أفكار وآراء

ألغام الحل السياسي في سوريا.. بين الأستانة وجنيف

18 مارس 2017
18 مارس 2017

د.أحمد سيد أحمد -

«ست سنوات مرت على الأزمة السورية وخلفت مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين واللاجئين وتدمير البنية الأساسية للدولة، وما زالت تراوح مكانها بين اللاحسم العسكري واللاحسم السياسي»

الأزمة السورية شهدت تطورات مهمة في عام 2016 وبداية عام 2017 بعد عقد مؤتمر الأستانة في كازاخستان في نهاية شهر يناير الماضي ثم عقد مفاوضات جنيف4 في العشرين من شهر فبراير الماضي، وهو ما يثير التساؤلات حول إمكانية إنهاء الأزمة والتوصل إلى حل سياسي نهائي في ظل مفاوضات جنيف والأستانة. ثمة مجموعة من العوامل الإيجابية التي تعطى حالة من التفاؤل بشأن الأزمة ونجاح جنيف 4 في التوصل لحل سياسي أبرزها:

أولها: نجاح مفاوضات الأستانة في التوصل إلى وقف إطلاق النار وتثبيته من قبل الآلية الثلاثية التي تضم روسيا وإيران وتركيا، ورغم الخروقات التي تقع في بعض المناطق السورية، إلا أن روسيا نجحت في الضغط على النظام للالتزام بوقف إطلاق النار، كما نجحت تركيا في الضغط على المعارضة الالتزام بالهدنة، ويعد وقف إطلاق النار خطوة مهمة في اتجاه وقف نزيف الدم السوري المستمر منذ سنوات.

ثانيها: شكلت مفاوضات جنيف4 خطوة سياسية مهمة حيث عكست مع مفاوضات الأستانة فشل الحل العسكري وأنه لابد من حتمية الحل السياسي، كما نجحت لأول مرة في جمع طرفي الصراع السوري، النظام والمعارضة، لأول مرة وجها لوجه وعبر المفاوضات المباشرة بعد أن جرت بشكل غير مباشر في جنيف1و2و3 عبر الوسيط الدولي ستيفان دي ميتسورا، وهو ما يساهم في إزالة الحواجز النفسية بين أبناء الدولة الواحدة، كما دخلت جنيف4 في صلب الحل السياسي بعد الإطار المقترح للحل الذي قدمه دي ميتسورا ويشمل ثلاث أوراق خاصة بالحكم والانتخابات والدستور، وترك الجوانب العسكرية ومحاربة الإرهاب لمفاوضات الأستانة القادمة.

كما أبرزت مفاوضات جنيف الأخيرة مرونة نسبية من جانب وفدي التفاوض خاصة من جانب المعارضة وأظهرت حرصا على تحقيق تقدم ملموس على طريق الحل السياسي وعدم السماح لخروقات وقف إطلاق النار في إفشال المفاوضات، كما حدث بعد عملية حمص واستهداف المقرات الأمنية والعسكرية للنظام في المدينة.

ثالثها: تغير المواقف الإقليمية والدولية بشأن الأزمة السورية، حيث تهدف روسيا بعد التدخل العسكري في الأزمة لصالح النظام إلى التوصل إلى حل لسياسي لتقليل التكلفة العسكرية لها نتيجة لاستمرار النزاع خاصة بعد الانتصارات المهمة التي حققها النظام وحلفائه في معركة شرق حلب وإخراج المعارضة المسلحة منها، كما أصبحت تركيا أكثر براجماتية وتراجعت عن مبدأ تغيير النظام السوري إلى التركيز على محاربة الإرهاب وتنظيم داعش وتحجيم النفوذ الكردي في شمال سوريا عبر عملية درع الفرات ودعم الجيش الحر للسيطرة على مدينة الباب، كما تتجه الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب إلى التركيز بشكل أساسي على محاربة الإرهاب وإقامة مناطق آمنة في سوريا لوقف نزوح اللاجئين إليها، وتتجه إلى تحقيق تفاهمات مع روسيا والدول الإقليمية لحل الأزمة السورية، وكل هذه المؤشرات تعكس قناعة الأطراف الإقليمية والدولية بأنه لا حل عسكري للأزمة.

لكن في المقابل ثمة مجموعة من العوامل تشكل ألغاما وتهدد بنسف المسار السياسي وصعوبة التوصل إلى حل سياسي سواء في جنيف أو الأستانة، أبرزها: أولا: شكل ومضمون الحل السياسي، فرغم طرح دي ميتسورا ورقتين بشأن الإدارة والانتخابات والدستور وطرحها على وفدى النظام والمعارضة، وهو ما يمثل تقدما ملموسا على الأقل على الصعيد الإجرائي في ظل عدم رفض الوفدين لهما وتجاوبهما مع هذا الطرح، إلا ان مرجعية الحل السياسي لا تزال تمثل العقبة الكأداء أمام التوصل إلى تفاهم سياسي وحل شامل في ظل التعارض الحاد في مواقف النظام والمعارضة من مضمون الحل. فالنظام ومعه روسيا وحلفائه يستهدفون أن يكون الحل السياسي قائم على أساس تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من النظام والمعارضة وتشرف على الانتخابات والدستور مع استبعاد تماما الحديث عن مصير الرئيس بشار الأسد، مع طرح قضية محاربة الإرهاب كأولوية أساسية.

في المقابل تطالب المعارضة بأن يكون الحل السياسي وفقا لجنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، بتحقيق انتقال سياسي من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تقوم على إدارة المرحلة الانتقالية وإعداد دستور جديد وإجراء الانتخابات مع استبعاد عناصر النظام من أية ترتيبات مستقبلية إضافة إلى الجوانب الإنسانية بشأن رفع الحصار وإدخال المساعدات والإفراج عن المعتقلين. وهذا التعارض في شكل الحل السياسي ومرجعيته يمثل لغما كبيرا أفشل مفاوضات جنيف 1و2و3 ويهدف بنسف جنيف4 وأي مفاوضات مستقبلية، ولذلك فإن تناول مفاوضات جنيف الأخيرة للقضايا السياسية الخاصة بإدارة الحكم والانتخابات والدستور يمثل تطورا مهما، لكنه يحتاج إلى المزيد من جولات الحوار والمفاوضات المباشرة بين النظام والمعارضة من أجل التوصل إلى صيغة توافقية وحل وسط بين الرؤيتين المتعارضتين بما يعني أن المفاوضات سوف تستغرق وقتا طويلا، ويرتبط التقدم فيها بما ما يبديه النظام والمعارضة من مرونة وكذلك الأوراق التي يمتلكها كل طرف لفرض شكل الحل السياسي.

فالنظام لديه العديد من الأوراق خاصة بعد الانتصارات العسكرية التي حققها في العام الأخيرة، كما أن تبدل المواقف الدولية ودعم روسيا له يعطيه أوراقا مهما في تحديد طبيعة الحل السياسي، بينما تضاءلت أوراق المعارضة بشكل ملحوظ مع الهزائم العسكرية التي تلقتها، ومع تراجع الدعم الدولي لها خاصة الدعم الأمريكي بعد قرار إدارة ترامب بوقف برنامج تزويد المعارضة بالأسلحة والتدريب في القطاع الأوسط من سوريا.

ثانيا: عدم توحد المعارضة وانقسامها لأكثر من منصة، فهناك الهيئة العليا للمفاوضات السورية، وائتلاف قوى الثورة، وهناك منصة موسكو، ومنصة القاهرة، ورغم مساعي روسيا و دي ميستورا لتوحيد صفوف المعارضة ليكون وفدا واحد للتفاوض مع النظام وليكون الاتفاق شاملا لكل الفصائل، إلا أن هناك تباينات بين منصات المعارضة المختلفة خاصة حول القرار 2254 وشكل المرحلة الانتقالية، كذلك هناك تعارض متزايد بين روسيا وتركيا حول إشراك الأكراد في المفاوضات، فروسيا تضغط في اتجاه إشراك الأكراد، بينما ترفض تركيا بشدة حيث تتخذ موقفا عدائيا من الاتحاد الديمقراطي الكردي وذراعه العسكري، وحدات حماية الشعب الكردي، ودخلت عبر عملية درع الفرات لتحقيق هذا الهدف، ولذلك فإن عدم اتفاق المعارضة السورية المختلفة سواء حول التمثيل أو الموقف من الحل السياسي يمثل أحد الألغام أيضا التي تهدد بتفجير مفاوضات جنيف وما بعدها.

ثالثا: تحديات تثبيت وقف إطلاق النار الذي ترعاه روسيا وتركيا وإيران في ظل الخروقات العديدة التي تحدث في مناطق مختلفة من سوريا، كما يبرز تحدي سيطرة داعش وفتح الشام(جبهة النصرة سابقا) غير المشمولتين بالهدنة، في اندلاع العنف وتوسع نطاقها في ظل التداخل الشديد بين أماكن سيطرة هذين التنظيمين ومناطق سيطرة المعارضة المسلحة وعلى رأسها الجيش الحر، بل واندلاع القتال بين فصائل المعارضة المسلحة ذاتها، وهذا أيضا يشكل لغما في طريق تحقيق التهدئة العسكرية من أجل إنجاز التسوية السياسية، في إطار مراهنة طرفي الصراع على الحل العسكري لفرض الحل السياسي.

ولذلك فإن فرص نجاح مفاوضات جنيف وتوظيف وقف إطلاق النار الذي تحقق في الأستانة يرتبط بشكل كبير بمدى رغبة وقدرة أطراف الصراع، خاصة النظام والمعارضة، على تقديم تنازلات جوهرية من أجل التوصل إلى حل سياسي شامل لإنهاء الأزمة السورية ووقف دوامة العنف المستعرة منذ سنوات، وكذلك الاقتناع بأن الحل السياسي ينبغي أن يكون بأيدي السوريين أنفسهم، وليس بأيدي غيرهم، من أجل الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسيادتها واستقلالها وإخراج كل القوات الأجنبية من سوريا وإعادة الإعمار، لأن فرض حل سياسي من الخارج سيكون ترجمة لصراع النفوذ والمصالح بين القوى الدولية والإقليمية، ولن يكون في مصلحة الشعب السوري، ويعني استمرار حالة اللاحسم واستمرار المعاناة ونزيف القتل، وأقصى ما ستفضي إليه مفاوضات جنيف والأستانة وما بعدهما هو الحفاظ على وقف إطلاق النار ومعالجة الجوانب الإنسانية فقط.