ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :جيل غير.. بكل المقاييس

24 مارس 2017
24 مارس 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

ما نسمع وما نرى أحيانا من انتهاكات لحقوق التربية من قبل هذا الجيل الصغير؛ الذي للتو يتلمس البدايات الأولى للحياة لشيء تقشعر منه الأبدان، ذلك لأن مثل هذه التصرفات لا تبدو أنها طبيعية، بل شاذة بصورة مطلقة، طبعا نلوم الأبوين، ونلوم المدرسة، ونلوم بيئة المجتمع ككل، وعندما نجلس مع هؤلاء كلهم، ونسمع مجمل المبررات التي يتكئون عليها في التعامل مع هذا الجيل، نعذرهم كلهم، ونطرح تساؤلا جوهريا، من أين تأتي أسباب المشكلة؟

هنا تستوقفني مجموعة مشاهد، لم تقع عليها عيني، ولكن رُويت لي؛ لست حاقدا على الطفولة، ولست مدافعا عن دور الأبوين، ولست واجدا العذر عن تحمل الإدارة المدرسية عن مسؤولياتها، ولا منتصرا للظروف المحيطة بهذا الطفل، أو هذه الطفلة، وإنما استحضر كل هؤلاء تحت سماء كل المسؤوليات؛ بدءا من المسؤولية التربوية، والمسؤولية الأخلاقية، والمسؤولية الاجتماعية، والمسؤولية الفطرية، وباحثا عن مناخ آمن لعله يجد فيه أملا للتخلص من كثير من هذه الإخفاقات التربوية الأخلاقية الاجتماعية سواء بسواء.

في الزمن الذي ولى، كانت مساحة الطفولة آمنة بصورة مطلقة، إلا ما ندر، وهذه الندرة قد يربك تماسكها أحد الكبار الذين لا ضمير لهم، عندما يعبثون بالفطر السليمة، من فهم «كل مولود يولد على الفطرة ..»، أما بخلاف ذلك فالأمور، كما يقال اليوم «طيبة» هذا الفهم تغير اليوم على مساحة دوران (360) درجة وفق المقاييس الهندسية، هناك تحول غريب، وأسبابه تكاد تكون «هلامية» حيث لا تستطيع أن تمسك بطرف رئيسي، البعض يلصقها على وسائل التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر يذهب بها إلى هذا الفضاء الكوني الممتد، والبعض الآخر يختزلها فقط على البيئة المحيطة، وهناك من يرميها على الوالدين ويريح نفسه.

يذهب التصور إلى أبعد من ذلك، ولكنه يقف حائرا عن اليقين على السبب الرئيسي، ولذلك تزداد الحيرة، ويكثر عدد الأسئلة، وتظل الحالة تراوح مكانها، وهي قابلة للتمدد أكثر وأكثر، وقد يتطور هذا التمدد إلى وجود كم نوعي في هذا التردد، فما نراه وما نسمعه يكاد يتجاوز ما هو معقول قياسا بعمر الطفل وتجربته وخبرته في الحياة.

الآباء يشتكون، والمدرسون يشتكون، والمنظرون يشتكون، وحدهما المساجد والإعلام؛ لا يشتكيان؛ والدليل أن منابرهما لا تتطرق إلى القضايا الأخلاقية التي تزكم الأنوف، ويكون أبطالها الأطفال، في إحدى المدارس طفلة من الحلقة الثانية تتزعم مجموعة، تتجول بها بين ممرات المدرسة، ومن تصوب إليها سهام الاتهام من الطالبات، ولو بدون سبب، فيا ويلها من الركل والضرب، وربما السباب الفاضح، وفي الحلقة الأولى حيث الجنسين، هناك مواقف ترتعد منها الفرائص، والهيئة التعليمية مصدومة إلى حد البكاء.

ما الذي أصاب هذا الجيل؟ وإلى أين يذهب به التيار؟ وما المخرج؟ لا نطرح أسئلة «سفسطائية»، وإنما نتكلم عن واقع مخيف، ومربك للحسابات التربوية كلها، سيأتيك من يقول إن الثورة الاتصالية هي السبب، حيث السماوات المفتوحة، وهناك من يصدمك بتقصير الوالدين عن القيام بواجبهما الكامل، وهناك من يعيب ضعف القوانين المدرسية، وكل هذه لن يشك أحد في قصر أدوارها للحد من هذه النزعة القيمية السالبة، ولكن هناك سبب آخر، ربما أكبر، وهو الذي لم تتبلور صفته وهيئته وحقيقته، ويبقى هذا السلوك، في هذا العمر المبكر، نشازا بكل المقاييس، وإن قبل من أعمار كبيرة نسبيا، فإنه مرفوض رفضا قاطعا من مثل هذه الأعمار الصغيرة التي للتو تتلمس البدايات الأولى للحياة.