أفكار وآراء

من يفوز برئاسة فرنسا؟

29 مارس 2017
29 مارس 2017

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

مواقف «لوبان» من الحضور الإسلامي في فرنسا مثيرة للغيظ فقد سبق لها وشبهت حضورهم بالنازيين الذين غزوا فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وهي من كبار الداعين للعلمانية المغرقة في تطرفها، والرافضة لأي ملامح أو مظاهر إسلامية كالحجاب أو النقاب، ودائمًا وأبدًا ما تتخذ من التشدد الإسلامي ذريعة لدغدغة مشاعر ناخبيها.  

في سياق التغيرات الدولية المتلاحقة، تبقى القارة الأوربية محط الأنظار سيما وأنها ستشهد عدة انتخابات مهمة في الأشهر القليلة المقبلة، في المقدمة منها الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وبعدها بفترة ليست طويلة، انتخابات المستشارية الألمانية ، عطفا على عدة انتخابات أخرى حزبية و برلمانية، الأمر الذي يجعل التساؤل:» هل قلب أوروبا سيتغير بالفعل؟ وأن كان الأمر سيمضي علي هذا النحو ففي أي تجاه يمكن أن يمضي، بمعنى هل سنرى إغراقًا أوروبيًا في جهة اليمين المتطرف الشعبوي الذي ترتفع أصواته الآن، أم سنرى عقلانية أوروبية ما ستسود، سيما بعد أن طمأنت هولندا قلوب الأوروبيين بعد خسارة اليمين المتطرف بقيادة «جيرت فليدرز» الانتخابات البرلمانية الأخيرة، دون أن يعد هذا خسارة لليمين المتطرف بالمطلق هناك».

ولعل السؤال.. لماذا تبدو انتخابات فرنسا ومن بعدها انتخابات ألمانيا على هذه الدرجة من الأهمية أوروبيا ودوليا؟

الشاهد أن فرنسا عقل أوروبا النابض، ومؤشرها التنويري الكلاسيكي عبر القرون الخمسة المنصرمة، ولهذا عندما تشرق أنوارها العلمانية على العالم، تكون أوروبا أول من يستشعر الدفء، وحال امتدت فوق سماواتها سحب الأصوليات اليمينية، يعرف الناظر أن أمطار الكراهية والحروب، والعداوات الحضارية آتية لا محالة.

أما ألمانيا فتمثل من أوروبا القلب المالي والصناعي النابض وعليه فإن أي خلل في التركيبية الحضارية لفرنسا وألمانيا سيؤدي ولا شك لانهيارات متتالية في الاتحاد الأوربي، الذي تعرض بالقطع لصدمة كبرى، من جراء انسحاب بريطانيا منه، وها هي دول أخرى ومرشحين لمناصب أوروبية عليا، يسعون في ذات المسعى.

عودة إلى السؤال موضوع المقال.. من سيفوز برئاسة فرنسا إذن؟ والجواب يتوقف عليه مستقبل هذا البلد الأوروبي العريق و لا شك.

قبل بعضة أيام رأى العالم على شاشة القناة الأولى الفرنسية مناظرة تاريخية بين المرشحين الخمسة الكبار، في سباق الرئاسة، وهم مرشح اليمين المحافظ فرانسوا فيون، والمرشح الاشتراكي «بونوا هامون»، ومرشحة اليمين المتطرف «مارين لوبان»، ومرشح حركة «ماضون قدما» الوسطية «إيمانويل ماكرون»، ومرشح اليسار الراديكالي «جان لوم ميلانشون».

عول الفرنسيون كثيرا على هذه المناظرة، سيما وأنها كانت تمثل منعطفا مهما وخطيرا للبعض منهم لاسيما «فرانسوا فيون»، الذي تراجعت شعبيته كثيرا بسبب الاتهامات التي وجهها إليه القضاء والتي تشكك في نزاهته المالية.

أما مارين لوبان المحامية الفرنسية فقد كانت المناظرة بالنسبة لها ميداًنا جديدًا للدفاع عن آراءها التي لا تداريها، وفي مقدمتها موقفها من عضوية فرنسا في الاتحاد الأوربي، والهجرة والمهاجرين، وغيرها من موضوعات الساعة الحساسة والمثيرة... ما الذي جرى في المناظرة وكيف جاءت النتائج؟

يمكن القول إن هناك الآن منافسة حادة بين طرفين وليس أكثر، إيمانويل ماكرون»، مرشح الوسط، و«مارين لوبان» مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية .... لماذا؟

ربما لأن بقية الأطراف قد أصيبت بعطب شديد، فعلي سبيل المثال يواجه «فرانسوا فيون» اتهامات حادة بفساد مالي، وتم تفتيش منزله قضائيًا وشرطيًا، الأمر الذي اختصم كثيرًا جدًا من شعبيته، رغم أنه كان في مقدمة الأسماء المرشحة للرئاسة، فهو محافظ ويحوز علي أصوات ملايين الفرنسيين المحافظين في غير تطرف، لا سيما وأن كاثوليك فرنسا عن بكرة أبيهم كانوا يدعمونه، وهؤلاء يمثلون قوة طاغية في مثل تلك الانتخابات، وبالفعل جاءت نتائج استطلاع الرأي بعد المناظرة لتشير إلى تراجع شعبية «فيون» من 20 % إلى 18%.

أما المرشح الاشتراكي «بونواهامون» فيواجه عقبات عريضة من جراء تدهور أحوال اليسار الفرنسي بشكل عام في الأعوام الأخيرة، الأمر نفسه ينطبق علي مرشح اليسار الراديكالي «جان لوك ميلانشون» والذي يتضاءل داعموه بصورة غير مسبوقة. أظهرت المناظرة أن ماكرون ولوبان هما الجوادين الرابحين للفرنسيين، وأن أحدهما مرشح للفوز بالفعل في مايو القادم ليصل إلى الاليزيه.

الذين استمعوا إلى المناظرة المشار إليها وقر لديهم ولا شك اقتناع بأنها كانت بين طرف متعصب ومغرق في علمانيته وطرف آخر وسطي بشكل واضح يسعى لأخذ الأمور بطريقة عقلانية، تسمح للفرنسيين بالعيش، وللآخرين أن يعيشوا معهم بنفس الدرجة، دون نقص أو تمييز.

خلال المناظرة دعت لوبان الفرنسيين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي اعتبرته ينغص عيش جموع الفرنسيين ولم يفتها كذلك أن تندد بـ«العولمة المتوحشة».

لوبان كذلك سخرت من ماكرون بالقول إن تعليقاته خاوية تمامًا من المضمون، وأضافت أريد أن ألفت انتباه الشعب الفرنسي إلى حقيقة أنه في كل مرة يتحدث فيها يقول قليلاً من هذا وذاك ولا يقرر أبدًا.

مواقف «لوبان» من الحضور الإسلامي في فرنسا مثيرة للغيظ فقد سبق لها وشبهت حضورهم بالنازيين الذين غزوا فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وهي من كبار الداعين للعلمانية المغرقة في تطرفها، والرافضة لأي ملامح أو مظاهر أسلامية كالحجاب أو النقاب، ودائمًا وأبدًا ما تتخذ من التشدد الإسلامي ذريعة لدغدغة مشاعر ناخبيها.

المشهد بالنسبة لمرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني ، ليس سياسيا فقط، بل هناك إبعاد اقتصادية واضحة جدًا، لا سيما إذا تعلق الأمر بمسألة الحمائية التجارية والاقتصادية، فهي تركز علي نظام يحمي المنتجات والصناعات الوطنية، وتطالب بإعادة الاعتبار للعملة الوطنية الفرنسية «الفرنك»، عطفا على ذلك تطالب بإعطاء الشركات الفرنسية الأولوية فيما يخص المناقصات العامة، إضافة لمطالبتها برفع قيمة الضريبة علي المنتجات المستورة بنسبة 3% وذلك بهدف خلق قوة شرائية متميزة.

ماذا عن ماكرون؟ ربما يعد ماكرون من أصغر المرشحين الفرنسيين للرئاسة عمرا فهو من مواليد عام 1977، متخرج من المدرسة الوطنية للإدارة ومصرفي وسياسي، حيث شغل منصب وزير الاقتصاد والصناعة في حكومة مانويل فالس الثانية وذلك حتي عام 2016، ويعد نجمًا صاعدًا في سماوات السياسة الفرنسية ويرى فيه اليمين الفرنسي أنه منافس شرس يمكن أن يشكل عقبة أمام وصول فرانسوا فيون لسدة الحكم. يؤكد ماكرون في كل تجمع انتخاب شعبي علي ضرورة إلا يكون هناك منبوذون ومنسيون في فرنسا، مع ضرورة تحسين القدرة الشرائية للمواطنين في حال انتخابه رئيسا للبلاد وبالدفاع عن مشروع متناغم يقوم علي رؤية شاملة.

تعد حركته المسماة «إلى الإمام» واحدة من أكثر الحركات الفرنسية قدرة علي جذب الشباب الفرنسي، وبرغم نقص إمكانياته المالية، إلا أن تجمعاته الانتخابية باتت تستقطب آلاف الشباب الذين يرون فيه رجل المستقبل الذي سيقود فرنسا نحو التآلف والازدهار، ويعتمد ماكرون في خطاباته علي كلمات عادية يستخدمها العام والخاص، ويتصرف بكل عفوية، على عكس السياسيين التقليديين الذين تعودوا على لغة خشبية غربية عن الشعب.

وربما يتساءل القارئ في العالم العربي والإسلامي وماذا عن مواقف ماكرون من الإسلام والمسلمين عامة ومن الجاليات المسلمة في أوروبا وفرنسا بنوع خاص؟

في مناظرته الأخيرة مع «لوبان» رد عليها عندما تحدث عن ما أسمته «التشدد الإسلامي»، بالقول «أنت تخذلين الناخبين عبر ثني الحقيقة»، وأضاف: «إنه يؤيد البوركيني، وهو لباس بحر يغطي كامل الجسد ترتديه بعض المسلمات وأثار جدلا كبيرا في فرنسا الصيف الماضي».

وفيما يخص الأوضاع الاقتصادية، فإن خبرة «ماكرون تفوق» خبرات «لوبان» المالية بكثير جدا، فعمله في مجال المال والأعمال، ومنصبه الأخير في بنوك عالمية مثل بنك روتشيلد، مكنه من الإلمام بكيفية سير الاتجاهات المالية العالمية، ولهذا فإنه فيما يخص مسألة الحمائية التجارية، فقد دعا «إيمانويل ماكرون» إلى تعزيز آليات مكافحة الإغراق التجاري في قلب الاتحاد الأوروبي، كما أقترح ماكرون إنشاء «محكمة تجارية أوروبية» لتراقب التزام الشركاء الأوروبيين بالاتفاقات المبرمة بينهم، فضلا عن أنه دافع عن فكرة إنشاء «قانون الشراء الأوروبي...».

هل لهذه الرؤى الوسطية دور في زخم فرص « ماكرون» في عيون الفرنسيين؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ففي الفترة ما بين 21 و22 مارس أي عقب المناظرة المشار إليها، أجرت مؤسسة «هايس إنتر» لاستطلاعات الرأي، بحثا على عينه من 6383 فرنسيا، وقد جاءت النتائج لتشير إلى أن ماكرون سيفوز من الجولة الأولى علي لوبان بنسبة 26%، و25% لمناقشته وأنه سيحصد نحو 65% من أصوات الفرنسيين.

السؤال الآن هل الفرنسيون يبحثون عن دماء جديدة غير ملوثة بالفساد السياسي أو المالي، سيما وأن لوبان نفسها قد وجهت لها اتهامات في هذا الإطار ورفضت الانصياع لاستدعاءات المحكمة لها، باعتبار الأمر مناورة سياسية؟

قد يكون ذلك بالفعل هو ما يجري الآن داخل فرنسا، وعند اللحظة الحاسمة سوف يدعم بقية اليسار والمحافظين ماكرون حفاظا على روح فرنسا العلمانية نقية من شوائب التطرف الأصولي.

لكن من المخيف أن أحداثًا بعينها تجري في أوروبا، عامة وفرنسا خاصة، مثل اعتداءات المطارات الأخيرة في باريس، واعتداء لندن أمام البرلمان، كفيلة بأن تدفع الملايين لجهة اختيار عناصر أقصى اليمين الفرنسي لمواجهة الإرهاب المتصاعد في الداخل، وهنا فإن كافة التوازنات العقلانية ستتوارى، وتحل محلها لغة التعصب بل والتمذهب ولحظتها ستكون فرص «لوبان» هي الأفضل الأمر الذي يمكن أن يغير من شكل فرنسا وأوروبا من ورائها.