salem-22
salem-22
أعمدة

إضاءة :داعي الهدى

30 مارس 2017
30 مارس 2017

سالم بن حمدان الحسيني -

أراد الحق سبحانه أن تكون الجزيرة العربية أفضل بقاع الأرض حيث مبعث الرسالات، وتنزّل الرحمات وأراد لهذه الأمة أن تكون خير أمة أخرجت للناس تقود العالم أجمع إلى ما فيه خيرها وسعادتها الأبدية في الدنيا والآخرة، فهم أولى شعوب الأرض في الاتحاد والتعاون والتآلف حيث إن قضيتهم واحدة ولسانهم واحد وهدفهم واحد فهم يلتقون على الكثير ويختلفون في القليل، ومن هذه البقعة من الأرض -انطلق داعي الهدى الذي جاء رحمة للعالمين وسراجا للمهتدين- والتي جعل الله سبحانه وتعالى فيها كل مقومات الخير تعين على نشر رسالة الحق والهدى للبشر كافة، فقد أوجد الحق سبحانه وتعالى فيها من الخيرات المباركة ما لم يكن عند غيرها، فتنوع المناخ وتعدد الغلات الزراعية، وما تحويه أرضها المباركة من ثروات نفطية ومعدنية ما يجعلها عونا لها على تبليغ رسالة السماء إلى الإنسان أينما كان.

ولكن حينما ينظر الإنسان العربي إلى واقع أمته اليوم لا يتمالك نفسه من أن تتساقط من مآقيه العبرات حزنًا وأسى على واقعه المعاش فهو حيثما ولّى وجهه يجد ارضه العربية مسرحا للفناء وموئلاً للقتل والدمار وسفك الدماء ومرتعًا لكل عابث يعيث في الأرض الفساد ومستنقعا خصبا للتطرف والإرهاب وطوائف وشيعا وأحزابا تكيد لبعضها وتتربص بها الدوائر وهناك من انبرى من كل فرقة من يدعي الإصلاح فيوجه لسانه الشحيح بالخير وسنانه المسموم لكل من خالفه الرأي، فانشغل بهذه الترهات وتناسى الانشغال بالهدف الأسمى، وهو الالتقاء على كلمة سواء وهو ما دعا إليه وأمر به الحق سبحانه حتى مع غيرهم من أهل الكتاب: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، بل وانبرى من بين أولئك قوم حرّموا على انفسهم التعايش مع مخالفيهم من المسلمين ورفضوا حتى فكرة «لنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»، وتناسوا أن الحق سبحانه وتعالى حذر من الاختلاف ومن التشتت، ومن مغبة الوقوع في ذلك.. حيث يقول سبحانه: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).

ألم يأن الأوان بعد لبعض الأقلام وبعض وسائل الإعلام أن تكف عن توجيه بوصلة أسنتها وألسنتها الفتاكة التي تنهش في جسد هذه الأمة فتولد العداوات، وتشعل نار الفتنة المنتنة وقد تناست رسالتها السامية وأهدافها النبيلة الداعية إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة، فما اخطر تلك الأسلحة اليوم وما اعظم تأثيرها، وما تلك الحروب القائمة إلا وليدة ذلك الفكر العقيم والتفكير السقيم الذي انطلقت من مستنقعه الشرارة التي أهلكت الحرث والنسل والطارف والتليد والأخضر واليابس، وبسببه طغى أزيز آلة الحرب على صوت العقل فلم يعد لمنادي الحق صوت يسمع حيث خرست الألسنة المحكّمة لداعي الهدى وبقيت الساحة لطواحين الموت تطحن الشعوب المستضعفة بلا هوادة.