ahmed-al-f
ahmed-al-f
أعمدة

نوافـذ: مباهاة حتى النخاع

21 مارس 2017
21 مارس 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

ليست المرة الأولى التي أحضر فيها مناسبة عقد قران تلبية لدعوة كريمة من صديق، أو قريب، أو بصحبة أحد هو المعزوم في الأساس، ويذهب ما يقرب من نصف عدد المعزومين بدون تناول وجبة العشاء، حيث إن معظم مناسبات عقد القران في الفترة ما بعد إحدى الصلاتين: المغرب أو العشاء، يرجع هذا العدد لعدم وجود المكان الذي يستوعبهم مع من سبقهم، وإذا انتظروا وقوفا حتى الانتهاء من مراسم عقد القران، يقينا لن يجدوا من الوجبة المخصصة للمعزومين ما يكفي لهذا العدد الكبير الذي يناهز المئات من البشر، وهذه أصبحت ظاهرة شبه متكررة، فعن تجربة شخصية حضرت ثلاث مناسبات عقد قران؛ حقا لم يجد ما يقارب نصف العدد ما يأكلون على الرغم من أنهم افترشوا الأرض في انتظار أن تأتي إليهم أنصبتهم من الوجبات، وبعد يأس يغادرون المكان، وفي واحدة من هذه المناسبات حتى الذين وجدوا أماكن داخل القاعة غادروا دون تناول الحلوى والقهوة لسوء التنظيم الذي رافق هذا العدد الكبير من الناس، والذين حظوا بالضيافة الكاملة من هم في الصفوف الأمامية فقط، وهي التي عادة تملأ بكبار المسؤولين، وأصحاب الوجهات الاجتماعية المعروفة.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذا التكلف المبالغ فيه؟ لا أحد ينتقد أن يعزم صاحب المناسبة من يود أن يشاركه هذه الفرحة في هذا اليوم الجميل، ولا أحد ينتقد أن يرد الجميل لمن بادره بالدعوة في مناسبة مماثلة، فهذا كله من الخلق الكريم المبارك من قبل الجميع بلا شك، لكن أن يتم دعوة هذا العدد الكبير من الناس الذي يتجشمون عناء المسافات البعيدة، فبعضهم يقطع مئات الكيلومترات لأجل هذا الأخ، وهذا الصديق، وهذا الزميل، وفي النهاية لا يجد الترحيب الذي يستحق، والكرم الذي يستحق؛ أتصور أن المسألة هنا تحتاج إلى كثير من المراجعة، وإلى كثير من دراسة الجدوى الاجتماعية، خاصة اليوم مع تزايد العدد، وسهولة التواصل والوصول، مع أن المسألة لا تحتاج إلى كل هذا التعقيد، فعقد القران لا يستوجب أكثر من شاهدين، ومع مراعاة ظروف العصر، وسلوك الناس، انعكاسا للحالة المادية «الخصبة» فليرتفع هذا العدد إلى (200) شخص، ومع المبالغة في ذات الصورة إلى (500) إما أن يصل العدد إلى ما فوق (1000) شخص، فهنا تخرج المسألة عن سياقها الطبيعي وتتجه اتجاها آخر، يقصد منه المباهاة، والتقليد الأعمى لا غير.

هنا، وحتى لا يخضع هذا الرأي لتفسيرات غير ما يراد لها، لا يوجد ما يمنع في دعوة ما يزيد عن الألف شخص، لكن بشرط أن يحظى كل مدعو من هذا العدد بالترحيب الذي يستحقه، ويكرم بالضيافة التي يستحقها، صغر هذا المدعو أو كبر؛ وجاهة ومنصبا، ويقال لمن يستطيع أن يدير هذا الكم الهائل في البشر في فترة زمنية قصيرة لا تتعدى ساعة زمنية واحدة، كفو عليه، وبارك الله فيك، وفعلا في مستوى الحدث الذي ارتضى أن يكون سيده في تلك الفترة الزمنية القصيرة، إما أن يدعو كل هذا العدد من البشر، ثم ينسل بين جموع المهنئين، بعيدا عن المواجهة الحقيقية وما يتطلبه هذا العدد من كرم ووفادة، يقال له عندئذ: لقد أخطأت الطريق.

الذي يحدث، وخاصة في مناسبات عقد القران، أن رب الأسرة يدعو، والأبناء يدعون، والإخوة يدعون، وتصل «حمى» هذه الدعوة إلى الأصدقاء حيث يقومون هم أيضا بدعوة أصدقائهم، وبالتالي يأتي أناس معزومون دون أن يعرفهم صاحب المناسبة نفسه، وبالتالي ووفقا لهذه الصورة فصاحب العزومة «رب الأسرة» قد يحجز وجبة غذائية لـ(600 – 700) مثلا، ويتفاجأ بعدد يزيد عن ذلك بكثير، وهذه إشكالية أخرى في نفس السياق، هنا يقتضي التنسيق بين جميع هذه الأطراف قبل البدء في نشر دعوة الناس، حتى لا يحرج الجميع في ختام المناسبة.