المنوعات

باته منت البراء: رسالة الأدب إنسانية .. ونكتب المحبة والخلود

03 أبريل 2017
03 أبريل 2017

نواكشوط، العمانية: قالت الأديبة والشاعرة الموريتانية باته منت البراء: إن رسالة الأدب أسمى من المناسبات الآنية ومن الانتماءات الإيديولوجية الضيقة، فهي رسالة «من أجل الإنسان ومن أجل الوجود ومن أجل المحبة والخلود». وبشأن قضية الالتزام في الأدب: هل الفن للفن، أم الفن للمجتمع؟ قالت منت البراء في مقابلة مع وكالة الأنباء العمانية: إن هذه القضية أوسعت طرحا وشرحا منذ وقت طويل، مفضلة عدم الخوض فيها ومكتفية بتصورها لرسالة الأدب والهدف منه.

فالرسالة الأساسية الأولى للأديب، كما تقول، هي أن يقدم إنتاجا راقيا، أيا كان الجنس الأدبي الذي يكتبه، فشكل هذه الرسالة ومحتواها مسألة جوهرية في أداء الكاتب رسالته الأدبية بنجاح وفي إقناعه المتلقين بها، أي أن الإنتاج الأدبي الراقي «قيمة ورسالة في حد ذاته»، بل هو أهم رسالة يمكن أن يتلقاها المجتمع وتمتعه وتؤثر فيه.

وأشارت الأديبة التي تعمل أستاذة للأدب إلى أن الأديب إذا تأكد من أدواته الكتابية وصقل تجربته وهذبها بالقراءة والاطلاع والحوار مع الثقافات المختلفة، سيكون «فاعلا في حراكه الحضاري، لا مفعولا به، وسيكون مؤثرا ومقنعا، لا تابعا وممسوخا». وتستذكر خطاها الأولى على درب التعلم، حيث زاوجت كغيرها من أبناء جيلها بين الدرس المحظري (النظام التقليدي لتدريس القرآن الكريم واللغة العربية وعلومهما)

والدراسة النظامية، وكانت في طليعة اللواتي ولجن مقاعد الدرس النظامي من بنات قريتها.

وكانت محضرة جدها «ألمين بن سيدي (أيمين)»، في المنطقة الغربية من موريتانيا، تمثل قبلة للزوار ومركزا علميا وثقافيا معروفا تخرجت فيه أجيال عديدة على مدى ثمانية عقود.

وفي أكناف هذه المحضرة تربت البنت اليافعة، وفيها درست المتون النحوية واللغوية والسير والتاريخ.

وشكلت مكتبة والدها العصرية رافدا أساسيا ومعينا ثريا لمطالعاتها المبكرة في أمهات كتب الأدب والتاريخ، حيث قرأت كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني بأجزائه الكاملة، وكتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه، وكتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة، وكتاب «الذخيرة» لابن بسام، وكتاب «الحيوان» للجاحظ، ودواوين أبي تمام والبحتري والمتنبي وابن الفارض وابن زيدون، فضلا عن كتاب عصر النهضة وشعرائها كأحمد أمين وتوفيق الحكيم وأحمد شوقي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمه وطه حسين وعباس محمود العقاد.

ووضحت منت البراء أن كتابة المرأة ظلت ولا تزال تصنف ضمن أدب الطبقات المهمشة، مبينة أن الاعتراف بها محدود ومحاط بالكثير من علامات الاستفهام رغم شيوع الثقافة بين أبناء المجتمع والسماح للمرأة بإسماع صوتها، بل رغم اعتراف النقاد والدارسين بأقلام نسائية فرضت كتابتها الروائية والنقدية والشعرية في الساحة الثقافية.

وأضافت أن الطريق إلى الكتابة «لم يكن مفروشا بالورود إطلاقا»، فإضافة إلى الموانع الاجتماعية التي تجعل المرأة في المجتمعات المحافظة غير معنية بالشأن الثقافي، هناك التشكيك في قيمة ما تكتب ومزاحمتها الرجل في عالم الكلمة.

وقد واجهت الأديبة منذ اهتمامها بالكتابة هذه الموانع والزواجر مجتمعة، ولم تكد تعلن عن نفسها إلا في وقت متأخر نسبيا.

إذ ظلت كتاباتها في مرحلتها الثانوية والجامعية حبيسة دفاتر خاصة ضاعت منها ذات سفر.

وكان أول نص ظهر لها هو قصيدة «

انتظار» في بداية الثمانينات تحت اسم مستعار.

وحين نشر هذا النص في صحيفة «

الشعب» اليومية هلل له قراء الشعر ونقاده وقدموا فيه قراءات نقدية جيدة، مما شجع الشاعرة على النشر باسمها.

وبموازاة السؤال الذي ما يزال يواجهها ويؤرقها: «ما القيمة الأدبية لما تكتبين؟ وهل أضاف جديدا في عالم الكتابة؟»، نشرت باته منت البراء مجموعة إصدارات يدور أغلبها في حيز الأدب، وبخاصة الشعر الذي صدر لها فيه: «ترانيم» (1992)، و«مدينتي والوتر» (1996)، و«أحلام أميرة» (1998)، و«أهازيج المساء» (2007)، وتكشف الأديبة الموريتانية أن أقرب نتاجاتها إلى قلبها هو الكتابة الشعرية، حيث تعبر عن حالات عاشتها وتعلن موقفها من الإنسان والوجود والإبداع والحب والزمن وغير ذلك.

فقد كتبت عن هَم الأرض والناس والوطن، وكتبت عن المرأة ومعاناة الإبداع، وتطرقت إلى قضايا وجودية لا يتوقف الإنسان عن التفكير فيها.

كما شغلها كتاب الطفل، إذ قامت بأولى تجربة حين جمعت حكايات الجدات على المسامع ترفيها وتوجيها، ونشرتها في ثلاثة أجزاء (1998)، مراعية في كتابتها المستوى الذهني للطفل وموجهة رسائل ضمنية من الأخلاق والقيم والمثل الفاضلة.

وتوسعت منت البراء في هذه التجربة حين كانت عضوا في اللجنة الوطنية المكلفة من طرف رئاسة الجمهورية بالإشراف على جمع الحكايات الشعبية الموريتانية وتعريبها.

أما عن اهتماماتها النقدية فحدث ولا حرج، إذ درست تجربة الشعر الموريتاني الحديث (1999)، وقدمت فيها قراءة للقصيدة الموريتانية المعاصرة:

مضامينها وبنيتها ومعجمها والصورة فيها.

هذا بالإضافة إلى الاشتغال على الزجل الحساني (لغن) وخاصة فن «التبراع»، وهو نوع خاص بالمرأة، يتألف من شطرين قصيرين ولكنهما بالغا الرمزية والتكثيف.

وتعتبر الأديبة أن الشعر الموريتاني شهد تطورا منذ قيام الدولة أوائل الستينات من القرن الماضي، حين «نزل من برجه المحضري ولغته القاموسية إلى هموم الناس وتطلعات أجيال انفتحت على حين غرة على العالم الخارجي، وخرجت من عالم البداوة واقتصادياته المحدودة إلى عالم المدينة واللهاث بحثا عن قوام للحياة». فجيل السبعينات كما تقول سار على نهج القصيدة العربية المعاصرة وتأثر بالتيارات التي تقلبت فيها، بينما طور جيل الثمانينات أدواته الفنية وخاض بالقصيدة الموريتانية تجربة أكثر التصاقا بالبيئة وأعمق تجذرا فيها.

ووضحت أن القصيدة الموريتانية شهدت مع الأجيال الجديدة تطورا نوعيا ودخولا وجيها إلى الساحة العربية وحضورا متميزا في المسابقات الإقليمية، واصفة الحالة الشعرية في موريتانيا الآن بأنها «واعدة وثرية». وذكرت باته منت البراء أن الشاعر الموريتاني شغلته هموم الأمة أكثر مما شغلته هموم نفسه وأرضه، فغنى لفلسطين السليبة ومجد ثورتها، وشغلته حرب لبنان وعايش أحزانها، واتخذ موقفا معروفا من حربي الخليج الأولى والثانية، وأنذر من مغبة التشرذم والتصدع في قلب الأمة العربية، وواكب ثورات «الربيع العربي».

وانشغل بها وهو يرى الأرض تحرَق، والأطفال والأسر يقتلون ويهجَرون، والحضارات العريقة تمحى في العراق والشام.

وقالت الأديبة: «لو قارنا بين الشعر الموريتاني خلال هذه الفترة والشعر في عموم الوطن العربي لوجدنا أن المساحة الشعرية في بلدنا لا يستهان بها كما ولا نوعا، ولكنها لم تجد التغطية الإعلامية اللازمة، ولم تتح لها فرص النشر والرواج في المنتديات الإقليمية ومعارض الكتاب الموسمية، وهو ما انعكس سلبا على التعريف بها والترويج لها»، ورأت أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسيطا مهما في الكشف عن تجربة الشعر الموريتاني الحديثة وتعريف الآخرين بها.