أفكار وآراء

تجربة السلطنة في مجال الأمن الغذائي

25 مارس 2017
25 مارس 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تجربة الاستثمار العماني في مجال الأمن الغذائي تعود إلى السبعينات من القرن الماضي عندما تم تأسيس شركة المطاحن العمانية ثم شركة صلالة للمطاحن وشركة الأسماك العمانية في الثمانينات، فيما استمرت الحكومة مع القطاع الخاص في تعزيز الاستثمارات في هذا القطاع ليحتل اليوم دورا رائدا في مجال الأمن الغذائي. أما المشروعات المستقبلية في هذا القطاع فهي عديدة، الأمر الذي يساعد تحقيق الأمن الغذائي للسلطنة مع نهاية عام 2040 وبنسبة 100%، بينما تصل النسبة حاليا بين 30 و35%، وسوف تزداد إلى ما بين 70 إلى 80% عام 2020 لنحقق في ظرف السنوات الباقية لعام 2040 بقية المشروعات في هذا القطاع.

هذا ما كشف عنه المهندس صالح بن محمد الشنفري الرئيس التنفيذي للشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة في المحاضرة التي ألقاها في المجلس الأسبوعي للخنجي بحضور عدد كبير من رجال الأعمال والاقتصاديين والمصرفيين والإعلاميين وغيرهم من المهتمين بقضايا القطاع الخاص. وتحدث عن تجربة الشركة مشيرا إلى أن الموضوع قد تم تداوله بلجنة المواد الغذائية بغرفة تجارة وصناعة عمان قبل تسعة أعوام، وانتهى بإصدرا توصية ثم قيام الحكومة بإنشاء هذه الشركة لتعزيز مجالات الأمن الغذائي في السلطنة. ويرى المسؤول أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذا القطاع سواء في السلطنة أو بقية دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة لاحتياجات دولنا إلى تأمين الغذاء في هذا القطاع الهام، الأمر الذي دفع بعض دول المجلس للاستثمار الخارجي من خلال شراء أراضي زراعية في دول أخرى، حيث تمت مبادرات كثيرة ومتنوعة على مستوى دول المجلس، وتم استحواذ على أراضي في إفريقيا واستراليا وأمريكا اللاتينية، لكي تصبح هذه المسألة اليوم من القضايا السياسية في بعض تلك الدول وتناقش في برلماناتها، وتفرض ضرائب على المنتجات المصدرة منها إلى المنطقة. وهذا الأمر يدعو الجميع إلى ضرورة التفكير في الاستثمار الداخلي باعتباره الأسلم والأمن، وفي نفس الوقت يوفر العديد من فرص العمل للمواطنين. وأكد المحاضر بأن السلطنة تتمتع بوجود أراضي شاسعة تصلح للزراعة ولديها إمكانيات مائية و(المياه الهامشية) ورؤوس أموال وأفراد يمكن التركيز عليها في إقامة مشاريع غذائية معينة.

وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فلا توجد لديها مبادرة جماعية مشتركة وموحدة في هذا القطاع وفق كلام المسؤول، وإنما كل دولة منها تقوم بإنشاء مشاريع خاصة لها لتعزيز أمنها الغذائي، مشيرا إلى أن السلطنة وبفضل المشاريع التي تمت في هذا القطاع تحتل اليوم مرتبة الـ 26 عالميا في مجال الأمن الغذائي، والثاني أو الثالث على المستوى العربي، فيما تتمتع المنتجات الغذائية العمانية بالجودة العالية ومواصفات عالمية، وعليها إقبال كبير سواء من دول مجلس التعاون الخليجي أو في بقية الدول التي تصل إليها المنتجات الغذائية العمانية. وهذا يساعد بأن تكون السلطنة مركزا إقليميا أو عالميا لإنتاج المواد الغذائية نتيجة لموقعها الجغرافي بين الدول والقارات من جهة، وإمكاناتها في مختلف المجالات الأخرى وقدراتها في المجالات اللوجستية من جهة أخرى.

تجربة الاستثمار في مجال الأمن الغذائي في السلطنة هي تجربة ناجحة واستثمار واعد في هذا القطاع، الأمر الذي يساعد على تحسن الأحوال المعيشية في السلطنة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، فيما يزداد الطلب على الأغذية وعلى وجه الخصوص البروتينات، وفي نفس الوقت نفسه تزداد الفجوة الغذائية بشكل واضح في عدة دول في العالم، وتكبر فاتورة الواردات، بينما هناك العديد من الفرص الممتازة لإحلال الواردارت. ويشير المحاضر إلى أن تعريف مؤتمر القمة العالمي للأغذية الذي عقدته منظمة الأغذية والزراعة الدولية للأمن الغذائي خلال السنوات الماضية ينص على الأمن الغذائي يتحقق عندما يتمتع البشر كافة وفي جميع الأوقات بفرص الحصول عليه من الناحيتين المادية والاقتصادية، وعلى أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية كي يعيشوا حياة موفورة النشاط والصحة. أما تعاريف الأمن الغذائي فهي متعددة نتيجة لتباين وجهات النظر. ويرى البعض أن الأمن الغذائي يعني قدرة الدول على توفير الاحتياجات الغذائية الضرورية لكافة السكان في الحالات الحرجة والطارئة الاستثنائية، بينما يرى الآخرون أنها قدرة الدول على توفير أهم السلع الغذائية الاستراتيجية للسكان في وقت الحاجة بالكمية والأسعار المناسبين، وتوفير الغذاء الكافي لضمان حياة صحية ومنتجة لجميع المواطنين وفي جميع الأوقات. ورغم اهتمام الدول بهذا القطاع فان الكثير لديها مبادرات منعزلة وغير متكاملة تركز على الأعلاف واللحوم الحمراء. ولكن في جميع الحالات يجب دراسة مخاطر الاستثمار الخارجي في هذا القطاع.

ونرى في السلطنة بأن القطاع الخاص المحلي يزداد سعيه للاستثمار في قطاع الغذاء، وقد حققت الشركات الغذائية المحلية نتائج وأرباحا جلية ومغرية، وأصبحت لديها من الخبرات العمانية المتراكمة والنجاحات المحققة التي تجذب المزيد من الاستثمارات، وهناك إقبال كبير من الصناديق الاستثمارية والمجموعات المالية نحو هذا القطاع، وهناك مبادرات نوعية ذات طبيعة استراتيجية، فيما الفرص متاحة داخل السلطنة في هذا القطاع. ويشير الباحث إلى أن تجربة الاستثمار في مجال الغذاء في بداية الأمر لقيت نفورا من القطاع المصرفي العماني مقارنة بقطاع التجارة والعقار والأسهم ، باعتبار أن المخاطر فيه كبيرة، وأنه يحتاج إلى سنوات للحصول على العوائد، ومن هنا كان الإقبال المصرفي قليلا على تمويل قطاع الغذاء، إلا أن بنك عمان العربي كان المبادر في تحمل هذه المخاطر لتمويله، لتصبح المؤسسات المصرفية اليوم داعما كبيرا لقطاع الغذاء في السلطنة. ويرى المحاضر بأن مختلف المحافظات والولايات العمانية مهيئة لتكون مراكز لإقامة المشاريع الغذائية نتيجة لتميزها عن الأخرى. فعلى سبيل المثال، يمكن لولاية بركاء أن تصبح مركزا لوجستيا عالميا وتختص بسلسلة العمليات المبردة وللمنتجات الغذائية المصنعة. أما ولاية صحار فيمكن لها أن تكون مركزا إقليميا للحبوب والخضروات والفواكه، ومركزا للتصنيع الغذائي، بينما يمكن لولاية الدقم أن تكون مركزا إقليميا لإنزال الأسماك، وتختص في مجال النشاط اللوجستي المرتبط بتخزين المنتجات السمكية والغذائية وإعادة توزيعها. أما المنطقة الداخلية فيمكن لها أن تكون مركزا وطنيا لتجميع وتعبئة وتغليف وتسويق التمور ومشتقاتها، فيما يمكن لولاية صلالة أن تصبح مركزا إقليميا للحوم الحمراء والألبان واللحوم البيضاء والأعلاف الخضراء، فيما يمكن لولاية عبري وادم والمضيبي وهيما وثمريت والمناطق الصحراوية بأن تصبح مناطق لإنتاج الدواجن والبيض والاعلاف الخضراء نتيجة لبعدها عن مناطق الرطوبة مثلما هي معروفة في محافظة الباطنة.

إن الرؤية المستقبلية لقطاع الغذاء في السلطنة تهدف إلى أن تكون الشركات العاملة في هذا القطاع من الشركات الرائدة في الاستثمارات الاستراتيجية في قطاع الأغذية للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي للسلطنة، وأن تكون رسالتها هي الاستثمار منفردة أو مع شركاء استراتيجيين في مختلف المشاريع الغذائية التي تهم السلطنة سواء في الداخل أو الخارج للمساهمة كلما أمكن في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي للسلطنة. فلا زالت هناك فرص عديدة لاستهداف القطاعات والأنشطة في مجال اللحوم البيضاء والحمراء، والخضروات والفواكه والألبان والأعلاف والحبوب والأسماك والتسويق والمشاريع اللوجستية، والأنشطة والمشاريع المساندة في وجود مؤسسات التمويل والصناديق والمحافظ الاستثمارية في قطاع الأغذية. وأشار المحاضر في نهاية حديثه إلى أن الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة مقبلة على استثمارات غذائية جرئية منها استثمارات في قطاع الألبان بقيمة 250 مليون دولار، وفي الدواجن بقيمة 250 مليون دولار، وفي اللحوم الحمراء 100 مليون دولار، وبيض التفقيس 160 مليون دولار بالإضافة في مشاريع جمع وتصنيع الحليب، وإقامة مشاريع قيد الدراسة في الأمصال البيطرية وفول الصويا، مؤكدا بأن جميع تلك المشاريع تتم في إطار تكامل الأدوار بين الشركة والهيئة العامة للمخازن والاحتياطي الغذائي. وهذا يتطلب ضرورة مواجهة أهم التحديات المتمثلة في إقامة استثمارات طويلة المدى، ومواجهة التحديات التمويلية، وضرورة الاستعانة بالخبرات المتراكمة، وإيجاد التوعية المجتمعية الشاملة ومنها التوعية الإعلامية من مختلف وسائل الإعلام.