أفكار وآراء

ترجمات : تآكل الديمقراطية يمتد إلى دول غربية !!

02 أبريل 2017
02 أبريل 2017

جيديون راكمان -

ترجمة قاسم مكي -

الفاينانشال تايمز -

بعد سقوط جدار برلين، كانت هنالك «موجة ديمقراطية.» فالحرية السياسية انتشرت من معاقلها التقليدية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. وتحولت بلدان في تنوع بولندا وجنوب إفريقيا وأندونيسيا إلى الديمقراطية. ولكن يبدو أن العملية انعكست الآن. فقد امتدت موجة استبدادية انطلقت من خارج ديمقراطيات الغرب الراسخة إلى الولايات المتحدة وأوروبا. وتمدد إحياء المواقف والممارسات الاستبدادية الذي كشف عن نفسه أول مرة في الأنظمة الديمقراطية الفتية مثل روسيا وتايلاند والفلبين إلى السياسة الغربية. فبولندا والمجر بهما حكومتان لهما ميول استبدادية. غير أن أكثر تطور مثير كان انتخاب رئيس أمريكي يعتبر الصحافة الحرة «عدوا» ويُكِنُّ احتراما ضئيلا للقضاء المستقل. تهدد هذه الموجة الشعبوية بتقويض افتراضات مريحة (تأنس إليها النفوس) حول الكيفية التي تشتغل بها السياسة. فالاعتقاد بأن السياسة في ديمقراطيات الغرب الغنية والراسخة مختلفة جذريا عنها في ديمقراطيات أمريكا اللاتينية أو آسيا يحتاج إلى مراجعة. ويتزايد اهتزاز الفكرة التي ترى أن أعضاء الطبقة الوسطى والشباب هم دائما مؤيدون خلصاء للديمقراطية. لقد سبق للأكاديميين «روبيرتو فُوا» و«ياشا مونك» أن وصفا تآكل القيم الديمقراطية في الغرب في مقال نال حظا كبيرا من النقاش في العام الماضي قبل انتخاب دونالد ترامب. سلط مقالهما الضوء على صعود المشاعر المعادية للديمقراطية في الولايات وأوروبا كلتيهما. إحدى نقاطهما اللافتة كانت أن واحدا من بين كل ستة أمريكيين يعتقد الآن أن «الحكم بواسطة الجيش» فكرة جيدة. وكانت هذه النسبة واحدا من بين كل 16 أمريكيا في عام 1995. وفي حين أن أكثر من 70% من الأمريكيين الذين ولدوا في أعوام الثلاثينات يعتقدون «بضرورة» العيش في نظام ديمقراطي إلا أن 30% فقط من أولئك الذين ولدوا في أعوام الثمانينات يوافقون على ذلك. كما أن هنالك تدهورا شبيها وإن يكن أقل وضوحا في الإيمان بالمؤسسات الديمقراطية في أوروبا. فقد توصل الكاتبان المذكوران «فوا» و«مونك» إلى أن الثقة في المؤسسات السياسية كالبرلمان أو المحاكم تدهورت بشدة في كل الديمقراطيات الراسخة بأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة. إن «فوا» و«مونك» يركزان على الغرب. ولكن إحياء الاستبداد «الناعم» أشد وضوحا في بلدان كانت في يوم من الأيام رموزا لموجة الديمقراطية مثل الفلبين التي أسقطت نظام ماركوس في عام 1986 وروسيا التي انتهى فيها حكم الحزب الشيوعي في عام 1991 وجنوب إفريقيا التي أنهت سياسة الأبارتهيد (التفرقة العنصرية) في عام 1994. لقد احتفظت كل هذه البلدان الثلاثة ببعض عناصر الديمقراطية مثل الانتخابات. ولكنها شهدت تآكلا للمعايير الديمقراطية وتبنيا للحكم «المُشَخْصَن» الذي سمح بازدهار الفساد. ففي روسيا أوجد الانهيار الاقتصادي وغياب حكم القانون في أعوام التسعينيات شروط إحياء حكم الاستبداد تحت رئاسة فلاديمير بوتين. لقد صاغ الرئيس الروسي قالبا للسيطرة الناعمة يجمع بين القومية والشعبوية ومهاجمة وسائل الإعلام والتحالف الوثيق بين الرئاسة وأوليغارشية (أقلية حاكمة) ثرية. ربما ليس صدفة أن بعض التحذيرات الأكثر تبلورا وفصاحة ضد الترامبية كانت قد صدرت عن روس مُنشَقِّين من أمثال «غاري كاسباروف» و«ماشا غيسين» . ومن جانبه ظل «رودريغو دوتيرتي» ، رئيس الفلبين القوي، يقترض بكل حرية من قواعد لعبة بوتين. فتبنيه لفكرة العدالة الفورية (القصاص بلا محاكمة) أرعبت الفلبينيين الليبراليين.

ولكنها راقت جدا لجمهور روَّعته الجريمة والمخدرات. لقد كان أداء «دوتيرتي» جيدا بالنسبة للناخبين الشباب الذين لم يعاصروا تقريبا الصراع من أجل تأسيس الديمقراطية في الفلبين. ويهدد نفس النموذج جنوبَ إفريقيا. ويأمل العديدون من الليبراليين الجنوب إفريقيين في أن تشهد نهاية سنوات رئاسة زوما إحياء ديمقراطيا أكبر . ولكن يمكن أن تمضي الأمور في الاتجاه الآخر. فسايمون فريمانتل، كبير خبراء الاقتصاد السياسي بمصرف ستاندارد بانك، يحذر من أن «اللحظة الترامبية لجنوب إفريقيا تختمر.» وهو يشير إلى الاستطلاعات التي تظهر أن جيل جنوب إفريقيا «الذي ولد حرا» بعد إطلاق سراح نيلسون مانديلا في عام 1990 أقل تأييدا للديمقراطية من أولئك الذين يملكون ذكريات عن النضال ضد سياسة الأبارتهيد. كما أن هنالك تأييدا متزايدا في جنوب إفريقيا لترحيل المهاجرين غير القانونيين «على الطريقة الترامبية». السؤال: ما هو ذلك الشيء الذي يربط بين تآكل تأييد الديمقراطية في بلدان متنوعة مثل روسيا والفلبين وجنوب إفريقيا بل وحتى الولايات المتحدة؟ «يتلخص هذا الرابط» في أن الديمقراطية بالنسبة للعديد من الناخبين وسيلة إلى غاية وليست غاية في حد ذاتها.

وإذا فشل نظام ديمقراطي في الوفاء بمهامه كما في جنوب إفريقيا أو في بسط الأمن وجلب الطمأنينة كما في الفلبين أو ارتبط بركود في مستويات المعيشة كما في الولايات المتحدة فحينها سينجذب بعض الناخبين إلى البديل السلطوي. والمرجح أكثر أن يكون هنالك اندفاع نحو تأييد ذلك في سياق تصاعد عدم المساواة حين يبدو النظام السياسي والاقتصادي «مُتلاعَبا به» لمصلحة أصحاب العلاقة. بالطبع سيكون هنالك دائما أناس ينظرون إلى الحرية السياسية كقيمة في حد ذاتها ويعتبرونها شيئا لا غنى عنه للكرامة البشرية. ولكن يندر نسبيا وجود أولئك المنشقين الذين هم على استعداد للذهاب إلى السجن تأييدا لحرية الكلام . لقد كان رونالد ريجان، الرئيس الأمريكي الذي شهد آخر أعوام الحرب الباردة، يحب أن يتباهى بقوله إن الحرية تؤتي أُكُلَها. ولكن، لسوء الحظ، إذا كف الناس العاديون عن الاعتقاد بذلك فقد يتخلى البعض عن هذه الحرية.