أفكار وآراء

فلسطين.. تنقذ القمة العربية

02 أبريل 2017
02 أبريل 2017

عماد عريان -

القضية الفلسطينية كانت هي الرهان الأساسي لكثير من المحللين لخروج القمة العربية قبل أيام في الأردن بموقف ختامي مناسب في هذه الظروف الصعبة، ويبدو أن أصحاب هذا الرهان قد فازوا بالفعل مثلما فازت القضية الفلسطينية ذاتها، فقد نجحت في تحقيق درجة عالية - وربما غير متوقعة - من النجاح لقمة «البحر الميت» بالتفاف القادة العرب حولها باعتبارها القضية العربية المركزية منذ عشرات السنين وكذلك باعتبارها المنفذ المهم لتجاوز الخلافات والشقاقات الأخرى حول عديد من القضايا الساخنة التي تضرب أمتنا العربية بعنف، بينما تحولت القمة بالفعل إلى شريان حياة يضخ مزيدا من الدماء في الجسد الفلسطيني و إحياء قضيته لتتصدر المشهد الشرق أوسطي والعالمي من جديد.

وتبقى تلك النتائج مقبولة إلى حد كبير حتى ولو اعتبرها البعض متوقعة وتقليدية ولا تحمل جديدا من حيث الصياغة وافتقاد آليات التنفيذ وكذلك غياب الخطط البديلة أو التصعيدية في حالة استمرار الجمود أو عدم تلبية هذه المطالب من الجانبين الإسرائيلي والأمريكي مع التصعيد المحتمل على وجه الخصوص . ولكن الإنصاف السياسي يقتضي عدم التعجل والتسرع في انتقاد هذه النتائج بما يعكس حالة من جلد الذات غير المرغوب فيه في المرحلة الدقيقة تلك التي تعصف بكثير من الدول العربية وتكاد أن تعصف بالعمل العربي المشترك، وبرغم أنه لا يجوز إطلاق توصيفات من قبيل « إنقاذ ما يمكن إنقاذه» أو « ليس في الإمكان أفضل مما كان» على أي تحركات عربية مشتركة، إلا أن القراءة الدقيقة للواقع الحالي تؤكد ان القمة العربية الأخيرة اتسمت بالفعل بالذكاء الشديد في التعامل مع الظروف الجارية ونجحت في لمّ شمل القادة العربية بما جعل التئام شمل القمة بهذا الشكل المشرف أمرا ممكنا ودفعة كبرى للعمل المشترك والحفاظ على دورية الانعقاد، حتى وإن كانت دون الطموحات.

ومن الظلم أيضا اعتبار النجاح في تصدير القضية الفلسطينية والموقف العربي الموحد منها للقمة العربية بمثابة حركة التفاف للنجاح الشكلي هروبا من احتمالات الفشل المخيفة والمريرة بالنسبة للأمة العربية وشعوبها التي لم تعد في حاجة إلى مزيد من الإحباطات، بل يمكن القول إن هناك ظروفا سياسية حقيقية على الصعيدين الإقليمي والدولي فرضت أن تكون القضية الفلسطينية في صدارة المشهد حفاظا على الحقوق العربية والإسلامية والفلسطينية التاريخية وحمايتها من الضياع، فالمحاولات الإسرائيلية لطمس هوية القدس وتهويدها بشكل كامل تسير على قدم وساق وتقريبا تسابق الزمن لتكريس هذه الإجراءات الصهيونية كأمر واقع يصعب تغييره او تعديله بعد ذلك، وكذلك مجيء إدارة جمهورية جديدة على قمة السلطة في البيت الأبيض بزعامة دونالد ترامب بأفكار أكثر تأييدا وأكثر ميلا في تبني المواقف الإسرائيلية جعل من الضروري أن تبادر الدول العربية على مستويات عدة إلى تبني مواقف مضادة لتكريس الحقوق الفلسطينية، وليس خافيا أن مواقف ترامب المخيفة والتي قد يترتب عليها نتائج كارثية تشمل نسف حل الدولتين، ونقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس، وتسهيل الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هذه المواقف لا يمكن القول إنها باتت محسومة أو أنها تحولت إلى قرارات نافذة على أرض الواقع الأمريكي - الإسرائيلي، فلا تزال موضع أخذ ورد ، وشد وجذب بين إدارة ترامب وحكومة نتانياهو وذلك بالنسبة للنقاط الثلاث الحيوية المشار إليها سابقا، فلا يزال هناك تمهل بالنسبة لنقل السفارة وأغلب الظن أنه لن يمر بسهولة في ضوء حسابات معقدة على أكثر من صعيد، وكذلك حل الدولتين سرعان ما بادرت أصوات عاقلة داخل الإدارة الأمريكية إلى التأكيد على أنه ليس مستبعدا وأنه أحد الخيارات المطروحة لتسوية القضية الفلسطينية ، وأن حديث ترامب السابق الذي اعتبر نسفا لهذا الحل لم يكن سوى تأكيد على أنه ليس الحل الوحيد للتسوية ، وأنه يمكن بحث أفكار أخرى دون استبعاد حل الدولتين، وبالنسبة لقضية الاستيطان فليس خافيا الخلافات التي تحدث عنها الإعلام الأمريكي بين الجانبين ، نتانياهو و إدارة ترامب ، في هذا الشأن، أضف إلى ذلك المواقف الدولية المواتية المنبثقة عن قمة باريس وتمسكها بحل الدولتين وتأكيد شرعية الحقوق الفلسطينية وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي في نهاية العام الماضي بإدانة وتجريم الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولا شك في أن هذه الحقائق تمثل تطورات مهمة تحتم مبادرة الدول العربية لسرعة التحرك وتبني مواقف موحدة تجاه هذه الأوضاع الميدانية الخطيرة، خاصة وأن هناك مباحثات مهمة ستجري في البيت الأبيض بين الرئيس ترامب وكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، والرئيس الفلسطيني محمود عباس - أبو مازن ، وقادة عرب آخرين ، وستكون في الغالب القضية الفلسطينية والنقاط الثلاث الحساسة سابقة الذكر في صدارتها، وكان من المهم أن يتوجه القادة العرب إلى واشنطن وهم محملون برسائل ومواقف واضحة وقوية في هذه المسائل المصيرية، وهو ما نجحت القمة العربية في إنجازه بالفعل لتكون القضية الفلسطينية حقا هي المحور المركزي الذي خرجت بفضله القمة بمشهد وحدوي محترم يبعث على الارتياح والتقدير، وما يطمئن أكثر في هذا المقام هو هذا التمسك الواضح بالثوابت الشرعية العربية والفلسطينية والتي وردت في كلمات ومواقف القادة العرب وبيان عمان الختامي، فقد ظهرت النوايا جلية على ضرورة استمرار العمل لإعادة إطلاق مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية بشكل أكثر جدية وفعالية لإنهاء الانسداد السياسي وفق جدول زمني محدد يهدف لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية و الذي يشكل السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار.

ولم يفت القادة العرب إظهار حسن نياتهم تجاه عملية السلام بالتشديد على ان السلام الشامل والدائم خيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام التي تبنتها جميع الدول العربية فى قمة بيروت فى العام ٢٠٠٢ ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي ، والمبادرة لا تزال تشكل الخطة الأكثر شمولية وقدرة على تحقيق مصالحة تاريخية تقوم على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وتضمن معالجة جميع قضايا الوضع النهائي ، وفي مقدمتها قضية اللاجئين وتوفر الأمن والقبول والسلام لإسرائيل مع جميع الدول العربية والالتزام بالمبادرة والتمسك بجميع بنودها خير سبيل لتحقيق السلام الدائم والشامل.

وفي الوقت ذاته فإن القمة العربية أكدت تمسكها بهذا الخيار على أساس تمسكها بالثوابت الفلسطينية وعلى رأسها رفض كل الخطوات الإسرائيلية الأحادية التي تستهدف تغيير الحقائق على الأرض وتقوض حل الدولتين، والتمسك بقرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن رقم2334 ، والتي تدين الاستيطان ومصادرة الأراضي.علاوة على دعم مخرجات مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط والذي جدد التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين سبيلا وحيدا لتحقيق السلام الدائم.وأيضا رفض جميع الخطوات والإجراءات التي تتخذها إسرائيل لتغيير الوضع القانوني والتاريخي في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة،وذلك لحماية المدينة المقدسة وهوية مقدساتها العربية الإسلامية والمسيحية،وخصوصا المسجد الأقصى الشريف.المطالبة بتنفيذ جميع قرارات مجلس الامن واليونسكو المتعلقة بالقدس،والتي تعتبر كل إجراءات إسرائيل المستهدفة تغيير معالم القدس الشرقية وهويتها باطلة ، ومطالبة دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.

هذه المواقف التي أكدت التمسك العربي بالثوابت الفلسطينية هي في حد ذاتها انتصار للعمل العربي المشترك وتبقى الخطوات التالية تأسيسا على ما تحقق في قمة « البحر الميت « الأكثر أهمية لأنها بالفعل ستكرس العمل العربي المشترك بشكل افضل حول قضيتنا المركزية التي نظن بالفعل أنها كانت بمثابة طوق النجاة لإنقاذ القمة وعودة الروح لمفهوم العمل العربي المشترك.. ولو إلى حين.