أفكار وآراء

الانتخابات الهولندية تكسر صعود اليمين المتطرف في أوروبا ..

02 أبريل 2017
02 أبريل 2017

جمال إمام -

لم تكن الانتخابات الهولندية شأنا هولنديا خالصا بقدر ما كانت مرآة لما يمكن أن تكون عليه الخريطة السياسية الأوروبية حتى نهاية العقد الحالي ..

لم تكن الأزمة التركية الهولندية الأوروبية غائبة بأي حال من الأحوال عن مشهد الانتخابات العامة في هولندا 2017 التي أسفرت عن فوز الحزب الحاكم حزب الشعب للحرية والديمقراطية بزعامة رئيس الوزراء مارك روته في مواجهة حزب «الحرية» اليميني المتطرف الذي يتزعمه خيرت فيلدرز ..

وذلك بفارق مريح 33 مقعدا لحزب الشعب مقابل 20 مقعدا لحزب الحرية حتى وإن كانت النسب على الجانبين مختلفة كثيرا عن الانتخابات السابقة في 2012

( 41 مقعدا بالمقارنة بـ 15 مقعدا ) وذلك من أصل 150 هي مقاعد البرلمان الهولندي ..

والسبب ببساطة أن الأزمة لم تكن غائبة عن مناخ الانتخابات فموقف الهولنديين الموحد من أزمة العلاقات مع تركيا واصطفاف أوروبا ودعمها لهولندا ( انضمت ألمانيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا لدعم الهولنديين ) ..

لم يُنسهم المعركة الرئيسية ضد المد الصاعد للأحزاب اليمينية المتطرفة وللتيار الشعبوي الذي يمثل خطرا شديدا على مستقبل أوروبا الموحدة في ظل خطابه السياسي الذي يتبنى ليس فقط رفض اندماج تركيا في أوروبا وإنما تشجيع الانفصال عن الاتحاد الأوروبي نفسه ..!!

ويرى في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خطوة مهمة ينبغي البناء عليها في إطار شعاراته عن الهوية والقومية ..

لذلك جاءت نتيجة الانتخابات العامة في هولندا لتعطي مؤشرا على ارتياح أوروبا عموما بعدم تقدم هذه الأحزاب اليمينية والشعبوية ومن بينها حزب «الحرية» اليميني المتطرف الهولندي الذي يتزعمه خيرت فيلدرز والذي تنظر إلى أدائه في هذه الانتخابات على أنها خسارة حقيقية ومهمة ..

فرغم بعض التقدم الذي أحرزه في الانتخابات فقد حل ثانيا في الترتيب الانتخابي بعد الحزب الحاكم ولم يحقق النتيجة التي كان يتوقعها مدعوما باستطلاعات الرأي التي ظلت لفترة طويلة تمنحه المرتبة الأولى ..

في الوقت الذي رفضت فيه أغلب الأحزاب المؤثرة في المشهد السياسي وخاصة الحزب الحاكم التحالف معه لتشكيل حكومة جديدة وذلك بسبب خطابه المتطرف خصوصا تجاه الوحدة الأوروبية ..

وعلى ذلك فإنه يمكن اعتبار الانتخابات الهولندية على العموم ، بمثابة مجسات للمزاج الأوروبي تجاه حركة المد التي ارتفعت معها حدة خطاب الأحزاب اليمينية الأوروبية التي أثارت موجة من المخاوف لدى الأحزاب الليبرالية واليسارية والاشتراكية نظرا لتبني هذه الأحزاب اليمينية خيارا شعبويا رافضا للاتحاد الأوروبي ..

فما بالك بالأجندة التي تتبناها أيضا تجاه الأجانب وتركز فيها على الهوية وتفاقم الكراهية للمهاجرين وتنامي الشكوك بشأن الوحدة الأوروبية وزيادة دعوات الانفصال بعد قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي وارتفاع منسوب ظاهرة الإسلاموفوبيا ..

وهي تحديات لفت إليها بيان تجمع الأحزاب الاشتراكية الأوروبية الذي يضم الأحزاب الاشتراكية والاشتراكية الديمقراطية والعمالية في الاتحاد الأوروبي حيث حذر من «تحديات» تنتظر أوروبا في الأشهر المقبلة مع انتخابات أساسية في عدد من الدول الأعضاء عام 2017 وما بعده ..

لذلك فإن الانتخابات الهولندية قبل أيام وما واكبها من تباين في أداء الأحزاب الهولندية شكلت جزءا من المأزق الأوروبي الذي كان ينظر للانتخابات وللأزمة التركية الهولندية الأوروبية وخاصة فيما يتصل برفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي على أنهما وجهان لمشكلة بالغة الدقة والحساسية لأوروبا عموما وللاتحاد الأوروبي على وجه التحديد ..

وبالتالي لم تكن الانتخابات الهولندية شأنا هولنديا خالصا بقدر ما كانت مرآة لما يمكن أن تكون عليه الخريطة السياسية الأوروبية حتى نهاية العقد الحالي ..

والواقع أن نتائج هذه الانتخابات جاءت معبرة عن طموحات وآمال الأوروبيين الذين سكنهم الخوف من احتمال استمرار المد اليميني والشعبوي الذي يمكن أن يقوض بسهولة الاتحاد الأوروبي ..

فجاء تراجع حزب «الحرية» اليميني المتطرف الذي يتزعمه خيرت فيلدرز وخسارته للمركز الأول بمثابة ضربة قوية لطموحات التيار الشعبوي في أن يسيطر على الانتخابات في عموم أوروبا ..

على اعتبار أنها أول انتخابات من سلسلة انتخابات حاسمة ستجري في أوروبا (فرنسا وألمانيا) ويمكن أن ترسم من خلال هذين البلدين القياديين المشهد السياسي الأوروبي وما يتبعه من تحول في السياسات الداخلية ..

في توقيت تواجه فيه أوروبا تحديات أخرى على صعيد علاقاتها بحليفها الرئيسي الولايات المتحدة والتي تمر بمرحلة دقيقة ربما قد تشهد تحولات كبيرة ..

خاصة مع حالة الجدل بشأن نتائج زيارة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل للولايات المتحدة كنموذج للمتغيرات التي طرأت على العلاقات الأوروبية الأمريكية عبر ضفتي الأطلسي ..

ومن ثم فإن حالة الارتياح التي كانت عليها أوروبا من جراء تمكن رئيس وزراء هولندا المنتمي ليمين الوسط مارك روته من كسر موجة اليمين المتطرف بفوزه على منافسه المناهض للاتحاد الأوروبي خيرت فيلدرز في الانتخابات ..

كانت معبرة عن تراجع حالة القلق كما أنها كانت بمثابة قوة دفع للناخبين الأوروبيين باتجاه هزيمة اليمين المتطرف الذي يروج لقيم سياسية واقتصادية مخالفة ، وربما تزيد من التراجع الاقتصادي الأوروبي وتعمق من المأزق السياسي والاقتصادي عموما للاتحاد الأوروبي ولدوره الإقليمي والدولي ..

اليوم بعد نتائج الانتخابات الهولندية هناك حالة من تنامي الشعور لدى الحكومات الليبرالية الأوروبية بإمكانية هزيمة اليمين المتطرف في صناديق الاقتراع وأن ما حدث في هولندا يمثل بداية لنهاية صعود التيار القومي الأوروبي ..

لأن فوز خيرت فيلدرز في هولندا كان سيمثل دعماً للزعيمة الفرنسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان التي تأتي في المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي حول انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة المقررة في شهري أبريل ومايو وللأحزاب الشعبوية في أماكن أخرى والتي تريد الحد من تدفق المهاجرين وإضعاف الاتحاد الأوروبي أو تفكيكه في نهاية المطاف ..

وربما تعبير جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية بشأن نتائج الانتخابات الهولندية بأنها تمثل «إلهاماً للجميع» فيه تلخيص لحالة الفزع التي كانت عليها أوروبا من الأحزاب اليمينية إذا ما شكلت الحكومات القادمة ..

باختصار هل تتنفس أوروبا الصعداء إلى حين الجولة القادمة من الانتخابات العامة الأوروبية في فرنسا ..

الواقع أن أوروبا تحلم واليمين المتطرف يترقب تصحيح الأوضاع ..

يا له من مأزق أوروبي ..!!