أفكار وآراء

أداء جيد لسياسة ترامب الخارجية

15 مارس 2017
15 مارس 2017

مايكل أوهانلون وديفيد جوردون -

ترجمة قاسم مكي -

يو إس ايه توداي -

من المفاجئ أن السياسة الخارجية للرئيس ترامب تمضي على نحو جيد في الخارج، بغض النظر عما يحدث في كل يوم في 1600 شارع بنسلفانيا (العنوان الرسمي للمقر الرئاسي للولايات المتحدة أو البيت الأبيض- المترجم.) قد لا يستحق الرئيس تعاطفا مع خطبه الهجومية وتغريداته. ولكن في حين تبدو أفكار سياسته الداخلية خارجة عن المألوف إلا أن أداء فريقه الخاص بالأمن القومي أفضل كثيرا عما يُعتَقَد. يقينا من السابق لأوانه جدا أن يشعر المرء أخيرا بالاطمئنان إلى إدارة ترامب. فمزاجه الزئبقي لم يهدأ منذ تنصيبه. ولكن مهما كان السبب وراء اختيار هذا الفريق إلا أنه يبدو اختيارا ممتازا. لقد تمكن سلفا من تهدئة مخاوف العديدين حول العالم. وسيعزز هذا الاتجاه التعيين الذي جرى مؤخرا للفريق بحري مكماستر مستشارا للأمن القومي. ليس هنالك احتمال لحل أي من أزمات العالم الماثلة في أي وقت قريب. ولكن دعونا نقر بالفضل لمن يستحقه قياسا إلى التوقعات المعقولة لأداء أية أدارة جديدة في أول شهر من عمرها، خصوصا إذا كانت إدارة يقودها رئيس شعبوي عرف على مدى ثلاثة عقود بلغته الحادة. دعونا نأخذ جولة سريعة حول العالم. فيما يخص سياسة شرق آسيا، فقد قام وزير الخارجية جيمس ماتيس بأول رحلة خارجية للإدارة الأمريكية زار فيها طوكيو وسول. ودافع عن وجوب الإبقاء على متانة التحالفات الأمريكية - الكورية الجنوبية، والأمريكية- اليابانية. وصرح بتأييده لسياسة أوباما الساعية لتثبيت الوضع القائم هناك بالدفاع عن جزر سيكاكو اليابانية ضد أية تحركات من جانب الصين. كما تحدث بلغة غير عسكرية ومهدئة حول كيفية التعامل مع سلوك الصين في بحر الصين الجنوبي. وكان براجماتيا في حديثه حول كيفية التعاون في التعامل مع تهديدات الصواريخ النووية الأخيرة لكوريا الشمالية. لقد فعل الرئيس نفسه ذات الشيء لاحقا حتى بعد آخر حادثة إطلاق للصواريخ الكورية الشمالية حين استضاف رئيس الوزراء الياباني في ملعب الجولف. إلى ذلك أبلغ الرئيس ترامب بنفسه نظيره الصيني شي جينبينج أن الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بسياسة «صين واحدة». الراجح أن الصين على استعداد للدخول في حرب ضد تايوان لمنع استقلالها. ولأن مثل هذه الحرب قد تجرجر إليها الولايات المتحدة، لا نملك القدرة على المخاطرة بتصعيد الوضع هناك. ورغم رغبة ترامب في زعزعة الأوضاع على المسرح الدولي، إلا أنه قد دفع إلى العدول عن تصريحه في وقت سابق باتخاذ موقف محايد حول سياسة صين واحدة. ولكن معلقي التلفزة في واشنطن تعاملوا مع موقف ترامب «بالالتزام بهذه السياسة» كخبر عابر، قبل أن يستأنفوا الحديث عن آخر مثالب مايكل فلين أو تغريدات ترامب على تويتر. وعلى نحو شبيه بذلك، تراجع الرئيس عن الإسراع بإعلان الصين دولة متلاعبة بعملتها والتلويح بفرض رسوم جمركية كبيرة وشاملة على السلع الصينية. وعلى الرغم من أن الرئيس سيتخذ بلا شك، موقفا متشددا تجاه السياسات التجارية للصين إلا أنه يتجنب الخيارات الأكثر سلبية التي كانت مطروحة على الطاولة. أما إذا اتجهنا إلى الشرق الأوسط فسنجد أن ترامب سعى أيضا لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة بمن فيهم إسرائيل والدول العربية المفتاحية التي كانت لديها علاقات متوترة مع الرئيس أوباما، خصوصا حول الاتفاق النووي الإيراني. وفي لقائه مع الزعامات الإقليمية كذب ترامب التوقعات بتخلي الولايات المتحدة عن الاتفاق بتأكيده بدلا عن ذلك على الحاجة إلى التحقق على نحو أشد صرامة من تقيد طهران به. إلى ذلك فإن ترامب، مثله في ذلك مثل أسلافه، يجري سحبه إلى «دوامة» السلام العربي الإسرائيلي. ومن المؤكد تقريبا أن كلا من العاهلين السعودي الملك سلمان في محادثته الهاتفية مع ترامب ، والأردني الملك عبدالله الثاني في لقائه معه وجها لوجه، دفعاه إلى استئناف الجهود الدبلوماسية بين إسرائيل والفلسطينيين. وبعد أن كان ترامب قد شكك لوهلة في الحاجة إلى حل الدولتين، أوضحت سفيرتنا لدى الأمم المتحدة «نِكِي هالي» أن هذه السياسة لا تزال تحظى حقا بمساندة أمريكا.

وإذا انتقلنا إلى أوروبا، سنجد أن وزير الدفاع ماتيس كان قد زارها مؤخرا. وكذلك فعل كل من وزير الخارجية ريكس تيلرسون ونائب الرئيس بينس. وعلى الرغم من أنهم حاولوا الإبقاء على شيء من الخوف الذي شاع في نفوس الحلفاء في أثناء مطالبتهم بمشاركة (أوروبية) أكبر في تحمل الأعباء العسكرية للحلف إلا أنهم، كما هو واضح، أكدوا على استمرار التزام الولايات المتحدة تجاه الناتو. لقد كانوا مصيبين فيما فعلوه على كلا الصعيدين ( الإبقاء على شيء من خوف الأوروبيين وتأكيد الالتزام الأمريكي - المترجم.) فالتزام أمريكا ليس موضوعا يمكن التلاعب به ، بالنظر إلى أن روسيا قد تشعر في هذه الحال بما يشجعها على تحدي سيادة الدول التي كانت سوفيتية أو مشاركة في حلف وارسو سابقا ، مثل لاتفيا وإستونيا وبولندا. كما أبلغ «ماتيس » القادة العسكريين للناتو، في حديثه عن روسيا، بأنه لن يكون هنالك تعاون عسكري بين واشنطن وموسكو في المستقبل القريب. وأوضحت السفيرة «هالي» عدم اعتراف الولايات المتحدة باستيلاء روسيا على القِرم ، وأنها ستنضم إلى الحلفاء الأوروبيين في الإبقاء على العقوبات ضد روسيا إلى أن ينتهي عدوانها على أوكرانيا. ولا يزال ترامب يأمل، وهو محق في أن يكون على علاقة أكثر ودا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن لن يكون هنالك رفع غير مشروط للعقوبات المفروضة على روسيا في أي وقت قريب. أما ضجة وسائل الإعلام التي يشكو منها ترامب، فهي إلى حد كبير من صنعه. ولكن في الحقيقة يبدو أن العديد من الخبراء أكثر انشغالا بالهفوات وحوادث الافتقار للباقة السياسية ، منهم بسياسات الأمن القومي الفعلية. وفي حين أن الإدارة لها زلات سياسية ، إلا أن سياساتها في مجال الأمن القومي تبدو أفضل كثيرا مما كان متوقعا قبل أشهر قليلة مضت. ومع ذلك، يجب أن يضع ترامب في باله أنه الآن يقف أمام أكبر مسرح في العالم، وأن كل كلمة أو حركة منه سيتم بل ويجب فحصها بإمعان ومناقشتها بشدة. وطالما ظلت الكلمات التي يستخدمها، وأيضا إخفاقات البيت الأبيض، تلهب الوضع فإن عاصفة الأخبار ستتواصل، بحق أوبغير حق.

• الكاتبان أوهانلون زميل أول بمعهد بروكنجز، أما جوردون فقد كان مدير تخطيط السياسات لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ونائب رئيس مجلس الاستخبارات القومي. وهو الآن كبير مستشاري مجموعة يورو آسيا.