966670
966670
إشراقات

العوفي: العوذ بالله دخول في الحماية التي يحتاجها كل إنسان ولو كان نبيًا

30 مارس 2017
30 مارس 2017

إضافة كلمة «ربّ» إلى «الفلق» تبعث الطمأنينة في قلب المخلوق وترسّخ اليقين في نفسه -

الخروج منها يعرضه لمخاطر لا يستطيع تحملها -

متابعة - سيف بن سالم الفضيلي -

أكد الشيخ إسماعيل بن ناصر العوفي في درس «هدايات الرحمن.. وقفات مع آيات القرآن» أن الآية (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) خطاب للنبيّ الكريم يدلّ على أنّ النبيّ الكريم لا يستغني عن العوذ بالله؛ لأنّ الدخول في دائرة الحماية يحتاج إليه كلّ إنسان ولو كان نبيّا، والخروج من هذه الدائرة يعرّض الإنسان للمخاطر التي لا يستطيع الإنسان تحمّلها، ولا الصبر عليها، والأمر بالقول يدلّ على الحاجة إلى تحريك اللسان بالمقول؛ لأنّ ذلك يعين على استحضار القلب وتثبيته، وتكون النفس عند ذلك أكثر طمأنينة.

وأوضح العوفي أن قراءة كلمة (قل) يذّكر القارئ أنّ النبي الكريم مع جلالة قدره وعظيم مرتبته خوطب بهذا الخطاب، وطلب منه ربّه أن يستعيذ به، فكيف بغيره من العالمين، والتعبير بالمضارع (أعوذ) الذي يدلّ على التجدّد والحدوث وتكرار فعل العوذ يدلّ على الحاجة إلى ملازمة العوذ ولزوم دائرة الحماية؛ لأنّ الخروج منها يعرّض العائذ للخطر ولو كان من كان.

وقال: والتعبير بالفعل المضارع الذي يدلّ على تجدّد الفعل يرشد إلى أنّ العائذ قد يخرج من دائرة الحماية، فكأنّ التعبير بالمضارع فيه إشارة إلى الجواب عن سؤال من يسأل عمّا يعمله العائذ إذا خرج من دائرة الحماية، فكان الجواب عليه أن يجدّد عوذه بالله؛ فإنّ الله ربّ العائذ، والربّ كلمة تحمل معنى الرحمة والرأفة والكرم والرعاية وتوفير ما يحتاج إليه المربوب، فربّ الشيء يهيّئ له ما يصلحه ويلائمه بالمقادير المناسبة، ومما يحتاج إليه المخلوق، ولا يستغني عنه العوذ بالله.

وبيّن العوفي أن الفائدة في إضافة كلمة (ربّ) إلى (الفلق) تبعث الطمأنينة في قلب المخلوق، وترسّخ اليقين في نفسه؛ لأنّ الله ربّ الفلق، والفلق هو الخلق، فما من شيء إلا فلقه الله، فالعدم انفلق عن الوجود، فيدخل في ذلك المخلوقات كلّها في هذا الكون، فما من شيء إلا ربّه الله، ولو قيل لمخلوق خاف من مخلوق آخر: إنّ الذي تخاف منه تحت سلطان فلان من المخلوقين، فذهب إليه، ولجأ إليه، وأجاره، وحماه لشعور الخائف بالطمأنينة، وانبعث إلى قلبه الأمن، وارتفع عنه الخوف، مع أنّه لجأ إلى مخلوق مثله لا يملك حقيقة ضرًّا ولا نفعًا لنفسه قبل أن يملكه لغيره، فكيف بمن لجأ إلى خالق المخلوق الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس 107، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) هود: ١٧. وإضافة كلمة (ربّ) إلى (الفلق) تدلّ على أنّ كلّ مخلوق خلق لحكمة ومنفعة تستلزمها التربية الإلهية، ولا يستغني عنها الناس، وقد تخفى أكثر هذه الحقائق على الناس، ولكنّ العلم كشف لنا شيئا من هذه الحقائق، وسيكشف شيئًا منها في المستقبل إن شاء الله، وفي ذلك تطمين للإنسان إلى أنّه ما من خلق إلا فيه منفعة، وفي إيجاده فائدة، ولكن (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الإسراء: ٨٥

ويقول العوفي: ذكر في هذه السورة الشريفة للمستعاذ به وهو الله وصف واحد، وهو (ربّ الفلق)، على خلاف الحال في سورة الناس، فقد ذكر للمستعاذ به فيها ثلاثة أوصاف؛ لأنّ المستعاذ منه في سورة الفلق أمر أشبه بالشيء المحسوس، وهو أمر معروف عند الناس، فالمخلوقات ذوات الشرّ، والغاسق وهو الليل، والنفاثات وهي النفوس السواحر، والحاسد وحسده، أمور معروفة عند الناس، وهي أقرب إلى الأمور المحسوسة، وهذه الأشياء يخشاها الناس، ويخافون منها، ويحرصون حرصا شديدا على العوذ منها، ولكن قد يكون عوذ كثير من الناس ليس بالله، ولذلك لا تحصل لهم حماية، وقد يكون كون هذه الأشياء المستعاذ منها من المحسوسات أو قريبا من المحسوسات سرا من أسرار ذكر وصف واحد للمستعاذ به، فكلّ الناس تبحث عمّا تستعيذ به من هذه الأشياء، ولكن ينقصهم سلوك طريق الوصول إلى درجة العوذ، والدخول في دائرة الحماية؛ فدلّهم على ذلك ربّ الفلق.

وأمّا المذكور في سورة الناس فهو شيء أقرب إلى المعنويّ، والشيء المعنويّ لا يلقي له كثير من الناس بالا كالشّيء الحسّيّ؛ ولذلك أتي بأوصاف ثلاثة (بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ) ومن تعمق في هذه الأوصاف، ونظر في حقائقها، عرف الله، فأبصر طريق الإيمان، وتوجهت نفسه إلى سلوكه، عند ذلك يظهر له أنّ له عدوّا يدفعه عن طريق الإيمان، وعدوّه هو الوسواس الذي كان لا يشعر بعداوته له، بل كان يعتقد أنّه له من الناصحين، ومن جــهة أخرى نجد أنّ الوسواس يدعو النفس إلى أمور ترغب فيها، وتطلبها، ولذلك تجد النفوس تسير وراءه، وتتبع خطاه إلا نفسا تعمّقت في الأوصاف الثلاثة (بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ)، فخافت مقام ربّها، وانتهت عن الهـــوى، وســـــلكت الطريق المؤدي إلى جنّة المأوى؛ وبذلك تتحقق السعادة في الدارين.