلاح الصينية لإيران وباكستان، بينما تعترض بكين على مبيعات السلاح الأمريكي لتايوان وكوريا الجنوبية واليابان.

ولا تخفي واشنطن قلقها من تنامي القدرات العسكرية للجيش الصيني، اعتمادا على واردات الأسلحة القادمة من روسيا والدول الغربية، وبرامج التدريب والتطوير المكثفة، وترى في ذلك تهديدا لمصالحها الإستراتيجية في المحيط الهادئ، خاصة مع ارتفاع الإنفاق الدفاعي الصيني بنسبة 7% ليصبح 188 مليار دولار مقابل 640 مليار دولار للولايات المتحدة خلال عام 2017 .

وتحاول بكين تهدئة القلق الأمريكي بالتأكيد على ان برامج التحديث العسكري لا تشكل تهديدا لأي دولة، ولا تحمل أي نوايا عدوانية، لكن واشنطن تدرك أن الصين توظف ذلك لتوسيع دائرة نفوذها في آسيا وحماية إمداداتها الحيوية من المواد الأولية وخاصة النفط، وضمان حرية الملاحة في مضيق مالقا بين ماليزيا وسومطرة، وتشكل البحرية الصينية حاليا المنافس الأول للبحرية الأمريكية في الممرات المائية في جنوب شرق آسيا بوجه خاص .

ويبدو أن الشكوك الأمريكية في نوايا الصين لا تنتهي، فواشنطن تنظر بقلق إلى سيطرة الصينيين في الخارج على اقتصاديات عدد من دول جنوب شرق آسيا ، ويسيطر الصينيون (شركات وأفراد) على نحو 100% من اقتصاد سنغافورة و90% من اقتصاد اندونيسيا و75% من اقتصاد تايلاند و60% من اقتصاد ماليزيا، وهو ما يصب لمصلحة النفوذ الصيني اقتصاديا وسياسيا في تلك الدول.

كما تمتد الشكوك الأمريكية للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية (ايه آي آي بي)، والذي أسسته الصين في عام 2015 برأسمال 100 مليار دولار ويضم في عضويته 57 دولة، لتمويل احتياجات الدول الآسيوية من البنية الأساسية، وتعتبر واشنطن البنك أداة لتقويض نفوذها في القارة الآسيوية.

ووسط كل هذه الإشكاليات تبدو قمة ترامب- جين بينج محاولة جادة من الطرفين للحفاظ على شراكتهما الإستراتيجية، ربما تسفر عن استمرار التعاون الحذر، دون التوصل لحلول جذرية للملفات العالقة، مما قد يفتح الباب مستقبلا لحوار استراتيجي جديد أو تصعيد للخلافات القائمة، وأيا كانت الاحتمالات فالمؤكد أن التنين الصيني يواصل صعوده خلال الربع الأول من القرن الـ21، رغم المحاولات الأمريكية المحمومة لاحتوائه أو إبطاء حركته.