960937
960937
إشراقات

في يومها العالمي :المياه ومسؤولية المحافظة عليها مطلب ديني

23 مارس 2017
23 مارس 2017

كيف نتعامل مع هذه الثروة ؟

د. ناصر بن علي الندابي -

960932

الأهمية التي أولها القرآن والسنة النبوية بالماء يجب أن تنعكس على حياة المسلم ويعرف كيف يتعامل مع هذا العنصر الحيوي، ولقد أوضح لنا المصطفى عليه السلام طريقة التعامل فما على المسلم ألا أن يسير عليها وينهج نهجها. فقد حث الإسلام على الاقتصاد والاعتدال في استخدام الماء، ونهى عن الإسراف والتبذير فيه، وحين نمخر عباب تاريخنا ونسبر أغواره نجد أن الماء احتل مكانة بارزة في الحضارة الإسلامية، فقد تغنى به الشعراء وذكره الخطباء واهتم به الخلفاء، فتسابقوا لشق الأنهار وإنشاء السدود والترع، وحفر الآبار، وبناء القنوات المائية.

كلنا نتذكر تلك الحادثة المقدسة الرائعة التي كانت سببًا في إرجاع الحياة إلى الأراضي المقدسة، إلى أطهر بقاع الأرض، إلى مهوى القلوب وأنس المؤمنين، إلى بكة المكرمة، تلك الحادثة التي أعادت إلى البيت الحرام مكانته السامقة السابقة، وإلى تلك البقاع الطاهرة الحياة النابضة، إنها حادثة تفجر المياه من تحت أقدام النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فهي كانت بمثابة الفرج بعد العسر واليسر بعد الضيق الذي لحق به وبأمه الطاهرة هاجر، فظهور الماء من بئر زمزم كان إيذانًا لعهد جديد على هذه العرصات المباركة.

إذن فالماء هو الذي أعطى تلك الأراضي المقفرة الحياة، يقول الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام واصفًا تلك البقاع: (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)، وما أبلغه من وصف لهذه الأرض الخالية من أبسط أسباب الحياة، ولكن الله يحيي الأرض بعد موتها، وليس ذلك على الله بعزيز.

فالماء شريان الحياة وأساس بقائها وبقاء كل كائن حي عليها، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)، وإن اختفاء الماء من على البسيطة هو إيذان باختفاء الحياة كـلها، فلا حياة بدون ماء ولا ماء بدون حياة.

وقد تحدث القرآن وأسهب في ذكر أهمية الماء فقد ذكر الماء في أكثر من سـتين موضعًا، وأغلب ووردها كان بمعنى النعمة، من ذلك قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) وقوله عز وجل: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ)، بل حتى ذلك الماء الذي تحت الأرض ذكره وأشار إليه.

فمما يذكر في هذا الصدد أن أحد العلماء نزل إلى منجم للفحم يبلغ عمقه أكثر من ألف متر، وعثر فيه على مياه تعود لملايين السنين، ولكنه تفاجأ بوجود أحياء تعيش فيه وتتكاثر بقدرة جبّار السموات والأرض، ولكن هذه الأمر لم يكن غريبا على المسلمين فقد نبهنا القرآن الكريم إلى هذا الأمر في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ).

إن أهمية الماء بالنسبة للعنصر البشري بصورة خاصة وللكائنات الحية بصورة عامة أوضحه القرآن من خلال الآية القرآنية السابقة الذكر، وكذلك نجد الكثير من الأحاديث التي تذكر أهميته وتحث على الاهتمام بهذا الشريان الأساسي وإبقاءه صالحًا للاستخدام ونظيفًا ليتمكن من شربه الإنسان، ويحافظ على بقاء الحيوان والنبات، فقال عليه الصلاة والسلام:

«اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل»، والمقصود بالموارد هنا كل الموارد المائية من أنهار وعيون وآبار وأفلاج وغيرها .

كذلك جاء عن النبي الهادي المهتدي صلى الله عليه وسلم أنه: «نهى أن يبال في الماء الراكد» و«نهى أن يبال في الماء الجاري»، فنرى من هذه الأحاديث الاهتمام الكبير من قبل المصطفى عليه السلام بإبقاء هذا العنصر الحيوي صالحا ومتاحا لأي استخدام آدمي.

ولقد ارتبط الماء بقبول الكثير من العبادات، من بينها الصلاة، فلا تصح الصلاة بلا وضوء ولا وضوء إلا عن طريق الماء ما دام موجودًا ومتوفرًا، وبما أن الماء يدخل في أهم عبادة التي هي عمود الدين وأساسه فهذا دليل على أهميته في الحياة، ولا غرابة أن رأينا الكثير من كتب الفقه تفرد بابا كاملا باسم الطهارات.

وحين نمخر عباب تاريخنا ونسبر أغواره نجد أن الماء احتل مكانة بارزة في الحضارة الإسلامية، فقد تغنى به الشعراء وذكره الخطباء واهتم به الخلفاء، فتسابقوا لشق الأنهار وإنشاء السدود والترع، وحفر الآبار، وبناء القنوات المائية.

إنَّ هذه الأهمية التي أولها القرآن والسنة النبوية بالماء يجب أن تنعكس على حياة المسلم ويعرف كيف يتعامل مع هذا العنصر الحيوي، ولقد أوضح لنا المصطفى عليه السلام طريقة التعامل فما على المسلم ألا أن يسير عليها وينهج نهجها. فقد حث الإسلام على الاقتصاد والاعتدال في استخدام الماء، ونهى عن الإسراف والتبذير فيه، فقال سبحانه وتعالى ناهيا عن الإسراف بشتى صوره وأنواعه: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، فيتضح من هذه الآية أن الإسراف ممنوع ولو كان الهدف منه تأدية عبادة.

وكان نبينا الهادي أول من دعا إلى عدم الإسراف في الماء ومما جاء في ذلك عنه عليه الصلاة والسلام قوله: «كلوا واشربوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة»، فهذه دعوة منه إلى عدم الإسراف في كل شيء من أمور الدنيا، تماشيا مع تلك الآية القرآنية التي ذكرناها أنفا.

وأرشدنا المصطفى -عليه السلام- في كيفية الاعتدال في استخدام الماء أثناء الغسل من الجنابة أو الاستحمام، فقد كان الأسوة الحسنة لأصحابه ولأمته من بعده في كل شيء، فقد أخرج مسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عن أنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد»، ولكي نتصور اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالماء وعدم الإسراف فيه، فعلينا أن نعرف ماذا يعني المد والصاع، المد هو: مقدار ملئ كفي الإنسان المعتدل، وهو ما يقدره بعض العلماء اليوم بلتر ونصف من الماء، والصاع يقدر بأربع حفنات بكف الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرها.

بل تعدى الأمر إلى نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسراف في الماء ولو كان من أجل الوضوء، فقد روى عبدالله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: ما هذا الإسراف؟، فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال: «نعم، وإن كنت على نهر جار».

وهذا الذي كان يطبقه رسول الله -عليه السلام- بين أصحابه وبمفرد وبين أهله، فمما يروى عنه عليه السلام أنه توضأ بثلثي المد، وقد روي عن السيدة عائشة –رضي الله عنها– أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك.

ومن خلال ما ذكرنا سابقا فإنه على الإنسان أن يحافظ على الماء أيما محافظة، ويتذكر دائما أنه مستخلف في هذه الأرض وأنها ليست ملكا له فالأرض أرض الله والملك ملك الله، فهو مسؤول أمام الخالق عن المحافظة على الأرض وعدم الإفساد فيها والإخلال بنظامها ونواميسها، قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) ومن مقتضيات الاستعمار في الأرض إصلاحها وعدم هدر مصادر الحياة فيها.

كذلك على المسلم أن يتذكر أن الماء نعمة من نعم الله عز وجل وعليه شكرها، وشكرها لا يتأتى إلا بالمحافظة عليها، وعلى مصادرها، يقول سبحانه وتعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) فكفران هذه النعمة مؤذن بذهابها، وذهابها يعني انتهاء الحياة على هذه البسيطة.

والماء أمانة أئتمنها الله عباده، وعلى المؤتمن أن يحافظ على أمانته من الفقدان والضياع، ولقد امتدح الله سبحانه وتعالى أولئك المحافظون على آماناتهم فقال سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) ويعلم المسلم المؤمن أن خيانة الأمانة ليست من سماته، بل هي من صفات المنافق وسمات الكافر بأنعم الله .

والماء هو ليس ملك لفرد معين أو لفئة معينة بل هو لهذا الجيل والأجيال القادمة، والإسلام يدعو إلى العدالة الاجتماعية ومن العدالة أن تتذكر أن هذه المياه ستكون لمن بعدك، فحافظ عليها لتصل سليمة كاملة وافية إلى أبنائك وأحفادك، وكما جاء في الأثر الناس شركاء في ثلاث: «الماء والكلأ والنار» فإذن المحافظة على الماء هو قيمة إسلامية نبيلة، فالمتمسك بها هو في الحقيقة متمسكا بقيم الإسلام الحنيف وتمسكه هذا يؤجر عليه، وتركه يعد انتقاص في شخصيته الإسلامية الحقة المطبقة لكل قيم الإسلام ومبادئه.