أفكار وآراء

الرئيس الأمريكي :السلام من خلال القوة

28 مارس 2017
28 مارس 2017

أحمد بن علي الصبحي -

«تعهدت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بانتهاج سياسة خارجية تركز على المصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي، مشددة على أن مبدأ «السلام من خلال القوة «سيشكل محور هذه السياسة الخارجية. فهل بالفعل يمكن تحقيق السلام من خلال القوة؟»

«تحقيق السلام باستخدام القوة» هو مفهوم ومصطلح قديم، ويقصد به أن قوة السلاح هي العنصر الرئيسي والضروري لتحقيق السلام. ونجد أن هذا المبدأ ليس حديثا بل هو مبدأ ومصطلح قديم جدا، حيث اشتهر باستخدامه العديد من القادة والزعماء في مختلف القرون بدءًا من الإمبراطور الروماني هادريان في القرن الأول الميلادي، وحتى الرئيس الأربعين للولايات المتحدة الأمريكية رونالد ريجان في ثمانينات القرن العشرين.

استخدم الرئيس ريجان هذا المصطلح في حملاته السياسية خلال منافسته الانتخابية مع جيمي كارتر في عام 1980، متهمًا القيادة الضعيفة والمتذبذبة بأنها سمحت للأعداء بمهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. واعتبر ريجان لاحقًا مبدأ « السلام من خلال القوة» إحدى الدعائم الأساسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

الرئيس الأمريكي الجديد ترامب يعيد إحياء هذا المبدأ من جديد ، حيث ان المتابع لخطاب الرئيس الأمريكي ترامب خلال شهر فبراير الماضي أمام ممثلي التحالف وكبار القادة العسكريين الامريكيين في قاعدة ماكديل الجوية بمدينة تامبا بولاية فلوريدا يجد أنه اقتبس كلمات الرئيس جورج واشنطن ،أول رئيس للولايات المتحدة، حيث قال ترامب : «في أول خطاب له من رسالة الاتحاد، كتب الرئيس جورج واشنطن «أن تكون مستعدا للحرب هي واحدة من أكثر الوسائل فعالة للحفاظ على السلام.» كذلك اقتبس ترامب في نفس خطابه عن الرئيس رونالد ريجان عندما قال «الحكمة تأتي في ثلاث كلمات : «السلام من خلال القوة.»

تقول إدارة الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب أن هزيمة داعش» وغيرها من الجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة» ستكون الأولوية القصوى لخطة «أمريكا أولا» وأن السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة تركز على مبدأ «السلام من خلال القوة.» كما وعد بـ «إعادة بناء الجيش الأمريكي»، معتبرا أن الجيش والبحرية هما أصغر الآن بكثير مما كانت عليه في عام 1991 وأنه ملتزم بتصحيح هذا المسار. وأشار ترامب الى أنه لا يمكن أن نسمح لدول أخرى بتجاوز قدرتنا العسكرية.

ومن هذا المنطلق ، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في بداية شهر مارس الجاري ، إنه يريد زيادة القدرات العسكرية للولايات المتحدة بالمزيد من السفن والطائرات الحربية «لإظهار القوة الأمريكية في الأراضي البعيدة». و أعلن عن اعتزامه تعزيز القدرات العسكرية الأمريكية لبناء القوة العسكرية حتى لا يجرؤ أحد على تحدي الولايات المتحدة. وقال ترامب، في كلمة له في منتصف فبراير الماضي في ولاية كارولينا الشمالية، إنه سيمد الجنود بالقوات المسلحة الأمريكية بأفضل الأنظمة تطورا، لتكون ترسانتهم قوية، مؤكدا تنفيذ الأمر قريبا جدا. ومؤخرا اقترح ترامب زيادة قدرها 54 مليار دولار في الإنفاق الدفاعي مقارنة بالعام الماضي وهو ما يرفع ميزانية وزارة الدفاع (البنتاجون) إلى 603 مليارات دولار أمريكي، وأشار إلى أنه يريد تدشين أكبر تعزيز للقدرات العسكرية في التاريخ الأمريكي للتعويض عما أسماه استنزافا للقوات المسلحة. وتشير خطة ترامب التي نشرها البيت الأبيض والتي تسمى خطة «أمريكا أولا» إن «العالم سيتمتع بمزيد من السلام والازدهار مع أمريكا الأكثر قوة واحتراما».

وفي شأن القدرات النووية ، أشار ترامب في حديثه نهاية الشهر الماضي لوكالة رويترز البريطانية، الى أن بلاده أصبحت متأخرة في مجال امتلاك السلاح النووي، مقارنة بالدول النووية الأخرى في العالم، وشدد على ضرورة توسيع الولايات المتحدة لترسانتها النووية، و يعتقد ترامب أن الولايات المتحدة تخلفت في قدراتها النووية، ويريد أن يضعها في القمة مرة أخرى. وهو الأمر الذي ربما يهدد معاهدة «نيو ستارت» الجديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تهدف الى الحد من ترسانتيهما من الأسلحة النووية لمستويات متساوية لمدة عشر سنوات بحلول الخامس من فبراير 2018 . لكن ترامب وصف هذه المعاهدة في تصريحاته بأنها اتفاق يصب في مصلحة طرف واحد. وهو الأمر الذي جعل روسيا بدورها ترد بأنه في حال سلكت الولايات المتحدة نهج تحقيق تفوق في المجال النووي، فإن سباق التسلح والعودة إلى الحرب الباردة سيكونان أمرا لا مفر منه، وهذا يهدد بكارثة حضارية».

الجدير بالملاحظة أن الخبراء العسكريين ،الذين خاضوا الحروب وأطلعوا عن كثب للتداعيات والآثار الخطيرة للحروب، لديهم رؤية مختلفة، لهذا جاءت رسالة 120 من الجنرالات المتقاعدين الامريكيين للرئيس ترامب والكونجرس الأمريكي، يحثون على عدم الحد من الأموال المخصصة للدبلوماسية، وقد أشاروا إلى قول الوزير المنتخب لشغل منصب وزير الدفاع في إدارة ترامب، الجنرال جيمس ماتيس في عام 2013 عندما قال: إذا لم تمول وزارة الخارجية بشكل كامل، فبالتالي نحن بحاجة لشراء المزيد من الذخيرة. يفهم الجنرال ماتيس،وهو احد أشهر جنرالات الحرب في العراق وأفغانستان، الآثار السلبية لقرار الرئيس ترامب، لأن الدبلوماسية والتعاون الدولي أذكى شكل للإنفاق العسكري؛ حيث يقللان من احتمالية اللجوء لاستخدام كل ما هو مكلف ومميت، بجانب المعدات. ويتفق هولاء على أن الحرب يجب أن تكون الملاذ الأخير وليست الأول.

وبالنظر إلى التاريخ العسكري الأمريكي نجد أن الحروب العسكرية الوقائية التي شنتها الولايات المتحدة لم تنجح في تحقيق السلام والدليل على ذلك على سبيل المثال الحال السياسي والأمني الحالي في كل من أفغانستان والعراق وغيرها من دول العالم التي استخدمت فيها القوة من أجل إحلال السلام، حيث نجد أن السلام غائب كليا عن المشهد في تلك المسارح القتالية. وهو الأمر نفسه الذي أكده اعتراف الجنرال ديفيد بيتراوس الذي شغل منصب قائد الفرقة‏101‏ الأمريكية المحمولة جوا بوسط وشمال العراق بأن تحقيق السلام في العراق غير ممكن باستخدام القوة العسكرية وحدها‏.‏ وأقر بأن الأمريكيين لم يتمكنوا من تحقيق آمال الشعب العراقي من خلال القوة العسكرية فقط.

مبدأ « تحقيق السلام من خلال القوة» تعرض للنقد ، ومن بين أهم جوانب النقد الموجهة لهذا المبدأ ما ذكره البروفيسور أندرو باسيفيتش، المتخصص في العلاقات الدولية، والدراسات الأمنية والسياسة الخارجية الأمريكية، والتاريخ الدبلوماسي والعسكري الأمريكي ، حيث يرى باسيفيتش أن فكرة السلام من خلال القوة يمكن أن تتحول بسهولة إلى «السلام من خلال الحرب».

ترامب يقول انه يريد أمريكا أن «تبدأ كسب الحروب مرة أخرى». وأول ميزانية له يدل على أنه من المرجح أن أمريكا سوف تبدأ حروب جديده مرة أخرى. في العلاقات الدولية هناك ما يعرف بالدبلوماسية الدفاعية، حيث تشير الدبلوماسية الدفاعية إلى السعي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال التوظيف السلمي للموارد والقدرات الدفاعية.

لكن شعار وجوهر السياسة الخارجية للرئيس ترامب تقوم على مبدأ « السلام من خلال القوة» ، والذي حسب إدارة ترامب، سيجعل من الممكن الوصول إلى عالم مستقر وأكثر سلاما بتقليل الصراعات ووضع المبادئ المشتركة. وعلى الرغم من تصريح ترامب بأنه يأمل بأن لا يستخدم هذه القوة ، إلا أن بناء هذه القوة وجعلها حجر الأساس في السياسية الخارجية الأمريكية ربما يغري لاستخدامها في المستقبل.

هذا المبدأ القديم ربما لا يمكن أن ينجح في القرن الواحد والعشرين حيث أصبح النظام العالمي مختلفاً تماماً عما كان عليه خلال حقبة الحرب الباردة في القرن الماضي ، كما أن التهديدات والتحديات السياسية والأمنية والاستراتيجية تغيرت وتطورت، فهل يا ترى يستطيع ترامب بالفعل أن يحقق السلام لأمريكا ولقضايا العالم من خلال استخدام القوة ؟ وهل فعلا الحرب تحقق السلام؟!.