1
1
تحقيقات

التقاعد :بداية حياة أم نهايـة كـفاح ؟ !

28 مارس 2017
28 مارس 2017

كشف صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية عن إحصائية حديثة لعدد المتقاعدين من يناير حتى سبتمبر من العام الماضي حيث بلغ عددهم 3.044 متقاعد بارتفاع بلغ 28% عن الإجمالي خلال الفترة في 2015م، وبالتالي ارتفعت قيمة المعاشات المستحقة بمقدار 30% وارتفع متوسط العمر عند التقاعد بمقدار2%.

وأكدت الإحصائية التي نشرت بنهاية أكتوبر الماضي أن وزارة التربية والتعليم تمثل النسبة الأعلى من حالات الاستقالة بعدد 1.013 حالة تليها وزارة الصحة بـ398 متقاعدا، ثم وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه بـ187متقاعدا، يليها الشركة العمانية للاتصالات بنحو 126 متقاعدا، ثم جامعة السلطان قابوس بـ69 متقاعدا ثم وزارة التنمية الاجتماعية بـ60 متقاعدا ثم شركة بريد عمان بـ51 متقاعدا ثم وزارة الزراعة والثروة السمكية التي بلغ عدد المتقاعدين بها 45 شخصا ثم الهيئة العامة للكهرباء والمياه بنحو 42 متقاعدا، ثم وزارة الداخلية بـ40 متقاعدا، وتمثل الوزارات الأخرى نحو 347 متقاعدا بإجمالي عدد حالات الاستقالة حسب جهة العمل من يناير حتى سبتمبر 2016 نحو2.378 حالة.

من جهة أخرى بلغ عدد حالات المكافآت من يناير إلى سبتمبر الماضي 214 حالة وقيمة المبالغ المستحقة لها 3.279.051 ريالا عمانيا. ويشكل الذكور نسبة 53% من إجمالي حالات التقاعد، حيث بلغ متوسط المعاش لهم 781 ريالا عمانيا بالمقارنة مع 943 ريالا عماني متوسط معاشات الإناث في حين بلغ متوسط عمر التقاعد للذكور 51 سنة ويزيد عن الإناث بمقدار 6 سنوات.

وبلغت نسبة المتقاعدين المنتهية خدمتهم بسبب الاستقالة 78% من إجمالي الحالات خلال 2016 وشكلت معاشاتهم 84%من إجمالي المبالغ المستحقة في حين بلغ متوسط العمر لهذه الفئة 46 سنة ومتوسط المعاش 921 ريالا عمانيا. وأشارت المؤشرات إلى أن إجمالي المتقاعدين الذي سجله صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية حتى نهاية سبتمبر 2016 بلغ 48.001 متقاعد منهم 31.092 متقاعدا أحياء و16.909 متقاعدين متوفين وبلغ إجمالي المعاشات المستحقة لهم 19.597.880 ريالا عمانيا.

 

استطلاع: أحمد بن علي الذهلي -

على مدى أكثر من شهر كامل بدأت البحث عن الأسباب الحقيقة التي دفعت الكثير ممن أعرفهم وممن لا أعرفهم إلى تقديم استقالاتهم من أعمالهم، وخلال الأيام الماضية التقيت بشريحة كبيرة ممن خرجوا مبكرا من وظائفهم، وبعضهم في مقتبل سنوات العمر، وهذا بحد ذاته كان سؤالا محيرا بالنسبة لي، ومع إصراري على مواصلة العمل في هذا الموضوع ظهرت أمامي عدة عراقيل منها أن البعض لا يود الحديث في الأسباب الحقيقة بقدر ما يحمل في جوفه الكثير من الأسى والشجون كأن قدر الاستقالة هو جرح غائر في جسده، وهو الحاضر في مخيلته.

رغم كل ما مضى من كلام محبط، لم يتسرب الضعف إلى ذاتي، بل زادني يقينا أن هناك أشخاصا يحتاجون للبحث عنهم، والإصغاء إلى حديثهم، استعنت بعدد من الأصدقاء ممن يعرفون من أصحابهم الذين تقدموا باستقالاتهم منذ شهور ماضية، حصلت على بعض الأرقام وقمت بإجراء العديد من المحادثات الهاتفية، بعضهم قال إنه سوف يتكلم، ولكنه تراجع عن قراره في اللحظات الأخيرة، ومنهم من لا يريد أن يظهر اسمه في هذا التحقيق، وآخرون أكدوا أن دوافعهم لتقديم الاستقالة هو اختلاف وجهات نظرهم مع مدرائهم الذين لم يتركوا لهم أي خيار آخر، أو أي فرصة لمراجعة أنفسهم قبل أن يكتبوا استقالتهم بأيديهم.

في البدء كانت هناك صورة ذهنية راسخة لدى شريحة كبيرة من الناس وهي أن المجتمع يصور التقاعد على أنه نهاية الحياة، وما بعدها هو الاستعداد للمرض والهرم، وهذه النظرة ربما تترجمها بعض الدراسات الحديثة التي تعقد عدة مقارنات ما بين المتقاعدين في العالم فمثلا الإنسان المتقاعد في عالمنا العربي يعتبر الخروج إلى التقاعد بأي سبب كان هو بداية مرحلة النهاية، وهكذا فإن الكثير من المتقاعدين يتحولون من عناصر منتجة وفاعلة في أعمالهم ومجتمعهم إلى مجرد أفراد يعيشون على الهامش، دون أن يحصلوا على أدنى رعاية مناسبة، في ظل غياب لافت للمؤسسات أو الجهات التي تعين المتقاعد على تقبل وضعه الجديد خاصة أن البعض منهم تقدم بهم العمر.

بالمقابل الوضع يبدو مختلفا في مجتمعات أخرى، ففي المجتمعات الآسيوية مثلا قد يستمر الموظف في أداء عمله حتى بعد التقاعد كأنه يقول إن العمر ليس هو الرقم الوحيد في معادلة الحياة، وإن الشباب كما يقال مجازا يقبع في الروح وليس في العمر.

وفي القارة العجوز نشاهد حالات أخرى لمتقاعدين لا يعني لهم التقاعد سوى انطلاقة نحو بداية حياة جديدة، انطلقوا فيها أخيرا بعد أن منعتهم التزاماتهم المهنية من ذلك في السابق، وهكذا فإنه من الطبيعي أن يبدأ المتقاعدون هناك في تنفيذ مشاريعهم الخاصة أو العيش بهدوء في بلدان العالم.

إننا أمام حقيقة واضحة مفادها أن التقاعد هو المشهد الأخير الذي يتوج مسيرة أي عمل مهني حافل وطويل، سواء في القطاعين العام أو الخاص، رغم أنه حق مكتسب يحصل عليه الموظف نظير خدمته المتواصلة عبر سنوات عطائه بكل تفاصيلها الجميلة والمريرة وبإخفاقاتها وبنجاحاتها، ولكن هل كل منا يستطيع أن يتعاطى مع هذه المرحلة هنا يكمن لب السؤال؟.

التفكير في اتخاذ القرار

ترى الكاتبة حمدة بنت سعيد الشامسية أن الفرد وحده يستطيع تحديد ما إذا كان التقاعد هو بداية لحياة جديدة أم نهاية عطاء، إذ ما خطط المرء بشكل جيد للتقاعد واستطاع أن يستثمر المهارات والخبرات التي اكتسبها خلال فترة عمله أيا كان مجالها، فهو حتما سيكون قد بدأ حياة جديدة، الإنسان بطبعه مخلوق عامل، بمعنى أنه خلق ليعمل وينتج، والإنجاز يمنح المرء إحساسا بقيمته، لذا من النادر أن ترى إنسانا يتقاعد ليجلس بدون عمل، والفئة التي اختارت أن تفعل ذلك، هي الفئة التي ستجدها نادمة على التقاعد وتتغنى بأيام العمل، هناك فئة أيضا كان العمل هو جل حياتها، لم تستطع خلال كل تلك السنون أن تصنع لها حياة خارج جدران المكتب، فوجدت نفسها بعد التقاعد تائهة، محبطة لأنه من الصعب أحيانا أن تبدأ في ذلك العمر، خاصة فيما يتعلق ببناء العلاقات، فالعلاقات كما يصفها ستيفن كوفي هي أشبه بحساب بنكي تقضي جل عمرك تودع فيه، وجودة علاقاتك تعتمد إلى حد كبير على مقدار ما أودعت فيه من تعامل راق مع من حولك، وتواصل بناء.

وتضيف: لذا دائما ما أنصح كل من ينوي التقاعد أن يحسب خطواته جيدا، ويضع له أهدافا محددة وواضحة لما بعد التقاعد بناء عليها يحدد موعد التقاعد، بعض هذه الأهداف تحتاج إلى مال على سبيل المثال، وبعضها لمهارات محددة، عليه أن يكسب الاثنين قبل اتخاذ القرار، كما عليه أن يعمل قائمة بإيجابيات التقاعد وسلبياته، لأن ما يناسب غيره قد لا يناسبه، ومتى ما وجد أن إيجابيات التقاعد أكثر من سلبياته حينها فقد يمكنه اتخاذ القرار ..

وقالت: في الدول المتقدمة يعتبر المتقاعدون منجما للخبرات، يتم استغلالها في مجالات الدراسات والبحوث والتعليم وغيرها من الوظائف التي تتطلب خبرات طويلة، بالتالي من النادر أن يتقاعد الفرد ليجلس في البيت بدون عمل، فيما ينخرط الكثير من المتقاعدين في الدول المتقدمة أيضا في الأعمال التطوعية، فيما يختار البعض الآخر السفر حول العالم، والخيار الأخير طبعا تم التخطيط له منذ أول يوم عمل، ويتم وضع حساب توفير خاص له، لا يأتي قرارا ارتجاليا بعد خروج الموظف للتقاعد لهذا ذكرت أن التخطيط مهم جدا قبل التفكير في اتخاذ قرار مصيري مثل التقاعد، لأنني رأيت الكثيرين قد رسموا صورا وردية لمرحلة ما بعد التقاعد، فقد يفاجئون أنها لم تكن كذلك، خاصة أن التقاعد في دولنا له تعريف مختلف عما هو عليه في بقية دول العالم، حيث يتقاعد عندنا المرء في سن الأربعين وهو السن الذي يبدأ فيه أغلب سكان الكرة الأرضية بناء حياتهم المهنية، لذا إن لم يخطط المرء بشكل جيد فقد يجد نفسه يصارع (بطالة) مؤلمة..

قابعا بين جدران الغرف الدراسية !!

أما حمدان بن خميس الذهلي (متقاعد) فيقول: لو تحدثنا عن الأسباب الحقيقة لتقديم استقالتي من عملي السابق لوجدنا أنها تتمثل في الآتي:

أولا: الطموح العالي لدي أن أحقق مستوى أعلى من المستوى الذي كنت فيه .. لدي آمال وأحلام أريد أن أحققها على أرض الواقع، فوجدت أن عملي لم يكن الأرض الخصبة التي يمكن أن تنبت فيها تلك الآمال، وأن تنمو وتترعرع وذلك من خلال الروتين القاسي المميت الذي يجعل الموظف قابعا في وظيفته لسنوات طوال، حيث مكثت في درجتي الوظيفية عشر سنوات فكيف لي أن أحقق ذاتي إذا كان المكوث في الدرجة الواحدة يمتد لعشر سنوات.

ثانيا: الراتب في ذلك الوقت لم يكن بالقدر الكافي الذي يرضي طموحاتي ويحقق ما أصبو إليه.

ثالثا: أكملت دراستي على نفقتي الخاصة دون أخذ إجازة سواء بمرتب أو دون مرتب في الفترة المسائية وحصلت على الشهادة الجامعية، وعندما تقدمت لاحقا بطلب الحصول على إجازة براتب لإكمال دراستي العليا أسوة ببقية الوزارات العاملة في السلطنة لم ألق أي اهتمام أو قبول وإنما كان الرفض هو الأول والأخير.

رابعا: لم تكن وظيفتي توجد لي علاقات اجتماعية مع المجتمع المحلي بجميع مؤسساته المختلفة، الأمر الذي جعلني معزولا عن العالم الخارجي، وقابعا بين جدران الغرف الدراسية فقط. وقال: بالنسبة لنظرتي للمستقبل - الحمد لله - لقد من الله علي بوظيفة ممتازة استطعت خلال الفترة الماضية أن أثبت نفسي خلالها وأن يكون لي انتشار بين الأوساط المشابهة لها وحاليا أعمل جاهدا على تكثيف الجهود من أجل تحقيق ما كنت أحلم به وأرسمه في الماضي وأرى أن المستقبل مشرق وواعد بإنجاز العديد من الآمال والطموحات التي ترضيني بإذن الله والقادم أفضل.

وأضاف: التقاعد بالنسبة لي لم يكن، ولن يكون، انتهاء عمل، وإنما هو بداية عطاء متجدد أحقق فيه ذاتي ومستقبلي وطموحاتي فلله الحمد لا أعاني من فراغ وإنما شغلت نفسي بوظيفة أخرى أجد نفسي فيها شعلة من النشاط -ولله الحمد - أيضا بدأت بعض أحلامي تتحقق بعد أن تركت وظيفتي السباقة التي دامت لعشرين عاما من البذل والعطاء والتفاني والإخلاص في العمل.

صدمة التقاعد وفقدان الأصدقاء

أما علي المعمري (متقاعد) فيتحدث عن تجربته الشخصية فيقول: كان قرار قبول استقالتي بسهولة أمرا صادما لي، فلم أكن أتخيل يوما أنهم سيتخلون عني بخطاب عادي، لا يليق بسيرتي الطويلة في المؤسسة التي كنت أعمل بها، حتى أنهم لم يهتموا بمعرفة الأسباب الحقيقية التي أجبرتني على تقديم الاستقالة، والغريب أن زملائي في العمل عبر نبأ الاستقالة عليهم مرور الكرام، عندما تركت مقعدي في العمل مررت بأيام عصيبة خاصة في الأشهر الأولى، وتمكن مني حالات الغضب والحزن، إلا أنني بمساعدة عدد من المقربين لدي قررت أن أتعايش مع الأمر مضيفا أنه اكتشف مع الأيام أنه قادر على العمل الحر بتفان كبير واحترافية عالية، الأمر الذي خلصه من صدمة التقاعد وفقدان الأصدقاء الذين ربطتهم به علاقة طويلة.

وبنبرة أسى وحدة صوت قال المعمري: اكتشفت، بعد سنوات طويلة، أن من ألتقي بهم كل صباح في العمل ليسوا إلا مجرد زملاء عمل، يختفون عندما تعبر أقدامك خارج أبواب المؤسسة التي عملت بها فترات طويلة، ربما يكون هذا أمرا صادما للبعض، لكنه واقع بالنسبة لي، هاتفي النقال أصبح صامتا بعد خروجي من العمل، اختفت أرقام الكثيرين من أعرفهم، وأيقنت أن الرابط بيننا هو العمل فقط.

تحدث المعمري طويلا وأشار إلى أنه لم يتوقع سيناريو نهاية مسيرة عمله في المؤسسة التي عاش فيها سنوات طويلة بهذا الشكل.

تتغير حياة المتقاعد

يعتقد راشد بن سعيد الربيعي (موظف) أن التقاعد بداية لمرحلة جديدة في حياة الإنسان حيث تتغير حياة المتقاعد من روتين العمل إلى فضاء التألق والعطاء اللامحدود فباستطاعة المتقاعد تجديد حياته بين الأنشطة التي الرياضية والاجتماعية والتطوعية فضلا عن الأعمال الخاصة التي قد يلجأ إليها بعض الأفراد.

وأضاف: لعلنا نرى أن الكثير من السياح الكبار في السن خاصة من الدول الأوروبية يعتبرون أن سن التقاعد مرحلة للاستجمام والراحة والتعرف على الثقافات والحضارات الأخرى وهذا يقودنا إلى مرحلة ما قبل التقاعد وهي مرحلة الادخار وكيفية التخطيط السليم قبل الخروج للتقاعد.

حياة أخرى .. تبدأ مع التقاعد

وتفاؤل كبير تتحدث سوسن بنت عمران البوسعيدية قائلة: مرحلة التقاعد ليست نهاية العطاء، والاستمرارية كما يعتقد البعض، إنما بداية لحياة جديدة وعطاء من نوع آخر، فهو يمنح الإحساس بالحرية لتخلصه من ضغوطات العمل التي قد يكون أجبر عليها، إضافة إلى الحد من التوتر الناتج عن الضغوطات النفسية بسبب العمل والإحساس الدائم بالإرهاق والتعب نتيجة هذه الضغوطات. وأضافت: التقاعد هو تجديد الحياة ... حياة أخرى لم يتسن لنا أن نعيشها سابقا .. فعلى المتقاعد توظيف قدراته ومهاراته في أنشطة وأعمال تستهويه، فهذه المرحلة هي مرحلة التفرغ للحياة الخاصة، واكتشاف الذات ومهاراته وهواياته التي يجيدها، ولم يتسن له الوقت للقيام بها، دون أن يكون هناك من يلزمه على القيام بهذا وترك ذاك. فالإنسان قادر على العطاء والإنتاج طالما يتمتع بالصحة الجيدة مشيرة إلى أنه يجب أن يكون الاستعداد النفسي والمعنوي والمالي قبل الإقدام على هذه الخطوة خاصة في التقاعد المبكر، حيث يقدم عليه المرء وهو في أوج عطائه وقوته، ومن يقدم على هذا القرار يتمتع بالجرأة لبدء حياة أخرى، فمن لا يخطط لهذا الأمر جيدا سيصاب بخيبة أمل قد تؤدي إلى العزلة والانهيار، حيث يصبح بلا هدف في الحياة.

وأضافت: مرحلة التقاعد مرحلة الاستمتاع بالحياة ومباهجها وعلينا أن نبدأها بإيجابية فهي تتيح للمرء قضاء أوقات أكثر بصحبة الأسرة والأصدقاء، والبدء بمشروع خاص مستغلا مهاراته لتوفير دخل إضافي، أو الانضمام إلى إحدى الجمعيات الخيرية فبالعطاء ترتاح النفوس، كما يتيح للمرء الوقت للقراءة والتثقيف، فعلى الإنسان دائما التفكير بعمل ما لتستمر معه الحياة فالفرص المتاحة كثيرة، ولا نخجل من لقب متقاعد، علينا أن نزرع الحب لتحلو الحياة مع التقاعد.

آراء أخرى..

أما سالم بن حميد المعمري (متقاعد) يؤكد على حقيقة أن يفهم المتقاعد قدراته وطاقاته قبل اتخاذ هذا القرار، هل يستطيع البقاء بالمنزل والابتعاد عن العمل؟، أو البدء بمشروعه الخاص الذي خطط له سنوات طويلة؟

وأشار المعمري إلى أن بعض المتقاعدين يفضلون العمل في القطاع الخاص والشركات، أو الانخراط في الأعمال الاجتماعية والتطوعية، فيعرض خدماته على الجمعيات الأهلية لتقديم استشارات وتدريب وتأهيل.

وقال: إن ذلك كله يعود للشخص نفسه وذكائه وطريقة اختياره، موضحا أنه يمكنه أيضا أن يلعب دور الداعم على مستوى الأسرة، إلى جانب الانخراط بالمجتمع، خصوصا الأصدقاء المتقاعدين الذين مروا بهذه التجربة، وكذلك تنظيم فعاليات وأنشطة خاصة بهم.

ويشاركنا الحديث عبد العزيز العيسائي حيث يقول: كثيرا ما يكون الشخص أسير عمله، فيعتاد عليه ولا يستطيع أن يفارقه، فمتى ما أنهى مدته وأحيل للتقاعد يصاب بالأمراض النفسية والجسدية، والغريب في الأمر أن عقله وجسده استخدمهما فتره طويلة في عمله، وما زال يحتفظ بهما بعده فهما ملك له، فلماذا لا يستغلهما في أعمال حرة بعيدة عن سطوة المديرين أو أرباب العمل ؟

البقاء في دائرة مغلقة

أما محمد الخزيمي (موظف) فقال: أتفق مع رأي زملائي السابقين على أنه لا يوجد – للأسف- من يساعد المتقاعدين بعد تغير نظامهم الوظيفي، فلو كانت هناك أندية خاصة لهذه الفئة تحتوي على جميع أنواع النشاطات والترفيه التي تتناسب مع ميولهم ومواهبهم لوجدت الكثيرين يميلون إلى التقاعد والابتعاد عن العمل والإرهاق وهناك أكثر من فكرة وفكرة للتقاعد، لكن الكثير يفضلون البقاء في دائرة مغلقة. وأضاف: أنا مؤمن أن التقاعد لا يعني انتهاء ذلك كله، وإنما هو يشكل تحديا لذكاء الشخص وتخطيطه المبكر، كما أنه يمثل فرصة سانحة لمزاولة الهوايات المفضلة بحرية مطلقة.

الخاتمة

إننا أمام حقيقة متكاملة الأركان مفادها أن تغير مفهوم التقاعد في مجتمعاتنا العربية يحتاج عملا جادا سواء على مستوى الدول أو المؤسسات التي يعمل بها الموظف فمن الضرورة أن يكون هناك متابعة لهؤلاء المتقاعدين واستمرار في دعمهم بعد انتهاء مسارهم المهني، أو مواكبتهم عبر مجموعة من البرامج التحفيزية، وأيضا جميع المؤسسات المجتمعية يجب عليها أن تتحمل جزءا مهما من المسؤولية في محاولة تغيير مفهوم مجتمعاتنا العربية حول التقاعد، حتى نستطيع أخيرا أن نقول إن هناك فعلا حياة أخرى بعد التقاعد.