fawzi
fawzi
أعمدة

أمواج: الطموح ليس له حدٌّ

29 مارس 2017
29 مارس 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

من الطبيعي أن يكون الناس متفاوتين في هذه الدنيا من حيث القدرات الفكرية والجسدية والنفسية، وهذه سنة كونية وإرادة إلهية لا شك ولا ريب فيها، لكن على الإنسان مهما كانت قدراته أن لا يستسلم ويركن لوساوس نفسه والشيطان الذي لا يبغي إلا الفساد في الأرض وبثّ الكسل والخمول في صفوف الناس، هذا من حيث النظرية الفلسفية الدينية، ومن حيث النظرية المنطقية فإنه لا شيء مستحيل في الحياة أن يتحقق، بل يمكن أن يتحقق حتى لو نظرتَ إليه بأنه مستحيل، وهو ما يسمّى التحدي من أجل تحقيق الهدف رغم الألم.

وللوصول للهدف ينبغي التحلي بالصبر إلى الآخر، ولا نقف عند النقطة الأولى إذا فشلنا أو تعرضنا إلى موقف مثبط، بل لا بد من مواصلة المشوار والصمود إلى آخر المطاف، إنه الصمود الذي يحمل معاني الصبر والتحمّل والعمل بعفوية وتلقائية دون تشنّج ولا توتّر معتقدين أن الثقة بالله العظيم هي التي تصنع المعجزات في هذا العصر. فلا شيء يكفل لك النجاح والتوفيق غير الوقوف على الربوة باستحقاق وجهد ومشاق، ولا شيء يجعلك تحقق الهدف غير الإرادة والإصرار والعزيمة والتحدي وهي شروط أساسية لتحقيق النجاح في الحياة.

كما لا نغفل عن شيء أساسي أيضا وهو أننا عندما نوقن بهذه الأدوات الأساسية في الحياة ونأخذ بها في تحقيق الذوات والأهداف ونؤمن أن الله سيأخذ بأيدينا نحقق ما نريد بإذن الله تعالى ولا تقف في وجوهنا المنغصات دون تحقيق ما نريد، فالخطر هو الشك في قدرة الله على تحقيق ما يعتبره الإنسان مستحيلا أو غير ممكن، وهو لا يعمل من أجله ولا يتحرك لتحقيقه فكيف يتحقق؟ علّمتني الحياة والأحداث وقبل كل ذلك الثقة بالله العظيم أن الطموحات والآمال التي يعتقد الإنسان أنها صعبة المنال ستتحقق يوما بإذن المولى العزيز القهار.

خطّطْ لمستقبلك وحدّدْ الأهداف المرجوّ تحقيقها، واسْعَ بكل الأدوات الشرعية إلى أن تجعلها حقيقة مرئية، ولا شيء يقف حائلا دون ذلك ولا تسمع كلام الناس ولا إحباطاتهم ولا سخريتهم، ألم يسخر الناس من سيدنا نوح عليه السلام وهو يصنع السفينة في الصحراء حتى يعبر بها عباب الوديان، وإذا بالسيل المنهمر يأتي فجأة وبغتة، ويأخذ معه كل كافر وجاحد، وينجو منه كل مؤمن وموقن؟ ألم يحقق العظماء في عالم الاختراعات والاكتشافات الشيء العجيب والغريب رغم أنهم في بداية حياتهم كانوا عاديين، بل في مجتمعهم فاشلين في الدراسة ولم يكتب لبعضهم الدخول في الجامعات. وبيننا وفي عصرنا يعيش عالم الأمة سماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي - حفظه الله من كل شرّ- وهو الذي لم تطأ قدمه مدرسة ولا جامعة ولم تُعبّأ خزائنه بالشهادات ولا الدروع ولا التزكيات، بل كانت عامرة ببطون الكتب والمؤلفات، وهو الرجل العصامي الذي حفظ القرآن وآتاه الله العلم والحكمة وحسن الخطاب، وعندما سئل عن الشهادات التي حصل عليها في حياته قال: حصلت على شهادة واحدة هي شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف وصل هذا العالم الأشمّ إلى هذه المرتبة العليا من العِلم والخُلق؟ وكيف استطاع أن يُلمّ بهذه العلوم التي يحملها من تفسير وفقه وأصول ونحو وصرف وبلاغة وشعر وغيرها وتجارب في الحياة كثيرة جعلت كل من يراه يقف إجلالا لعلمه، واحتراما لشخصه، وإعجابا بخلقه، فمن كان هذا ديْدَنُه فقد فاز في الدنيا والآخرة، لأن العلم بالتعلّم والخُلُق بالتخلّق.