أفكار وآراء

في مسألة الإصلاح وأولوياته «تعقيب»

01 أبريل 2017
01 أبريل 2017

عبدالله العليان -

ان جمال الدين الأفغاني اتهم من قبل الجماعات السلفية ـ المعتدلة منها والمتطرفة ـ بأنه يريد توحيد الأديان كلها، وأنه ماسوني متستر بالإسلام، وبقضية تجديد الفكر الإسلامي،وحتى أنه يشرب الخمر، إلى آخر التهم.

في مقاله بجريدة عُمان بتاريخ 15 مارس الماضي والذي حمل عنوان (إصلاح التعليم.. لا يكفي وحده لمنع التطرف) قال الزميل العزيز د/‏‏ عبد العاطي محمد: (ان الاهتمام بدور التعليم ليس وليد اللحظة الراهنة، وإن كانت قد أعطته أولوية قصوى..لنا أن نتذكر الخلاف القديم بين الإمام محمد عبده في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبين أستاذه جمال الدين الأفغاني حول نفس القضية، حيث كان الأول شديد الاقتناع بأهمية التعليم ليس فقط للخروج من التخلف واللحاق بركب التقدم الذي أحرزته أوروبا، وإنما لإصلاح الفكر الديني الإسلامي نفسه بتحريره من الجمود والتشدد، بينما الثاني كان مهتمًا بالثورة السياسية فقط .وامتد الخلاف بين التوجهين إلى يومنا هذا). والحقيقة أنني أجد هذا الرأي يحتاج إلى تصويب فيما قاله الدكتور عبدالعاطي محمد، حول ما أسماه (باختلاف التوجهين) بين الإمامين المذكورين ،ولم نقرأ أن هناك اختلافاً بين رؤية المصلح جمال الدين الأفغاني، وبين الإمام محمد عبده، من حيث أهداف الإصلاح ، فكلاهما كانا معاً يريدان نهضة هذه الأمة، والدعوة إلى يقظتها من الجمود والتخلف، والتخلص من الهجمة الاستعمارية على أرضها ومقدراتها، وعندما جاء العلامة جمال الدين الأفغاني إلى مصر، والتقى بالإمام محمد عبده والعديد من العلماء والمفكرين،تقاربت وجهات النظر عن ضرورة الإصلاح، وتنبيه الأمة إلى راهنها الصعب، في ظل ضعفها الخطير، وتكالب الدول الاستعمارية عليها،ووصل الأمر إلى فكرها وهويتها الذاتية، وكانت التوجهات بين الإمامين واحدة في مسألة الإصلاح والتجديد الديني والفكري، ومواجهة الاستعمار، وتحرير الأوطان، وكانت لدعوة المصلح جمال الدين الأفغاني الأثر الكبير في اهتمام الإمام محمد عبده بما قاله ونشره في مصر،وقد اتفق الإمامان على إيجاد الوعي بالعلم والمعرفة، ونبذ الخرافات والجهل،وأهمية إرساء دعائم التجديد وإصلاح الفكر الإسلامي،بما يؤسس لمرحلة جديدة من الفهم الصحيح لهذا الدين القويم الذي سيقود الأمة لمرحلة جديدة من النهوض،بعدما بقي الشرق لفترة طويلة يرزح تحت نير الجهل والتخلف والتأخر العلمي والفكري لفترة امتدت لقرون، وهذه كانت دعوة الأفغاني وعبده معاً، عندما التقيا في مصر، لكن الاستعمار أدرك مخاطر دعوة المصلح جمال الدين الافغاني وتلميذه الإمام محمد عبده، فتم اعتقال الأفغاني ونفيه من مصر 1879، والتي كانت مجال حركته ونشاطه على اعتبار مصر عاصمة منارة العلم بوجود الأزهر والمؤسسات الثقافية والإعلامية، وقد أدرك الاحتلال البريطاني آنذاك مخاطر دعوة جمال الدين، وانه يحرّض ويحاول أن يؤلب الشعب المصري على عدم الاستقرار، كما يراه المندوب السامي البريطاني آنذاك، بعد دعمه وتأييده لتأسيس الحزب الوطني الحر المصري الذي كان من بين قياداته أحمد عرابي، ومحمود سامي البارودي، ومحمد عبده، وعبدالله النديم، وأديب إسحاق، وسليم نقاش وغيرهم، وكان الإمام محمد عبده مقتنع بمقاومة الاحتلال من خلال قيادة أحمد عرابي، بعد تأسيس الحزب الوطني الحر، واشترك في المظاهرات الكبرى أمام قصر عابدين في فترة حكم الخديوي إسماعيل، لكن بعد هزيمة الثورة العرابية أمام الاحتلال عام 1881، تم اعتقال محمد عبده ومحاكمته، وتم الحكم عليه بالنفي ثلاثة أعوام خارج مصر، وفي المنفى ـ كما يقول د/‏‏ محمد عمارة ـ «تنقل الأستاذ الإمام في بلاد كثيرة..

فمن بيروت لحق بالأفغاني بباريس، حيث تولى مسؤولية نائب رئيس «جمعية العروة الوثقى» السرية.. ورأس تحرير مجلتها «العروة الوثقى»..ولقد زار ـ نهوضاً بمسؤوليته تلك ـ لندن، داعيا لجلاء الانجليز عن مصر، بل ودخل مصر سراً سنة 1884، ليشرف على تنظيم «الجمعية»، وليرقب، عن كثب أحداث الثورة المهدية في السودان،(في فترة المملكة المصرية)»، لكن الإمام محمد عبده مع اقتناعه بموقفه المتسق مع رأي العلامة جمال الدين الأفغاني في التغيير السياسي، لكنه شعر بإحباط بعد هزيمة الثورة العرابية، وعدم تجاوب بعض الأزهريين،مع رؤيته في التجديد والإصلاح في الأزهر، وبعض المؤسسات الفكرية والدينية، التي لم تتجاوب مع نظرته لنهضة مصر والأمة من خلال الإصلاح الفكري والديني، وانتشال الأمة من الجمود المسيطر على الواقع القائم، فرأى الإمام محمد عبده أن التربية والتعليم، وإيجاد الوعي في الأمة من خلال هاتين الوسيلتين ، هو الطريق الأجدى والأنفع، بدل اختيار العمل السياسي والثوري طريقاً للإصلاح والتغيير، ورأى أن التغيير السياسي والفكري، يبدأ من الإصلاح التعليمي والتربوي،وهذا لا يعني أنه مختلف جذرياً مع المصلح جمال الدين الأفغاني، فكل ظرف له مجاله ويجب التفاعل مع تحولاته،ولذلك اتجه الشيخ محمد عبده إلى الاهتمام بالتعليم، وإلى الإصلاح بالإسلام، ومن أقواله في انتقاد الجمود من المشايخ في كتابه (الإسلام بين العلم والمدنية)، «إن الإسلام لن يقف عثرة في سبيل المدنية أبداً، لكنه سيهذبها وينقيها من أوضارها، وستكون المدنية من أقوى أنصاره متى عرفته وعرفها أهله.

وهذا الجمود سيزول، وأقوى دليل على زواله، بقاء الكتاب شاهداً عليه بسوء حاله، ولطف الله بتقييض أناس للكتاب ينصرونه ، ويدعون إليه ويؤيدونه، والحوادث تساعدهم ، وسوء عذاب الله النازل بالجامدين ينصرهم .هذا الكتاب المجيد الذي كان يتبعه العلم حيثما سار شرقاً وغرباً لا بد أن يعود نوره إلى الظهور، ويمزق حجب هذه الضلالات ، ويرجع إلى موطنه الأول في قلوب المسلمين ويأوي إليها ـ العلم يتبعه وهو خليله الذي لا يأنس إلا إليه، ولا يعتمد إلا عليه».

ود/‏‏ عبدالعاطي محمد أشار في مقاله الى «أن التوجهين امتدا إلى يومنا هذا»، وكأنه يربط بين رؤية المصلح جمال الدين، وقضية التطرف والتكفير،بخلاف توجه الإمام محمد عبده، والحقيقة أن جمال الدين الأفغاني، لم يؤسس لفكر التطرف والغلو، في ذلك العصر حقيقة، بل ان الأفكار المتطرفة لم تكن ظاهرة شهدها القرن التاسع عشر وما قبله، فقد كان الجمود والتخلف، هما سمة الوطن العربي والإسلامي، وكانت نظرة الأفغاني هي مواجهتهما بالوعي بأهمية التجديد

، بالإضافة إلى تحرير البلاد العربية والإسلامية من الاستعمار الذي ساهم في التخلف والتراجع الذي تعيشه الأوطان العربية والإسلامية، لذلك فان ربط التطرف الراهن، بأنه نتيجة لرؤية الأفغاني، لا يستقيم ورؤيته الإصلاحية التي أطلقها في ذلك العصر، التي كانت أكثر انفتاحاً على الأديان والأفكار، ولم تكن في طرحه أية إشارات إلى رؤية جامدة في الفكر الإسلامي، ولذلك الاتفاق بينهما كان قائما، بشكل ما ، لكن الوسائل قد تختلف عند التطبيق،فكل الآراء التي تحدثت عن الأفغاني ورؤيته الإصلاحية، ترى أنه أكثر انفتاحاً من الكثيرين في عصره، وعصر ما قبله تجاه أهمية تجديد الفكر، ورفض الجمود والتخلف، والاهتمام بالعلم والمعرفة للنهوض بالأمة،ويرى د/‏‏ عمار علي حسن في مقالته(فكرة التجديد عند رواد النهضة)، أن «شغل جمال الدين الأفغاني نفسه بسبل النهوض بالواقع الاجتماعي للعالم الإسلامي، أكثر من اهتمامه بالمسائل العقَدية، وكان يقرن النصر بتحقيق الإصلاح السياسي والإصلاح الديني في آن، ورأى أن كلاً منهما مكمل للآخر. وعلى النقيض من هذا اقتنع محمد عبده بأن الإصلاح الديني والعلمي والتربوي يمكن أن يتم بمعزل عن الإصلاح والتجديد السياسي، ومال إلى أن إصلاح الفرد والمجتمع مكمنه في إصلاح المؤسسات التربوية كالأزهر والمدارس والمساجد وجمعية التقارب بين الأديان. وبينما كان الأفغاني سياسياً ومفكراً ثورياً، لا يقبل الحلول الوسط، وينظر إلى الشعوب الإسلامية من غانة إلى فرغانة باعتبارها كتلة واحدة متكاملة، كان الإمام محمد عبده يردد:«خلقت لكي أكون مدرساً».

بل ان جمال الدين الأفغاني اتهم من قبل الجماعات السلفية ـ المعتدلة منها والمتطرفة ـ بأنه يريد توحيد الأديان كلها، وأنه ماسوني متستر بالإسلام، وبقضية تجديد الفكر الإسلامي،وحتى انه يشرب الخمر ، إلى آخر التهم.

فالخلاصة أنني لا اتفق مع ما قاله د/‏‏ عبدالعاطي محمد، أن الأفغاني فكره مختلف عن تلميذه الإمام/‏‏محمد عبده، وأن الفكر الذي طرحه الأفغاني لا صلة له بفكر التطرف والغلو الذي تعيشه أمتنا في وقتنا الراهن.