abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش...ومتون : عود وسنطور ورخام عماني

01 أبريل 2017
01 أبريل 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

مجموعة عناصر فنية تنتمي لعدّة ثقافات، تضافرت مع بعضها البعض، واجتمعت في مكان واحد، فاختلط النحت، والموسيقى الشرقيّة والغربيّة، والحوار الثقافي المتبادل، بين ضيوف الفعالية، والآلات الموسيقية، وفي مقدّمتها العود، أقدم الآلات التي يعود تاريخها إلى 5000 سنة،كما دلّت على ذلك نقوش أثرية حجرية عثر عليها في شمال سوريا، أظهرت صور نساء يعزفن على العود، وإلى جانب العود حضرت آلة السنطور الشبيهة بآلة القانون، والتي يستخدم العازف بها مضربون من الخشب يضرب بهما على الأوتار، وتعود معرفة الإنسان بها إلى زمن البابليين،كما أكّدت ألواح ملحمة (جلجامش)، ومع آلتي العود، والسنطور، حضرت آلة النفخ النحاسية (الترومبون)، كل ذلك جاء في ليلة مسقطيّة، بدأت بتدشين منحوتة من الرخام العماني، حفر عليها إزميل النحات السوداني بكري الفل، ملحمة «المجد» العماني على الرخام، واستقى أفكارها، من التاريخ، ورموزه، التي حفرها على الحجارة الصلدة، فأظهرت الكثير من المعاني، وقد جعل الخنجر العماني واجهة لها، فوضعه في مقدّمة المنحوتة التي بلغ طولها حوالي مترين، وعرضها مترا ونصف المتر، وارتفاعها ثلاثة أمتار تقريبا، فيما جعل خلفيتها قلعة تقف شامخة، شموخ التاريخ، وبين الخنجر، والقلعة، العديد من الرموز الماضي، ومفردات الحاضر، التي ارتدت عباءة البياض الذي هو رمز الطهر، والنقاء، ليغمرها بفيضه، وجلاله، تلك المنحوتة أخذت مكانها في الساحة الخارجية لمبنى النادي الثقافي، الذي احتضن الفعاليّة في مبناه المطل على مرتفع، يشرف على حديقة القرم الطبيعية، وما خلفها من مبان، ومناظر جميلة، وفيما كانت الأعين تتفحّصها، باهتمام، هناك وقف بكري الفل بزيّه السوداني التقليدي يشرح للحضور دلالات منحوتته،والأساليب التي اشتغل عليها، ومراحل تنفيذ هذا العمل، والرخام العماني الذي عدّه من أفضل أنواع الرخام في العالم، ويتسم بالصلابة، والجودة العالية، ولكن هذه الصلابة لم تصمد أمام ضربات أزميله، ورؤاه التي تشكلت من خلال إقامته في السلطنة، وزياراته العديد من الأماكن، وقد مكّنته تلك الزيارات من الاطلاع على ثقافة البلد وأزيائه وعاداته، وتقاليده التي تحوّلت إلى أفكار حفرها على الرخام.

وازدانت الأمسية بالموسيقى العمانيّة التي قدّمها العازفان هلال البلوشي، ومحمد الحبيب الجنحاني، فأضفت على المكان جمالا، وعندما اهتزّت الأوتار أصغى الحضور، فجعلت تلك النغمات المكان أكثر اتساعا وعمقا، ولم تنته الأمسية عند هذا الحد، إذ انتقل الحضور إلى قاعة الفنون التشكيليّة، حيث وقف التراث الموسيقي العراقي، منتصبا، وسط جمهور من مختلف الجنسيات، وعلى المنصة جلس العازفان أمير الصفار، وعمر بشير اللذان عُرفا بمزج موسيقى الجاز بالآلات الشرقية، وكانا قد وصلا مسقط بدعوة من دار الأوبرا السلطانية مسقط لإقامة أمسية موسيقية، فيما جلس بينهما د.ناصر الطائي الذي تحدث حول «الموسيقى في المهجر»،وما قدمته من عطاءات، مستشهدا بنماذج موسيقية معروفة مثل زرياب،وملا عبود الكرخي، وجاء دور الصفار الذي مزج بين الموسيقى التقليدية، وموسيقى الجاز، فبرع في ذلك، وعلى إيقاعات الجاز، والآلات الشرقية غنّى مقاطع من المقام العراقي، وتحدّث الصفار المولود في شيكاغو من أب عراقي، وأم أمريكية، عن تجربته مع الموسيقى التي بدأت منذ صغره عندما تعلم العزف على (الجيتار)، وظهر عشقه لموسيقى الجاز، حتى سافر إلى بغداد، وكان عمره24 عاما وهناك فهم الموسيقى بطريقة ثانية، كما قال فدرس وتعلم العزف على آلة السنطور، ثم انتقل المايكرفون لعازف العود عمر بشير، الذي قدم أعماله على مسارح أرقى قاعات الموسيقى في العالم، ونال عدة جوائز مرموقة، فتكلّم عن دروسه الموسيقية الأولى التي تلقاها بداية من سن الخامسة على يد والده عازف العود الشهير منير بشير، وفي عام 1991 ترك بغداد متوجها إلى بودابست بالمجر ليواصل دراساته الموسيقية، حيث تعلم هناك العزف على الجيتار، وأتقنه، كما تعلم الموسيقى الغربية، وقدّم عروضا عديدة حول العالم.

كانت الدقائق تمرّ، والجمهور يتابع، وكان لا بدّ للأوتار أن تتكلّم، فقدّم العازفان مقطوعات على آلة العود، والسنطور كما اشتركا بمقطوعة مشتركة، عزف خلالها بشير على (العود)، فيما عزف الصفار على آلة (الترمبون)، فامتزجت نغمات الآلتين، في مقطوعة واحدة، تفاعل معها الحضور الذي وجد نفسه محاصرا بالجمال، فالموسيقى أمامه، ومنحوتة الرخام خلفه، وتحيط به من الجانبين لوحات علّقت في القاعة، فكان تناغما جميلا في الفنون.