أفكار وآراء

هل العالم .. على مشارف حقبة جديدة ؟!

01 أبريل 2017
01 أبريل 2017

د. واصل بن عوض القعيطي -

من الأمور التي حدثت عام 2016 كان الاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي، فجاءت النتيجة حافزًا لإعادة النظر في العلاقات الدولية، ثم جاء انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأكيدًا على التغيرات التي تحدث الآن على الأرض، ففي خطاب تنصيبه أعلن ترامب تغييرًا تاريخيًا في علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأخرى، واعدًا بأن سياساته الداخلية والخارجية ستضع المصالح الأمريكية في أولوياتها... وإن انتخاب ترامب أخرج إلى العلن تساؤلات عدة حول أهمية النظام الدولي كما اعتدنا أن نراه؛ إذ أن لديه مواقف تجاه الحلف الأطلسي، وتجاه الاتحاد الأوروبي تختلف عن نظرة أسلافه. لديه مواقف مختلفة تجاه روسيا قد تتصلب أكثر لكنه سيفرق بين عقوبات مفروضة على روسيا بسبب أوكرانيا والحاجة إلى موسكو لمحاربة «داعش» والإرهاب، ثم موقفه الحازم تجاه الصين، واعتبارها المشكلة رقم واحد التي تواجهها الولايات المتحدة في العالم، وعلى الرغم من اعترافه بسياسة «الصين الواحدة»، فإن هذا لا يقلص من حجم المشكلة. كل أطروحاته أملت الكثير من الافتراضات التي مارسنا الكتمان عليها ورميناها وراءنا في الهواء، فهو في خطابه تجنب أن يذكر: «الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان»، مما يشكل تناقضًا مع أسلافه. ملامح تشكيل إدارته تحددت إلى حد كبير، إلا أن توجهات فريق الأمن القومي تجاه قضايا وأزمات العالم بشكل عام وتجاه الشرق الأوسط بشكل خاص ما زالت مثيرة للجدل وموضع تساؤل وحيرة وقلق سواء في الدوائر الأمريكية المعنية بالأمر أو في الأوساط العربية والشرق أوسطية.. وبمتابعة ما ينقل ويشار في تصريحات لـ «ترامب» المتوالية حتى الآن تتأكد أسباب الحيرة ودوافعها. والأمر المحير ـ كما أشار أكثر من دبلوماسي أمريكي في لقاءات ليس ما قاله هو أو أفراد إداراته من قبل أو ما يقال اليوم، ولكن ما قد يقولونه ويفعلونه.. أما بالنسبة لإدارته فالسؤال المطروح: من يكون الأكثر قربا من «أذن الرئيس ترامب»؟! وفي صياغة قراراته وبالرغم من أن السياسة الخارجية الأمريكية لا يحكمها أشخاص وإنما مؤسسات قائمة بحد ذاتها إلا أن المواقف تجاه بعض الملفات قد يكون لها أثر بالغ على شكل مصالح أمريكا في العالم كما على الاستقرار الأمريكي الداخلي والمهدد بالزعزعة والتغيير في حال قام  بتطبيق وعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، حيث لم تلاق العديد من المواقف التي تبناها التأييد من قبل قطاع واسع من المجتمع الأمريكي، ووفقاً لأحدث استطلاع رأي أوردته قناة « أن بي سي نيوز» فإن « 57% من الشعب الأمريكي عارضوا ما طرحه في برنامجه الانتخابي من مواقف مناهضة للأقليات، خاصة الأقليات المسلمة، والتي لم يؤيدها إلا 25% من الشعب الأمريكي»، فتوجهه فيما يتعلق بمعالجة مشكلة الحدود واللاجئين وبناء سور حدودي مع المكسيك لمنع دخول اللاجئين غير الشرعيين، ومنع المسلمين من دخول أمريكا وغيره من التوجهات غير المألوفة والتي إن أراد تطبيقها فإنها ستكلف أمريكا ثمنا باهظاً على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما أدى لقلق الإدارة الأمريكية الحالية وجعلها متحفظة جداً تجاه بعض المواقف. ولم تقتصر تخوفات الإدارة الأمريكية على المستوى الداخلي وإنما رافقتها تخوفات وإجراءات مسبقة لتقييد السياسة الخارجية للإدارة القادمة خاصة في العلاقة مع روسيا وما رافقها من اتهامات لدور روسيا وطبيعة العلاقة الخاصة ما بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب، والذي أشير إلى دوره في التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة .. وعلى صعيد آخر ترافق سلوك الإدارة الأمريكية الأخير والمدججة بحالة من القلق الذي يعتري المؤسسات الأمريكية حول طبيعة المتغيرات التي سترافق الحكم الترامبي وكيفية التصدي لها مع بعض المواقف التي تطرحها أمريكا للمرة الأولى، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل يستطيع الرئيس الأمريكي ترامب تطبيق وعوده وخاصة لإسرائيل في ظل المتغيرات التي اعترت الموقف الأمريكي والدولي كما تجلى في قرار مجلس الأمن الأخير. وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة إلى القيم الليبرالية في جميع أنحاء العالم، وكأنه بذلك يطبق ما خلص إليه تقرير «مؤتمر أمن ميونيخ» والذي عقد أخيرا تحت عنوان:«ما بعد الحقيقة، ما بعد الغرب، ما بعد النظام» حيث رسم التقرير صورة قاتمة عن عام 2017. واللافت فيه أن المؤتمر طرح مقارنة تاريخية جريئة، فقد أعادنا إلى حقبة أواخر الأربعينات من القرن الماضي، خلال أزمة برلين، التي سبقت تشكيل منظمة الحلف الأطلسي، أي فترة تداعيات «خطة مارشال» الأمريكية لإعادة الأعمار ما بعد الحرب، والمجاعات والمصاعب التي عانت منها أوروبا خلال فصل الشتاء من تلك السنوات، وفرض السيطرة السوفيتية على أوروبا الشرقية، فتلك الحقبة التاريخية كانت متقلبة جدًا كالتي نعيشها الآن . تلك المقارنة ما بين تلك الفترة والواقع اليوم؛يؤدي إلى طرح علامات سؤال حول جزء من عنوان التقرير «ما بعد النظام». الواقع كما يتحدث عنه كثير من المراقبين الدوليين عما إذا كان العالم الآن في فترة انتقالية إلى نظام عالمي جديد. حيث إن قوة ليست غربية تعمل الآن على تأطير الشؤون الدولية، أحيانًا بالتوازي، أو حتى على حساب تلك الأطر المتعددة الأطراف التي وضعت أساس النظام الدولي الليبرالي منذ عام 1945،فهل نحن ندخل عالم «ما بعد النظام؟». أعتقد ذلك لأنه من المهم أن ندرك أن البيئة الأمنية الدولية يمكن أن تتغير من خلال خطوات صغيرة، ليس من الضروري أن تكون دراماتيكية أو مثيرة، لكنها تتراكم على مدى سنوات فتصل إلى شيء كبير، فالقضية الآن هي حول كيفية تساقط هذه الأوراق التي رماها ترامب في الهواء. لا نعرف النمط الذي سيتشكل عند ارتطامها بالأرض. لهذا؛ فإننا نمر بمرحلة من عدم اليقين في كل حال. يصل التقرير إلى فصل: ما بعد الحقيقة، وينصح من أجل منع هذا «النوع من العالم»،أن لا شيء حقيقيًا، بل كل شيء ممكن» هي مهمة المجتمع ككل،إن عملية التشكيك في فاعلية منظمة حلف الأطلسي، في شكلها الحالي، أو احتمال التخلي عن التحالفات التقليدية من أجل أخرى جديدة، إنما هي تساؤلات تؤكد تحولاً في العلاقات العالمية والإقليمية بين الدول. يبدو أن تخاصم العالم مع نفسه يهدد بحرب، العالم يهتز، فهل من الممكن للاعبين الأساسيين العثور على بعض الأجوبة؟ هل أن القوى الكبرى، ستقف مع حكم القانون، وإلى جانب المؤسسات الدولية القوية؟ أم أن كل قوة ستعتبر مصالحها فوق الجميع وفوق أي شيء آخر. هذه مسألة مهمة جدًا لمعرفة ما سيكون عليه التوازن. إن القوى الكبرى تفضل دائمًا نظامًا يناسبها،وتريد دائمًا الاستفادة من هذا النظام لمصالحها، هي استثمرت في السنوات الماضية في النظام العالمي حتى خلال الحرب الباردة. فهل سيكون الأمر نفسه في المرحلة المقبلة، أم أنه سيكون مختلفًا؟